تاريخ العبودية، العرق والإسلام -10- العبودية بين التصورات الثقافية والشريعة الإسلامية

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

 

..وفقا ل»جيمس سويت»: “من الأراضي الإسلامية وأيبيريا، وجدت هذه المواقف العنصرية طريقها إلى الأمريكتين وكانت مفيدة في خلق العنصرية الأمريكية». كان المؤرخون البرتغاليون على دراية ب»اللعنة (الأسطورة) الحامية» حتى قبل أن تبدأ الأنشطة التجارية البرتغالية، وغارات العبيد في غرب إفريقيا في النصف الأول من القرن ال15 .
أوضح الباحث البرتغالي «غوميز إينيس دي أزورارا» (ت 1474)، عن العرق الأسود من حيث الأسطورة الحامية: «كان السود مغاربة مثل الآخرين، على الرغم من كونهم عبيدا وفقا للعرف القديم، والذي أعتقد أنه كان بسبب اللعنة التي – بعد الطوفان – نطق بها نوح على ابنه، ولعنه بهذه الطريقة (أن جنسه يجب أن يخضع لجميع الأجناس الأخرى في العالم). ومن هذا العرق، ينحدر هؤلاء السود، كما كتب «دون رودريك» رئيس أساقفة «طليطلة»، وفعل «يوسيفوس» في كتابه عن «آثار اليهود»، وأيضا «والتر» مع مؤلفين آخرين تحدثوا عن أجيال نوح، منذ وقت خروجه من الفلك».
لم يبدأ «التفسير الديني» لأصول العرق في الانهيار، إلا بعد عصر التنوير في أوروبا الغربية وصعود العلم التجريبي، فقط ليؤدي – مع الأسف – إلى ظهور مفاهيم علمية زائفة عنصرية للتصنيفات البشرية القائمة على التشويه المؤسف لنظرية داروين، أي «الداروينية الاجتماعية». ولكن حتى الثورة المفاهيمية للتنوير، لم تمنع المسافرين الأوروبيين في القرن ال19 إلى إفريقيا، من الإشارة إلى «النظرية الحامية» في روايات رحلاتهم.
خلص المؤرخ المعاصر «ويليام ماكي إيفانز»، إلى أن: «من خلال دراسة الهويات العرقية المتغيرة ل «أبناء حام»، ومن متابعة رحلتهم في هذه الأسطورة من «أرض كنعان» إلى «أرض غينيا»، ربما يمكننا أن نتعلم شيئا عن الضغوط التاريخية التي شكلت المواقف العنصرية البيضاء الحديثة. إن استخدام (أو إساءة استخدام) «النظرية الحامية»، وإضفاء الطابع العنصري عليها هو قصة مثيرة للاهتمام تتضمن التاريخ الديني والثقافي لليهودية والمسيحية والإسلام»، فإن تأثير «الأسطورة الحامية» فيما يتعلق بالعرق ليس له مكان أو داع للتواجد في القرآن أو الحديث. ومع ذلك، أشار العديد من المؤرخين والجغرافيين إليه، على أنه «معرفة ثقافية متأصلة بعمق في تصنيفاتهم للمجموعات البشرية والتسلسل الهرمي الاجتماعي، استخدموا على وجه الخصوص هذا الافتراض الضمني كعدسة تحليلية إلزامية حافظت على التفوق العربي وتبرير التحيز ضد السود». ومع ذلك، لم تكن مواقف المسلمين تجاه السود بحاجة إلى أطروحة حامية لتبرير العبودية، أي أن القصة الحامية لم تكن ضرورية لتبرير العبودية في المجتمعات الإسلامية لأن المبرر الوحيد للاستعباد في الشريعة الإسلامية هو شرط الكفر.
ومع ذلك، كانت أسطورة «اللعنة الحامية» (Hamitic) جزءا من مجموعة التعميمات التاريخية التي ساهمت في الخطاب الثقافي العرقي في شمال إفريقيا. تسمح لنا السجلات التاريخية، برؤية أن: «التحيز ضد السود، أعمى العرب والبربر ذوي البشرة الفاتحة، ودفعهم إما إلى رفض حق أقرانهم المسلمين ذوي البشرة الداكنة في الحرية الطبيعية كمسلمين، أو إدخال غموض في ما يتعلق بالعرق الذي خلق صراعا بين تعاليم القرآن والصور النمطية الثقافية الراسخة عن السود والمسلمين».
