“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 13 : «أمازون»، أو العمل تحت الرَّقابة

سنةَ 1944. استشعر أحدُ مُمَوِّلِي «وول ستريت» إمكانيةَ تحصيلِ ثروةٍ عن طريقِ الويب الَّذي كان لا يزالُ في بداياتِهِ الأولى. سنةَ 2017، أصبحَ «جيف بيزوس» الرَّجُلُ الأكثرُ ثراءً على وجهِ البَسيطةِ، بفضلِ إنشاءِ بوَّابةِ البيعِ عبرَ النِّتْ «أمازون «، والَّتي استوحتْ اسمها مِنْ أكبرِ نهرٍ في العالَمِ. خَيَارٌ يُغْنِينَا عن الكلامِ بشأنِ نوايا المؤسَّسَة «جيف بيزوس/ Jeff Bezos».
يبدو أنَّ الرَّجلَ كان أَبْعَدَ مِنْ طموحاتِهِ، فهو يُصَدِّرُ اليومَ 158 طرداً في الثَّانيةِ الواحدةِ، أيْ ما يفوقُ خمسةَ مليارِ طَرْدِ في السَّنة. وإذا كان المَوْقِعُ في أَصْلِ نَشْأَتِهِ، لا يقترحُ سوى الكتب، فإنَّه يبيع مِنَ الآن وصاعداً كلَّ أنواعِ المنتوجاتِ في كلِّ أرجاءِ المعمور.
يتباهى «بيزوس» بإحداثِ عشراتِ الآلافِ من مناصبِ الشُّغْلِ سنويّاً، وحسبَ النَّاشِطَة في مجالِ مكافحةِ الاحتكار، السيِّدة «ستاسي ميتشال/Stacy Mitchell»، فإنَّ «أمازون» تُدمِّرُ مقابلَ كلِّ منصبِ شُغْلٍ تُحْدِثُهُ، مَنْصِبَيْنِ في تجارةِ القُرْبِ، و وراءَ ما تُقَدِّمُهُ مئاتُ الآلافِ من المُسْتَخْدَمِينَ الَّذين يعيشونَ تحتَ ضغطِ الإنتاجِ الدَّائِمِ، بين المطرقةِ والسِّندان، داخلَ مستودَعاتٍ هائلةٍ، حيثُ يَتَعَيَّنُ أنْ يَحُثُّوا الخَطْوَ هَرْوَلَةً مخافةَ أن يكونوا عُرْضَةً للتَّسريحِ.
وبالفعلِ تَسْتَعْمِلُ «أمازون» نظاماً معلوماتيّاً قادرا على الرَّصْدِ الأوتوماتيكيّ للمُسْتَخْدَمِينَ الَّذينَ لا يَنْضبِطونَ لإيقاعِ العملِ، مِثْلَما هو قادرٌ على اِتِّخاذِ قرارِ التَّسريحِ دونمَا تدخُّلِ مِنْ أيِّ كانَ. ذاك ما كَشَفَتْهُ جريدةُ «The Verge»، عبرَ نَشْرِهَا مُذَكِّرةً داخليَّةً خاصَّة بالمقاولة. ينبغي أنْ يحافظَ كلُّ مُسْتَخْدَمٍ مِنْ مُسْتَخْدَمِي «أمازون « على حصَّتهِ من الإنتاجيَّةِ الَّتي تحدِّدُ سرعةَ التَّنَقُّلِ، وزمنِ إنجازِ المهمَّة، أو عدد الطُّرودِ الَّتي يَتعَيَّن تغليفُها، و الَّتي يكونُ النِّظامُ ينتظرُ المئات منها مثلًا، خلالَ ساعةٍ واحدة.
أَسَرَّ بعضُ المُسْتَخْدَمِينَ أنَّ العمَّالَ يتفادون الذَّهابَ إلى المرافقِ الصِّحِّيَّةِ لِكَيْ يُحافظوا على إحصائيَّاتِهِمُ الفرديَّةَ. وإذا كانوا يَعْلَمونَ أنَّهُمْ مَحَلُّ مراقبةٍ دائمةٍ، فإنَّهُم لا يشكُّونَ بالضَّرورةِ في أَنَّ لوغاريتماً ما يُمْكِنُهُ أنْ يُحَدِّدَ قَدْرَ الإنتاجيَّة الَّذي هُمُ عليهِ، والَّذي يسمحُ لهم بالاحتفاظِ بعملِهِم.
