تاريخ العبودية، العرق والإسلام 13 : موقف البربر من السود في المغرب

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

 

… قبل دخول الإسلام إلى المغرب، كان مفهوم «الحرية» قائما على مفهوم «الحماية» من التوغلات الخارجية والتهديدات من الجماعات القبلية الأخرى، أكثر من إحساسنا الحديث بالحرية الفردية. على هذا النحو، تم التحرر من التهديدات الخارجية من خلال روابط التحالف مع مجموعة قبلية معينة، مبنية على الاتصال والحماية التي يمكن أن توفرها قبيلة معينة. هذه «الحرية»، إذن، تأسست من خلال «التضامن القبلي» خلافا لما حدث بين «السود» مع «البربر» من خلال التجارة والحرب، حيث احتل الأفراد السود الذين يعيشون في أرض البربر إما وضعا مهمشا (خدما وعبيدا) أو وضعا تابعا (زواج مختلط أو تابعين).
من المحتمل أن تكون المواقف العنصرية البربرية تجاه السود، قد تشكلت قبل الفتح العربي عندما أجبر البربر في «صنهاجة» و»مصمودة» (قبائل «إمصمودن» – أصحاب البركة) على مغادرة وطنهم بسبب الغزوات الخارجية. أجبر البربر، ضحايا الغزوات المتتالية من قبل «الرومان» و»الوندال» (أو القندال) و»البيزنطيين»، على الانتقال جنوبا إلى المناطق التي يسكنها السود في الغالب. متفوقين «تقنيا» نتيجة لاتصالهم بالثقافات المختلفة، غزا البربر على الأرجح السكان السود في الصحراء، وافترضوا لأنفسهم مكانة متفوقة أخضعوا بها السود.
وفي الوقت نفسه، ربما بدأت هذه المجموعات من البربر في الحفاظ على هويتها من خلال الالتفاف حول «مجموعات (الأقارب) العائلية» على أساس مفاهيم المساواة. كانت «مجموعة الأقارب» طريقة مبتكرة للتعايش بعد نزع ملكية البربر وتشتيتهم من قبل الغزاة الخارجيين. أولئك الذين هاجروا، طوروا شعورا بتضامن الأقارب الذي لم يسمح بالاختلاط مع الغرباء، كما لم يكن ينظر إلى أفراد السكان السود (الأصليين) على أنهم غرباء في ما يتعلق بالقرابة فحسب، بل كان ينظر إليهم أيضا على أنهم من الطبقة الأدنى.
من المثير للاهتمام، أن نلاحظ أن الشخصية الصوفية المسماة «أبو يعزى يلنور» (ت 1177)اقترح على صديقه الذي طلبت منه زوجته جارية، لكنه لم يكن لديه وسيلة للحصول على واحدة، أن يحل محل الجارية، معتقدا أنه من السهل أن يمثل دور الجارية عندما يرتدي زي امرأة، لأنه كان أسود وغير ملتحي. بهذه الطريقة، خدم الزوجين لمدة عام، قام فيها بطحن القمح وصنع العجين والخبز وجلب الماء، كان يفعل كل هذا في الليل وفي النهار كان يتعبد في المسجد.
بعد عام، عندما اكتشفت الزوجة الهوية الحقيقية ل»أبو يعزى»، شعرت بالحرج وبدأت في القيام بالعمل بنفسها. ما تكشفه القصة، هو الافتراض بين بربر مصمودة أن: “العبودية كانت مرتبطة بالسود». لكن في الوقت نفسه، تشير حقيقة أنه كان شخصية صوفية مهمة إلى عكس ذلك أي «الحراك الروحي»، يبدو أيضا أن رغبة العائلات الصغيرة في الحصول على خادمة سوداء، يمكنها القيام بهذه الأعمال المنزلية وأكثر من ذلك، كانت كبيرة للغاية، وهذه الحكاية العنصرية عن بربر قبائل «مصمودة» ليست مثالا معزولا.
نجد هذا الموقف بين علماء البربر الآخرين، الذين اعتقدوا أن «الاختلاط البيولوجي مع السود، من شأنه أن يلوث نسبهم». لهذا السبب، هاجرت عائلة «عقيت»، وهي عائلة صنهاجة مهمة، من «ماسينا» (حاليا في مالي)، وهي منطقة كان معظم سكانها من «الفولانيين» السود صوب «والاتا» أو «بيرو» (حاليا في موريتانيا). ذكر «عبد الرحمن السعدي» مؤرخ «تمبكتو» في القرن ال17: “سمعت «أحمد بابا» (…) يقول إن الكراهية للفولاني الذين يعيشون في حيه هي التي جعلته (محمد عقيت) ينتقل إلى «بيرو»، وقال إنه متأكد من أنه لم يتزاوج معهم أبدا، لكنه كان يخشى أن يفعل أطفاله ذلك ويخلطون نسبهم مع أحفاد «الفولاني»».