مع تقدم الإسلام إلى إفريقيا، زادت غارات العبيد في غرب إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأصبحت أكثر شيوعا عندما بدأ المعروض من العبيد، الذين تم الحصول عليهم إما عن طريق الشراء أو كأسرى حرب في شبه الجزيرة الأيبيرية والبحر الأسود في التضاؤل بمجرد أن تلاشت «الحملات الجهادية» أو «الحروب المقدسة»، التي خاضتها الدول الإسلامية في المنطقة، كما كان الانخفاض في العرض الأوروبي للعبيد لمسلمي المناطق الجنوبية أيضا نتيجة لضرورة اقتصادية.
في الرحلات التجارية، حصل الأوروبيون على السكر، وهو سلعة اعتاد الأوروبيون في العصور الوسطى على تسميتها «هبة السماء» من الأراضي الإسلامية، لكنهم سرعان ما تعلموا صنعها بأنفسهم في أواخر القرن ال14. بحلول أوائل القرن ال15، بدأ البرتغاليون إنتاج السكر في «ماديرا»، وحذا القشتاليون حذوهم في الربع الأخير من القرن ال15. تم توفير العمالة المكثفة اللازمة، جزئيا من قبل العبيد من منطقة البحر الأسود، وهذه هي الطريقة التي غير بها طريق العبيد هذا مساره غربا إلى أوروبا بعيدا عن الأراضي الإسلامية. مع الأتراك في الأفق، أصبح العبيد محور التنافس بين «المسيحيين» و»المسلمين»، على غرار تنافس «الروس» و»الإمبراطورية العثمانية» ضد بعضهم البعض وعروض الحماية من الاستعباد.
بحلول القرن ال15، غزا العثمانيون المناطق الجنوبية من أوروبا الشرقية، وحولوا العديد من «عبيد البلقان» إلى الإسلام. نتيجة لذلك، تحول «الأيبيريون» و»المغاربيون» إلى إفريقيا للعمل بالسخرة، حيث احتاج الأيبيريون إلى الأفارقة بشكل أساسي لإنتاج السكر، وكان هذا عندما بدأ المسيحيون كما يقول «ويليام ماكي إيفانز»: “كان النظر إلى السود، يمارس بطرق كانت سمة من سمات الدول الإسلامية الطبقية العنصرية لنحو 7 قرون».
تحولت الدول الإسلامية جنوبا إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. استعبد مسلمو شمال إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا. كانت هذه من بين المصادر الأولى والأخيرة. وبحلول القرن السادس عشر، أصبح استعباد الأفارقة جنوب الصحراء الكبرى موضع تساؤل لأن العديد من سكان غرب إفريقيا اعتنقوا الإسلام في الواقع قبل استعبادهم. أفضل مثال يوضح هذا الغموض موجود في رسائل من المسلمين العاديين، على الأرجح التجار ، من جنوب المغرب ، إلى العلماء المقيمين بالقرب من المناطق التي تعتبر من مقدمي العبيد. فقيه واحد، هو مخلوف بن علي ب. أعرب صالح البلبالي (توفي بعد 1533-1534)، من منطقة الساحل الغربي وأقام في كل من تمبكتو ومراكش، عن استيائه من مسألة استعباد المسلمين السود واصفا إياها بأنها «كارثة كبيرة كان لسوء حظها تأثير واسع النطاق في جميع أنحاء الأراضي في هذا العصر» … بشأن قضية العبودية وعلى هذا النحو تكشف عن التوترات بين التصورات الثقافية ومبادئ وتطبيق الشريعة الإسلامية. كان المؤرخ الإنجليزي «ميرفين هيسكيت» (1920-1994) محقا في قوله: «من الواضح أن المسلمين غالبا ما وجدوا أنفسهم في مأزق أخلاقي من حيث أنهم كانوا على دراية كاملة بعدم إنسانية مؤسسة كان عليهم قبولها أخلاقيا»…


الكاتب : ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 22/03/2024