تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
أما الدراسة المونوغرافية الحديثة حول سوس التي أنجزها الأستاذ محمد حنداين، والتي كانت في أصلها رسالة لنيل دكتوراه الدولة في موضوع «علاقة قبائل سوس بالمخزن: 1672- 1822.»، والتي تم نشرها بعنوان آخر هو : « المخزن وسوس: (1672/1822) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة «، فقد تناول فيها صاحب العمل دار إيليغ في علاقتها بالمركز، وبعد قراءة متأنية ويقظة للعمل، يلاحظ أن الباحث حاول جاهدا استخدام زخم وثائقي ومصدري متنوع للإحاطة الشمولية بموضوع بحثه، والاجابة عن إشكاليته؛ لكن تأتي النتائج مكرسة لتلك التي خرجت بها دراسة بول باسكون سواء المتعلقة بالسوس الأقصى والمخزن، أو تلك التي تناولت التاريخ الإجتماعي لدار إيليغ . ونحيل القارئ على الاستنتاج العام الذي حاول محمد حنداين أن يقفل به باب دراسته ( حنداين محمد،» المخزن وسوس: (1672/1822) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة» دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1425/2005، صص:557- 562). ومن جملة هذه الاستنتاجات:
✓ أن العامل الجغرافي والخصوصيات الطبيعية لسوس مكنا المجال من «الاستقلال» عن المركز وهو كلام مردود على الرجل بالحجة والبرهان، فما من وثيقة مخزنية أو محلية تثبت ما ذهب إليه الباحث، كما أن التمردات وليس «الثورات» كما يسميها هو، لم يكن غرضها الفتك بالمركز و «الاستقلال» عنه، فاطلاعنا على وثائق جديدة ستعتمد في هذه المقالات تثبت لنا بالملموس أن العلاقة كانت مستمرة بين المركز والهامش اللهم إذا استثنينا بعض التشنجات التي وسمت العلاقة لظروف معينة، كحملة أغناج الحاحي على دار إيليغ زمن المولى سليمان (1792/1822). يمكن القول أن السلطة المركزية حاولت أن تترك المجال على عوائده وهي سياسة كرسها الحسن الأول (1873/1894) ولم تكن سياسة جديدة.
✓ تشير الدراسة إلى أن أغلب «الثورات» بسوس خلال القرن الثامن عشر الميلادي، «كانت تتبنى مشروع التغيير الشامل للسلطة الحاكمة بالمغرب»،( حنداين محمد، المخزن وسوس… م.س، ص:557.)إنها عبارة فضفاضة غير مسؤولة، إذ لا تعدو أن تكون مجرد تمردات قبلية مرتبطة بأزمة انتقال السلطة، أو حادث طبيعي عابر مثل المسغبات والمجاعات والأوبئة- كما ورد في مجموعة من الدراسات (البزاز محمد الأمين، تاريخ المجاعات والأوبئة في المغرب / محمد ايتجمال، المجاعات والأوبئة بالجنوب المغربي )- كان يراد بها أن أهل السوس كانوا تواقين إلى البقاء على عوائدهم، وهو ما رضخ له بالفعل المولى الحسن الذي فهم هذا المجال كما يجب فأحسن فهمه، وستشير مقالاتنا إلى هذه النقطة والتي تتأكد بالفعل من خلال إقدام المولى الحسن بعيد الحركتين الأولى والثانية (1882/1886) على تعيين ثلة من القواد من أبناء سوس بعدما كانت الساكنة تنفر من القواد الأجانب كما هو الحال مع القواد الحاحيون. وسيتكرر الحراك بعيد وفاته خلال فترة حكم الأسرة الكيلولية والأنفلوسية بسوس التي ما تزال أعمالهم موشومة في الذاكرة والمتخيل الشعبي السوسي إلى يومنا هذا.
✓ تعترف الدراسة مجددا بأن أدبيات البيعة هي من تحكم في علاقة المركز بالهامش – وهو ما يجعلنا في حيرة من أمرنا، وهو ما يعبر في الوقت ذاته على تناقض الرجل في أرائه وأحكامه ويؤكد بالملموس نفس خلاصات واستنتاجات الدراسات الكولونيالية.