“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 9 – في ربوع فرنسا، جولةٌ داخل «مُدُنٍ آمنة»

آسفٌ لاحتجازِكُم داخلَ مدينة «نيس» الجميلة، لكنَّها مقياسٌ جيِّد لسياسةِ المراقبةِ لدينا، كان بمقدوري أيضاً اصطحابَكُم إلى مدينة «إيستريس / Istress»، في منطقة «بوش دي رون / Les Bouches Du Rhones»، والَّتي تخصَّصت في الطائراتِ المسيَّرة والمُسَخَّرَة للمراقَبة، توثيقاً للتَّظاهراتِ العموميَّة، أو أيضاً العودة إلى مدينة «فلانسيان/ Valenciennes « الَّتي أبْرَمَتِ اتِّفاقاً مع مقاولة «هواوي / Huawei»، الشَّركة الصينيَّة الكبرى، من أجل إقامةِ «واجهةٍ تكنولوجيَّةٍ / Vitrine Technologique»، مع توزيعِ 217 كاميرا «من الجيلِ الجديد»، قادرةٌ على رصدِ كُل حالةٍ غيرَ اعتياديَّةٍ، أَوِ النُّزول صَوْبَ «مارسيليا /Marseille « الَّتي تَعْتَزِمُ دُونَ موافقةٍ مِنَ اللَّجنةِ الوطنيَّة للبيانات والحريات، ( La CNIL ) التَّرخيصَ لِأَجْرَأَةِ نحو خمسين كاميرا، بفضل برنامجٍ قادرٍ على تحديدِ أيّ شيءٍ مُهْمَلٍ، فضلاً عن ضبطِ هوِّيَةَ المتعاركينَ أوتوماتيكيًّا، وكذا تَتَبُّع مراحل أيّ مظاهرةٍ، بما في ذلك التقاطُ صور كلِّ المحيطِ في الجِوار.
عِوَضاً عن كلِّ ذلك، أقترحُ التَّوَقُّفَ في منطقة «Le Chandron De Saint Etienne» للكشفِ عن مشروعِ مراقبةٍ غير مسبوقٍ، مشروعٌ كان في الآونةِ الأخيرةِ ، مَحَطَّ راداراتِ وسائلِ الإعلام.
تَأْمُلُ المدينةُ، داخلَ أَكثر الأحياءِ حساسيَّةً ( Tarentaize-Beaubrun-Curiot )، إخفاءَ خمسين ميكروفونا ( بحجمٍ صغيرٍ، في مقاسِ قطعةٍ معدنيَّةٍ من فئة 2 أورو) لرصدِ كلّ ضجيجٍ مشبوهٍ،»حادث سير، أو صراخٍ، أو صوتَ تَهَشُّمِ إطاراتٍ زجاجيَّة ،أوكلّ ما يتخلَّل الاعتداء مِنْ سِبَابٍ ، أو نِدَاءَاتِ استغاثة».
سَتَكُونُ هذه المِجَسَّاتُ الصَّوتيَّة «الذَّكيَّة»، مؤهَّلَةً لأَنْ تُمَيِّزَ الأصواتَ العاديَّة، مِثْلَمَا طَمْأَنَنَا بذلك المَجْلس البلديّ. ثُمَّ يَتِمُّ بعد ذلك تصريفُ كلّ هذه المعلومات صوبَ منصَّةٍ رقميَّةٍ طوَّرَتْهَا شركة «Sereneci»، الشَّهيرة بصناعةِ الأسلحةِ وقاذفاتِ الطَّلَقَاتِ الدِّفَاعِيَّة ( LBD ).
مبادرةٌ استنكرتها جمعيَّةُ الدِّفاعِ عن حريَّةِ مستخدِمي النِّتْ، لما رَأَتْهُ فيها من»عسكرةٍ للفضاءِ العموميّ «.
ففي أصلِ المشروعِ، ما إنْ تُعْلِنَ الميكروفونات إنذاراتِهَا، حتَّى تُقْلِعَ طائرةٌ مُسَيَّرَة لتلتقط صوراً استطلاعيَّةً أُولَى.
أنْ تَضَعَ الشَّارعَ تحت التَّنَصُّتِ، وأنْ تَدُسَّ الجواسيسَ في خفاءٍ، عِلَاوَةً على تَثْبِيتِ كاميراتِ المراقَبة بالفيديو، فذاك ما يجعلُنَا تقريباً داخلَ «اعتقالٍ متواصلٍ/ContinumCarcieral «. مَرَّةً أُخْرَى، قَرَّرَ المجلسُ البلديّ أمام انتفاضِ اللَّجنة الوطنيَّة للبيانَاتِ والحريَّات، التَّخَلِّي في آخر لحظةٍ، عنِ التَّجربة.
تَحْمِلُ هذه المُدُنُ المراقَبَة، الاسمَ العصريَّ : « مُدُنٌ آمنة/ Safecities»، تركيبٌ لُغَوِيٌّ إنجليزيٌّ مُتَأَنِّقٌ، يَجْعَلُ فِعْلَ مراقَبَةِ الحشودِ أكثرَ مقبوليَّةً.