في هذا السِّياقِ، تقولُ «ستاسي ميتشال» مُفَسِّرَةً هذه الوضعيَّة : « إحدى القضايا الَّتي أسمعُها بانتظامٍ منَ المستخدَمينَ، أنَّ معاملتَهُم تجري كما لو كانوا روبوتاتٍ، لأنَّهم محلُّ حراسةٍ ورَقابةِ هذه الأجهزةِ المُؤْتَمتة». لا يَتَعيَّنُ التَّعويلُ على «أمازون» لتسْمَحَ بميلادِ حمايةٍ نقابيَّةٍ.
فهذا «جيف بيزوس»، أثناءَ عبورِهِ إلى برلين خلال شهرِ أبريل من سنة 2018، يُصرِّحُ دونما مُدَارَاةٍ : «نَظُنُّ أنَّه ليسَ مُجْدِيّاً أنْ تكونَ النَّقاباتُ وسيطاً بينَنا وبين مُستخْدَمينا «.
بتاريخ 12 أبريل 2020، و في عزِّ الجائحةِ، صرَّحَ مُسْتَخْدَمَانِ أمريكيَّان أنَّهما كانا موضوعَ تسريحٍ بدعوى التمرُّدِ، لأنَّهما عبَّرا بِحُرِيَّةٍ عن سيَّاسةِ المقاولة في ما يتَّصِلُ بالتَّغَيُّرِ المُناخي، رَأْيهما في الشُّروطِ الصِّحِّيَّةِ المعمولُ بها داخلَ واحدٍ من المسْتَوْدَعات.
طبعاً «أمازون» دافعتْ عن موقِفِها متحجِّجةً أنَّ المستخدَمَيْنِ أَقْدَما على خرقِ السيَّاساتِ الداخليَّةِ دونَ أنْ تحدِّدَها مع ذلك. نفسُ الحال تَنْطَبِقُ على السيِّد « كريستيان سمالز/ Christian Smalls»، المُسْتَخْدَمُ لدى وحدةِ التَّخْزينِ «Staten Island»، والَّذي كانَ نَشِطاً في المطالبةِ بتوفيرِ تدابيرِ الوقايةِ ضِدَّ فيروسِ كورونا، فقدْ أعْلَنَت «أمازون» تَسْرِيحَهُ مُصَرِّحَةً أنَّهُ « خَاطَرَ بصِحَّةِ وأَمْنِ الغَيْرِ».
ليسَ أمامَ المستخدَمينَ إذنْ، وتفاديّاً لكلِّ المشاكلِ، إلاَّ أنْ يَتَّبِعُوا شِعَارَ المقاولة « اِعْمَلُوا بقسوةٍ، اِسْتَمْتِعوا واكْتُبُوا التَّارِيخَ «. في انتظارِ ذلك، يَكْتُبُ «جيف بيزوس» على الأخصِّ شِعَارَ « التَّدْبيرُ دُونَ تَلامُسٍ «.

*خُنْ رَئيسَك، أو لعبةُ الوِشايَة
حينما لا يَكُونُ النِّظامٌ المعلوماتيّ غيرُ المرئيّ هو من يَتَولَّى مراقبةَ مردوديَّةِ المُسْتَخْدَمِ، فإنَّ نظرةَ زميلهِ أو مَرْؤوسِهِ ترابيّاً هي من يَقُومُ بذلك. سنة 2017، دَاخِلَ أَحَدِ المسْتودَعات الفرنسيَّة الكُبرى الواقعةِ شمالاً في منطقةِ «لوان بلانك/Lauwin Planque»، أَجْرَت «أمازون»لُعْبَةً مُمْتِعَةً لفائدةِ الآلافِ من مُسْتَخْدَمِيهَا ذَويعقودِ العملِ غَيْرُ محدَّدَةِ المُدَّة « CDI»، و كذا لفائدةِ 2900 عاملٍ مُؤَقَّتٍ تَمَّ توظيفُهُمْ بمناسبةِ احتفالاتِ أعيادِ الميلادِ. لعبةٌ بعنوانِ «afety Fun Game «، وبِدِقَّةٍ أَكْبَرَ، يُمْكِنُ إعادةُ تَسْمِيَّتِها، «خُنْ رئيسَكَ/Balance Ton Boos».
