خواطر من «مسافة الصفر» -10-

هذه بعض الخواطر التي راجت في ذهني، وأنا اتابع قضايا وتفاصيل ومشاهد المعركة التاريخية الكبرى التي فجرتها المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر، وفي يومها المائة. ولأنها مجرد خواطر فهي أقرب إلى حوار ذاتي مع الأسئلة التي كنت أطرحها على نفسي خلال مجريات الأحداث؛ ولا أزعم أنها ارتقت إلى موضوعات كاملة المعطيات ومتكاملة المبنى والتركيب. وقد عنونتها من مسافة الصفر كناية على أنها من وجدان مندمج مع المقاومة قلبا و قالبا.

 

كانت هذه خلاصتي بعد ما سمي بالربيع العربي. وربما بات واضحا لدينا، ان سبب الفشل الكارثي لهذا «الربيع»، ان النخبة التي قادته ، او ركبت عليه، بجناحيها الحداثي والمحافظ التقليدي، اندمج أغلبها بالمخططات الغربية والتحالفات الاقليمية التابعة لها، وانها ارادت ان تحقق الديمقراطية الانتخابية كمفتاح سحري لكافة المشاكل، وهي السقف الأعلى والأوحد لما كانت تدعيه، راكبة على « القوة» التي يمدها بها تحالفاتها الغربية والاقليمية اكثر من اعتمادها على نضج القوى الاجتماعية الداخلية. ولا ريب في ان تبنيها الصريح او الضمني لكل المزاعم الايديولوجية النيوليبرالية كان وراء الكوارث التي ألحقتها بمجتمعاتها، وبكلمة مختصرة. الليبرالية والحداثة بدون أفق التحرر الوطني والاعتماد على التطور الفعلي للقوى الاجتماعية، السياسي والثقافي، طريق مسدود و كارثي .
وجاءت معركة طوفان الاقصى، وقد يكون من مآثرها أن تستعيد معظم المفاهيم التي سحبت من التداول مكانتها في الافق التاريخي التقدمي الحق. ان معركتنا كانت ومازالت معركة تحرر وطني وقومي قبل اي هدف اخر. وكل الاهداف الاخرى في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتوطين العلم والتكنولوجيا وتحديث الثقافة المجتمعية هي جميعا في خدمة هذا الهدف الأكبر.
عندما نتأمل في المظاهرات الشعبية التي عبرت عن تضامنها في هذا البلد العربي او ذاك، وعندما تتردد على مسامعنا من أي مواطن او مواطنة عبارات التضامن مع (أهلنا وأشقائنا واخواننا) الفلسطينيين نفهم من هذه الكلمات التي قد تبدو منسوبة الى روابط إثنية، أنها تعبر في الحقيقة عن وظيفة زمنها في أن لهذه الشعوب أبا واحدا تمثله موروثات «الحضارة العربية الاسلامية»، وأُما واحدة يمثلها «المصير العربي المشترك».
أصل من كل تلك اللوحة المكثفة الى خلاصة عامة، كنت قد ادليت بها في مداخلات اخرى:
الوجدان الشعبي القومي – العفوي مادة ضرورية و حاسمة في تطور الوعي القومي الوحدوي التحرري ، لكنه لوحده لا يكفي، اذا لم يستثمر من لدن الحركات التقدمية المنظمة بمشاريع تضيئ له الطريق، وتستدمجه في نضالات وحدوية ملموسة. وفي هذا السبيل، وأنا على ثقة، بان الوضع العربي لن يكون كما قبله، أرى أن من بين القضايا التي ينبغي للحركة التقدمية ان تتابعها على محمل الجد والمثابرة، قضية اصلاح الجامعة العربية. والاهتمام بكل البرامج والمقترحات التنموية و الامنية والثقافية على المستوى العربي او الجهوي والتي اقترحت من طرفها أو من منظمات المجتمع المدني. وبكلمة موجزة ينبغي لكل حركة تقدمية وطنية، أن يكون لديها بجانب برنامجها السياسي الوطني برنامج جهوي وعربي عام يتضمن مقترحاتها الملموسة في كافة المجالات للرقي بالعمل الوحدوي. ومن بين قضايا اصلاح الجامعة العربية، أرى ضرورة اعتماد هيكلتها القادمة على برلمان منتخب بطريقة مباشرة في كافة البلدان المنضوية لها .
الانتخاب المباشر، وبرلمان له صلاحيات متدرجة مع تطور الواجهات الاقتصادية والسياسية، كما هو الشأن في الاتحاد الاوروبي، له فائدة كبرى في تطوير العملية الاتحادية، و في الادماج المباشر للشعوب العربية في سيرورتها و تسريع ديناميتها وضمان وجهتها الصحيحة.


الكاتب : محمد الحبيب طالب

  

بتاريخ : 22/03/2024