تَنْهَضُ فلسفةُ هذه الفضاءاتِ الحديثَةِ، على منطقِ الرُّؤْيَةِ الفائقة، الَّتي يُمْكِنُ أنْ تَتَوَافَرَ لنظامٍ مركزيٍّ قادرٍ على رؤيَةِ وسماعِ كلّ شيءٍ؛ راصداً، وعلى نحو آنيّ، بفضل اللُّوغاريتماتِ والذَّكَاءِ الاصطناعيِّ، أدْنى تهديدٍ محتملٍ.
تنطوي طبعاً، هذه المراقَبَةُ الَّتي تَرْغَبُ في أن تَكُونَ كُلِّيَةَ العِلْمِ، على تهديدٍ بأشكالَ مختلفةٍ لحريَّةِ المعارضين والصحافيِّين، أو باقي المواطنين الملتزِمين.
مراقبةٌ مكثَّفةٌ و»ذكيَّة»، تُجَازِفُ بإِضعافِ القِوى المعارِضةِ.
المنتخَبون المدافعون عن مبدأ «المدن الآمنة/Safecities «، ليسوا فقط مجرَّد مَهْوُوسِينَ كِبَار بجنونِ العظَمَة، يسعونَ وراءَ تحقيقِ السَّيطرة، ولكن أيضاً، فاعلينَ علنيِّينَ، يعلمونَ تمامَ العِلْمِ أنَّ الأمنَ سوقٌ مستقبليَّةٌ ضخمةٌ، إِنْ على مُسْتَوى المقاولاتِ الأجنبيَّةِ أو الفرنسيَّةِ المحليَّة ( ومن بينها شركة طاليس ).
مِنَ الأَنْسَبِ إِذَنْ أن تَضَعَ مدينتَكَ ضمن هذا القطاعِ الواعدِ. أمَّا بالنِّسبة للمدافعين عن حريَّاتِ مستخدِمِي النِّتْ، فالمنتخَبون المحليُّون، ليسوا أكثر مِمَّنْ يقودُ حملةً مكثَّفةً لفائدةِ اللُّوبي التَّشْريعي، كَيْمَا تَضْطَلِعَ الحكومة بتأطيرٍ جيِّد، موسِّعَةً بذلك، وَمِنْ أَجْلِ غايَاتٍ أَمْنِيَّةٍ، حدودَ استعمالِ الذَّكَاءِ الاصطناعيّ، وكذا حدود تقنيَّةِ « التَّعرُّفِ عبر الوجه «.
الأمر أَشْبَهُ بِكُمُونٍ في الظِّلِّ تَرَقُّباً للانقضاض على أَدْنَى فرصةٍ ممْكِنَة.

*تطبيق « الرُّؤيَة الواضحة / ClearView «، أو أنْ تكون سَجِينَ وجهِك.

أُرَاهِنُ، في المستقبَلِ القريبِ، سَيَكُونَ بمقدورِ كلِّ شخصٍ عاديٍّ أن يُحَدِّدَ هُوِّيَةَ أيَّ شخصٍ مجهولٍ، انطلاقاً فقط من وجهِهِ، دُونَمَا عودة إلى محرِّكِ البحثِ «غوغل».
مستقرِّينَ في قَعْرِ حافلةٍ للنَّقْلِ، يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَثِيرَكُمْ من بعيدٍ وسامةُ شخصٍ مَا. بِتَكَتُّمٍ كاملٍ، تلتقطونَ له صورةً، وتُمَرِّرُونَ هذا الكليشي المختلَس إلى تطبيقٍ، وما هي إلاَّ ثوانٍ، حتَّى تُحَدِّدُوا هوِّيَتَهُ، لم يَتَبَقَّ لكم إلاَّ معايَنتَهُ على «فايسبوك»، أو «أنستغرام»، أو «لينكدن».
هذا بالنِّسبةِ إلى السِّيناريو العاطفيّ الأوَّل، إذا ما انطلقنا من مبدأ أنَّك لسْتَ مُغَازِلاً متحرِّشاً بالقوَّة. ولَكَ فَسْحَةُ أنْ تتخيَّل وضعيَّاتٍ أُخرى، حينما يُحَالِفُكَ التَّوفيق في تحديدِ هوِّيَةَ زبونٍ، أو منافسٍ، أو عشيقٍ …الخ.
دُونَ شَكٍّ، تطبيقٌ كهذا يؤَشِّرُ ببساطةٍ على موتِ الحياةِ الخاصَّة، إلاَّ إذا كُنْتَ قَدِ اعْتَدْتَ العودة الدَّائمة إلى مساحيقِ التَّمويه، أو إلى النظَّاراتِ ذاتِ الَّلونِ الغامقِ، أو إلى الأقْنعة، أو إلى تدَابير َأُخْرَى تجعلُ مِنْكَ مباشرةً مشتبهاً بِهِ، بعيداً عن فترةِ الأزمةِ الصحيَّة، كوفيد19، الَّتي شَرَّعَتْ لارتداءِ الكمَّامَة / القناع.