نَعْرِفُ بالفعل التِّقنيَّات الأمريكيَّة القديمة المتعلِّقة «بمستخدَمِ الشَّهر»، والَّتي ترومُ تعزيزَ الإنجازاتِ ضمن روحٍ مِنَ المنافسةِ الخيِّرة. لكن، هنا ذهبتِ المقاولةُ العملاقةُ إلى أبعدِ حدٍّ، فاللُّعبة تشجِّعُ المستخدَمَ على فضحِ زملائه سعياً وراءَ تحصيلِ بعضِ النُّقَطِ. يَتَعَيَّنُ على مستخدَمِ «أمازون» أنْ يُحَدِّدَ في قائمةِ الوقائعِ أو حالاتِ الإخْلاَلِ بقواعدِ السَّلامة الَّتي ارْتَكَبَها رُؤَساؤه، بهذا يَكْشِفُ هوِّيَةَ المُخْطِئِ، وهوِّيتَهُ هو، ثُمَّ يُسَلِّمُ القسيمةَ إلى الرَّئيسِ المُقَصِّر لكيْ يكسِبَ النُّقْطَةَ المَرْجُوَّةَ. يسمحُ تراكمُ النُّقطِ، في ما بعد، بمنحِ جوائزَ صغيرةٍ.
حكايةُ المُجازاةِ، هذه الرُّوحُ الجميلةُ للمقاولة !اِعْتَبَرَ مَنْدُوبُو النَّقاباتِ المسألةَ تحرُّشاً وفعل وِشايةٍ صريحٍ، وفرَضوا التَّسريحَ الفوريّ للمستخْدَمِ المِهنيّ. أمَّا الإدارة، فتعهَّدت بعدمِ الاحتفاظِ بالقوائمِ عندَ نهايةِ اللُّعبة، لأنَّ المسألةَ بالنِّسبةِ إليْهَا لاَ تعْدو أنْ تَكُونَ « لَعِباً أُجْرِيَ بروحٍ طفوليَّةٍ «، و ليس ثَمَّةَ ما يَمُتُّ للوشايةِ بأيِّ صِلَةٍ.
نَحْنُ هنا بالمعنى الحَرْفِيّ للكلمةِ إِزَاءَ «فَضْحٍ مقصودٍ»، بما هو التَّعريفُ ذاتُه للوشاية.
غريبٌ أيضاٌ أنْ نُلاَحِظَ هذا القَدْرَ مِنَ التَّلَهُّفِ لدى «أمازون» للانشغال بسلامةِ اليدِ العاملة لَدَيهَا طَوالَ الفترة الَّتي اسْتغرَقَتْها لُعْبَةُ «Safety Fun Game»، وهي المقاولة الَّتي لَزِمَهَا، بفِعْلِ التَّلَكُّؤِ، وقتٌ طويلٌ لكيْ تَشْرَعَ في اتِّخَاذِ تدابير الوقايةِ ضِدَّ انتشارِ كوفيد 19 داخلَ حَرَمِهَا.
كانَ لِزاماً أنْ يُغادرَ بعضُ المأجورينَ مَقَارَّ عَمَلِهِمْ، مِثْلَمَا تَعَيَّنَ أنْ تَتَدَخَّلَ مُفتِّشِيَّةُ الشُّغْلِ الَّتي فَرَضَت، اِبتداءً مِنْ مَطَالِعِ أبريل، التَّمَسُّكَ بالإجراءاتِ اللاَّزمة. خَمْسُ مستودعاتٍ فرنسيَّة من أَصْلِ سِتَّة، أَخْطَرَتْها وزارةُ الشُّغْلِ مِنْ أَجْلِ تأْمينِ وقايةٍ أفضلَ للمأْجورينَ ضِدَّ الفيروس.


الكاتب : ترجمة: محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 26/03/2024