الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -09-

تثمين آلية ترتبط فلسفيا بمفهوم سلطوي للحكم…، باسم مسلسل للدمقرطة

 

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة. وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث ، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

 

(تقديم مقتضب: إذا كانت الإمبراطورية قد حكمت سوس عن .. بعد ، وقدمت نموذجا في السلطة غير معروف ومختلف عن مفهوم الدولة الوطنية المعتاد، فإن تطوان تقدم نموذجا آخر لإدارة مدينة وحكمها عن طريق شراكة مع أعوان محليين)
إن القوانين التنظيمية التي تحدد تركيبة وتشكيلة هذه الهيئات ،(وهي‮ ‬المجلس الوطني‮ ‬لحقوق الإنسان‮- ‬الوسيط‮ – ‬مجلس الجالية المغربية بالخارج‮- ‬الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز‮- ‬الهيئة العليا للاتصال السمعي‮ ‬البصري‮- ‬مجلس المنافسة‮ -‬الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها‮- ‬المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‮ -‬المجلس الاستشاري‮ ‬للأسرة والطفولة‮ – ‬المجلس الاستشاري‮ ‬للشباب والعمل الجمعوي‮…)‬ لا تمنع، في المقابل، استمرار وثبات مفهوم التنظيم حسب الفئات في المجتمع المغربي، وإذا كانت هذه التنظيمات الفئوية تعرف تحولات، فإنها مع ذلك ما زالت تهيكل عملية التعيين من طرف الملك .. وهي عمليات تعيين تمنح مكانة للمهني الذي يقيم في الخارج، والتقنوقراطي والأساتذة من مختلف الحساسيات وممثلي المجتمع المدني من اليمين كما اليسار، والمناضلة النسوانية ورجل الأعمال المستقل، ومن اضل حقوق الإنسان والفيلسوف الخارج عن المألوف الملحد…. دون حسبان الفئات “التقليدية” مثل اليهودي، ورجل البلاط ورجل الدين والأمازيغي والصحراوي والريفي ورجل السهول الوسطى…
ولعل فهم التمثيلية باعتبارها صورة الأمة في تنوعها يطبع عميقا السلطة الملكية.. بعيدا عن العمليات السياسية، كما يمس الدائرة الحميمية. وعلى هذا الأساس يجب أن نفهم المدرسة المولوية، أو الكلية الملكية أو المعهد الملكي الذي تم إنشاؤه في عام 1942 من قبل محمد الخامس، مثل علبة مجوهرات في قلب القصر الملكي ومهمته الأولى هي تعليم الأمراء والأميرات تعليما عصريا، مع تعليم صلب بالعربية، يكون أحيانا جد تقليدي، وقد اتخذت في عهد الحسن الثاني بعدا آخر تمثل في حرص الملك على أن يتابع فيه كل أبنائه، بمن فيهم العاهل الحالي دراستهم إلى حين الحصول على الباكالوريا، وجعل من مدرسة “سمية سيدي” ( أي الذي يحمل اسم محمد الخامس ) وسطا مصغرا يلخص كل الطبقات الاجتماعية والجهات في المغرب، وقد كان عدد التلاميذ الثانوي 11 تلميذا، أربعة منهم أبناء الأعيان وسبعة منهم من ” المتفوقين” يتم انتقاؤهم من بين أنجب تلاميذ البلاد، وكل واحد من منطقة مختلفة في المملكة، وفي سنة 2018، تلقى فيه مولاي الحسن وشقيقته دراستهما في نفس الشروط التي درس فيها والدهما وجدهما..
بيْد أن ممارسة “التعيين من فوق” ليس احتكارا ملكيا. بل هو كذلك يمارس من مجموع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين حتى ولو كان يكتسي حينها أشكالا أخرى.. كما الهيئات العشر التي أنشاها الدستور، لم تولد من تهيؤات خبراء مجتمعين بل من الضغط القوي الذي أفرزته عمليات المشاورات التي كانت وراء صناعة هذا الدستور. وقد كانت اللازمة عند كل الشخصيات تقريبا التي تم الاستماع لها (جمعيات نقابات أحزاب سياسية ممثلو الحركات الاجتماعية ) هي ” دسترة” هذه المجالس أو اللجن (هناك حوالي 80 مجلسا أو لجنة كانت موضوع طلب، كما يتبين من الكراسة الميدانية لمحمد الطوزي أثناء مشاركته في لجنة مراجعة الدستور)..
يمكن أن نرى في هذه المقترحات التعبير عن طلب “للدمقرطة”، وفي الوقت نفسه تعبيرا عن ارتباط بالتنظيمات الفئوية كما تشكلت تاريخيا. ويمكن أيضا أن نقرأها باعتبارها تعايش إرادة صريحة في اتقاء المخاطرة الانتخابية ورفض السياسة كما تجسدها الأحزاب أو كخوف من ” دكتاتورية الأغلبية” في أفق انتخابات نزيهة، في امتداد للانتقادات المعبر عنها ضد ديموقراطية تم تحريف مبدأ التمثيلية فيها. ولكن المفارقة تكمن في تثمين آلية ترتبط فلسفيا بمفهوم سلطوي للحكم…، باسم مسلسل للدمقرطة !
وهذه المفارقة لا تخص المغرب وحده فقط بل هي تميز اللحظة المعاصرة، وكل التفكير في وَهَن الديموقراطية و”أزمة التمثيلية” وما يستتبعها، وضرورة ابتكار آليات جديدة للشَّرْعَنة.
وفي حالة المغرب فإن هذه المفارقة تنزع نحو إعطاء دلالة جديدة، أقرب إلى الإمبراطورية منها إلى الدولة الأمة، لهذه التنظيمات الفئوية، وذلك عبر تحيينها ودمجها في العقيدة الدولية الجديدة مع “تزيينها بمحاسن الحكامة الرشيدة”.


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 21/03/2024