الاعتراف أعلاه، يعتبر مميزا كونه يأتي من رجل ضليع في الفقه الإسلامي لأن موقفه يتناقض مع المبادئ الأساسية للإسلام. لكن، لا ينبغي اعتبار هذا الاعتراف إعلانا لا لبس فيه حول العلاقات العرقية لأن الواقع كان أكثر إشكالية. هناك أدلة تاريخية، على أن «شعب «العقيت» اختلط مع «السود» الآخرين» وأن «أحمد بابا نفسه كان نتاج هذا الاختلاط». تساعدنا هذه الأمثلة الموجزة، وغيرها كثير من السجلات التاريخية، على فهم كيف لم يتم التوفيق بين العوامل الثقافية دائما والتعاليم القرآنية الإسلامية التي تصورت صراحة مجتمعا مصابا بعمى الألوان، وهو مثال لم يتحقق أبدا. لم يكن البربر ينوون حقا الحفاظ على النقاء العرقي، لكونهم تزاوجوا مع العرب. كان إنشاء وضع متميز، من نواح مهمة، أمرا أساسيا لكيفية دخول العرق في تفسيرات القرآن والحديث. كانت اللغة السائدة في الإسلام هي اللغة «العربية»، وكان النبي «محمد» عربيا، وبالتالي فإن الارتباط بالعرب – خاصة أولئك المرتبطين بالنبي والطبقة الحاكمة – كان ينظر إليه على أنه يمنح العضوية لولوج طبقة متميزة.
بحسب الكاتب، لم ينظر دائما إلى الخطاب الإسلامي، على أنه طغى على العلاقات الاجتماعية والتحالفات ؛ بل كان ينظر إليه، على أنه يهيمن على العلاقات والتحالفات الاجتماعية. لم تكن تفسيرات المبادئ الإسلامية الموجودة في القرآن والحديث متسقة دائما، حيث يمكن أن تتحدى الأعراف والعادات الاجتماعية الراسخة الموجودة مسبقا، وكذلك الأعراف والعادات من النوع المتحيز في كثير من الأحيان، لا سيما عندما يتعلق الأمر بال»عرق». ومع ذلك، وكما تبين الأمثلة الواردة في القسم السابق، اعترض بعض علماء الإسلام على المواقف والسياسات العنصرية التي كانت من وجهة نظرهم غير متسقة مع مبادئ الإسلام.
غير أنه، وكما تبين الأمثلة الواردة في القسم السابق، اعترض بعض علماء الإسلام على المواقف والسياسات العنصرية التي كانت من وجهة نظرهم غير متسقة مع مبادئ الإسلام. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام يتبعون العادات والتقاليد المحلية عند النظر في مصلحتهم الذاتية، بغض النظر عن التوتر بين ما يعلنونه كمسلمين وما يمارسونه كأعضاء في مجموعة قبلية أو اجتماعية معينة. لم ينظر إلى التحيز ضد السود، على أنه غير مثير للجدل من منظور تأكيد الإسلام فحسب، بل أصر العديد من الفقهاء الإسلاميين على أن الحفاظ على مجتمع متناغم كان هدفا اجتماعيا رئيسيا للإسلام، وبالتالي يعني أنه لا ينبغي تجاهل العادات الاجتماعية في ما يتعلق بالعلاقات الشخصية.
ومن ثم، كان الوضع الاجتماعي (المعروف في المصطلحات القانونية العربية باسم الكفاءة)، أو بالأحرى معادلة الوضع الاجتماعي، هو الحكم في كيفية تشكيل الناس للتحالفات الاجتماعية. سيتم مطابقة الزوجين ليس فقط في الثروة، ولكن أيضا على المستوى العرقي. على سبيل المثال، قال الفقيه «الوزاني» إنه «في فاس، كان الزواج من رجل محرر، يطلق عليه عادة «الحرتاني»، هو عمل مخجل ويستحق اللوم. لا يتأهل الرجل المحرر تحت أي ظرف من الظروف للزواج من امرأة مولودة بحرية». هذا المنطق، هو ضمن خطاب «المالكي» الذي قال: «لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج جارية عندما يستطيع أن يتزوج امرأة حرة، ولا يجب أن يتزوج جارية عندما لا يستطيع تحمل امرأة حرة إلا إذا كان يخشى الزنا». ومن أجل المركز الاجتماعي، استمرت التحيزات العنصرية.
إن عدم الشرعية الاجتماعية للاختلاط العرقي، قد تجاوزت شرعيتها القانونية، وتضمن الوضع الاجتماعي العديد من العناصر مثل: «الثروة الاقتصادية»، «الانتماءات والنسب الشريف»، «تضامن المجموعة العرقية». نتيجة لذلك، تم تهميش السود، واعتبرهم البربر تهديدا لمفهومهم للنظام الاجتماعي والوئام. لكن في الوقت نفسه، نقل الأسياد جزءا من وضعهم وطبقتهم إلى الأشخاص المستعبدين، وخاصة أولئك الذين تربطهم بهم روابط شخصية مثل «المحظيات». ومن ثم، كلما ارتفعت الطبقة والمكانة، قلت أهمية حقيقة أن «المحظية – خاصة أم الولد – كانت سوداء». ومع ذلك، نظرا لأن النساء اعتبرن أقل شأنا من الرجال في الهيكل الجنساني المغربي، لم يؤثر وضعهن على وضع الرجل أو قلل منه..


الكاتب :   ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 26/03/2024