هذا التصوُّر، ليس مجرَّد استشرافٍ، لأَنَّ التَّطْبيقَ موجودٌ بالفعل، ويُدْعَى « كليرفيو / Clearview «.
تُعتبَر الشَّركة الَّتي أسَّسَهَا الثَّلاثِينِيّ «Hoanton-That»العجوز»پيتيرثيال/ Peter Thiel» ، الشَّريكَ المؤسِّسَ»لپاي بال/ Pay Pal»، جزءاً من رأسمالها.
المفهوم في مبدأِهِ بسيطٌ : يَسْتَرَجِعُ تَطبيقُ «كليرڨيو» ملاييرَ الصور المستمدَّة من «النِّت»، ومن مواقِعِ التَّواصلِ الاجتماعيّ، ثُمَّ يقوم بنسخِها وتخزِينِها إلى مَالاَ نِهَايَة. وبِفَضْلِ تقنيَّة «التَّعرُّف عبر الوجه»، تمنح الصورة، حتَّى وإِنْ كانت بإطارٍ سيِّءٍ، التَّطبيقَ إمكانيةَ استخراجِ كلّ السِّمَاتِ المتكرِّرَة الخاصَّة بنفسِ الشَّخص.
أداةً بسيطةً وفعَّالةٌ على حَدٍّ سواء، اجتذَبَتْ بالفعل ما يقارب ستمائة إطار من المصالحِ الأمنيَّة في الولاياتِ المتَّحدةِ الأمريكيَّة. لقد اعتبرت السُّلُطَاتُ تطبيقَ «كليرڨيو» أكثرَ نجاعةٍ من تطبيقِ «دار الوجوه/ Maison Faces»، والَّذي لا يحتفظ في ذاكرتِه إلاَّ بِصُوَرِ ذَوي السَّوابِق.
على غِرَارِ الصَّيد بالجُمْلَة، يُمَشِّطُ «كليرڨيو» بكثافة ودون تمييِّزٍ.
حتَّى ذاك الَّذي لَمْ يَنْشُرْ صورتَهُ إِلاَّ لمرَّةٍ واحدةٍ على النِّت، سيعثُرُ على نفسِهِ قائماً داخلَ نظامِ التَّطبيقِ، لما بَقِيَ من حياتِه.
ثَمَّةَ نجاحٌ أَحْرَزَهُ جهاز الأمنِ بفضلِ هذه الأداة، سواءٌ في ما يتَّصلُ بتَحديدِ هوِّية المجرمين أو الضَّحايا الَّذينَ التَقَطَتْ كاميرا المراقَبَةِ صورَ وجوهِهِم، أو صوَّرَهَا الشُّهود.
طبعاً، هذه القرصنةُ الشَّاملةُ محظورةٌ من خلالِ شروطِ الاستخدامِ على المنصَّات، لكنَّ ما من قانون يمنَعُ ذلك.
يخطِّطُ تطبيقُ «كليرڨيو» لنظَّاراتٍ بواقعٍ مَزِيدٍ ( En Realité Augmentée )، لِتُحَدِّدَ في رمشةِ عينٍ هوِّيَةَ أيّ شخصٍ تُلاقِيه. ما يَفْتِنُ في هذه التِّكنولوجيَّا، أنَّها لَمْ تُسْتَمَدَّ مِنْ مَرْكَزِ أبحاثٍ للجيشِ الأمريكيّ، ولكنْ ببساطةٍ، من مقاولةٍ صغيرةٍ في مِلْكِيَّةِ ثلاثة مهندسين.
مُذْهِلٌ أن نرى ما كان في الصَّميمِ مِنَ الخيالِ العلميّ، باتَ من الآنَ وصاعداً في متناولِ اليدِ. مِنْ جِهَتِهَا، تُزَوِّدُ «أمازون» آلاَفَ المنازلِ الأمريكيَّةِ بأجراسَ «متَّصِلة» ،خاصَّة بالأبواب. يتعلَّق الأمر ببرنامجٍ يسمحُ بتقاسمِ التَّسجيلاتِ مع الجيران، وتسْجيلِ صور المرجَّحِين لأنْ يكونُوا موضوعَ اشتباهٍ.
تَدَفُّقٌ هائلٌ لملايينِ الفيديوهاتِ المتلصِّصَة، الَّتي يُمْكِنُ أنْ يُحَصِّلَهَا الأمن البلديّ، بكمِّياتٍ ضخمة، بفضلِ انخراطِ السُكَّانِ المُقِيمِينَ.
من ميكروفون «أليكسا» المشغَّل داخلَ المَنْزِلِ، إلى كاميرا الجرسِ المُثَبَّتِ عند عتبةِ البابِ في الخارج، يظهرُ الزَّبون مُطَوَّقاً مِنْ قِبَلِ «أمازون» الَّتي تَسْتَقْصِي أدقَّ تفاصِيلِهِ، وحتَّى حُدودِ تسليمهِ الطَّلبيَّاتِ الَّتي يحتاجها.
دونَ أن ننتبهَ إلى ذلك، أصبحنا أَشْبَهَ «بجيم كاري/ Jim Carrey « في فيلم»Truman Show «.


الكاتب : ترجمة: محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 21/03/2024