حكايات تروى لأول مرة على لسان رواد «الغيوان» 13 : بوجميع يغني مع نواس الحمراء ويقود جيلالة ولمشاهب ..وسعيدة أول امرأة تغني إلى جانبه

نعود بجمهورنا الكريم في هذه السلسلة الرمضانية، إلى بعض من المسارات التي عاشتها الأغنية الغيوانية، والتي إما مرت دون انتباه أو ستسرد لأول مرة، وهي مسارات ومحطات ندونها على لسان رواد المجموعات، والذين منهم من انتقل إلى دار البقاء ومنهم من مازال بين ظهرانينا يتمم الرسالة والمسير…

 

هذه الصورة، هي فريدة من نوعها وتأريخ لابد من الإطلالة عليه لأنه يجيب عن مجموعة من الأسئلة ويقربنا من شخصية رجل كبير اسمه بوجميع، المؤسس الرئيسي للأغنية الغيوانية …
الصورة تعود لسنة 1973 مأخوذة من جريدة «لوماتان» الناطقة بالفرنسة، وتضم رائد الأغنية الغيوانية المرحوم بوجميع وفناني جيل جيلالة، مولاي الطاهر الأصبهاني والمرحوم محمود السعدي وفناني مجموعة لمشاهب في تلك الحقبة، ويتعلق الأمر بكل من الفنانين حميدة الباهري على آلة الطبيلات ومحمد الباهري، وهما، بالمناسبة، مؤسسا مجموعتي «لجواد» و«بنات الغيوان»، كما تضم الصورة الفنانة الكبيرة سعيدة بيروك ..
الحفل الذي توثق له الصورة، كان خاصا، وقد تعذر على باقي أفراد مجموعة ناس الغيوان حضوره، فما كان من بوجميع إلا أن شكل مجموعة رائعة، لكن ليوم واحد فقط، أدت فيه أغاني لمجموعة ناس الغيوان وجيلالة ولمشاهب، وقد عنون صاحب المقال مقالته المتحدثة عن هذا الحفل ب «super-groupe d un jour»، الحفل شاركت فيه أيضا الفنانة القديرة جليلة ميكري وبزيز وباز والفنان كي كي، وخلف المجموعة يظهر الأستاذ البختي…
هذا التأريخ يبرز لنا كيف أن بوجميع كان مجمعا، ولم تستلبه الشوفينية أو يقسه الغرور، وبأنه كان داعما لكل المجموعات، بل يغني أغانيهم دون غيرة أو تبرم من التنافسية، ولعل الصورة هي رسالة تفند كل الأقاويل والمزاعم التي تذهب إلى خلق صراعات مصطنعة بين « الغيوان « و « جيل جيلالة « بالذات في تلك الفترة، أو فكرة أن الغيوان كانت منزعجة من ظهور مجموعات أخرى، بل على العكس، فإن بوجميع المهندس لهذا المشروع الفني الذي استقطب ملايين المعجبين في المغرب وخارجه، كان دعامة أساسية لمختلف التجارب المجموعاتية..
وفي هذا الصدد أستحضر ما حكاه مولاي الطاهر الأصبهاني أحد مؤسسي مجموعة جيل جيلالة في كتابه «لما غنى المغرب»، حيث قال «أعتقد أني كنت ألتقي وأجتمع مع بوجميع أكثر مما كنت ألتقي مع أفراد جيلالة، وأكثر مما كان يلتقي هو أفراد الغيوان، كانت تجمعنا صداقة حميمية، ولم تكن بيننا نحن أفراد جيلالة وأفراد الغيوان أي حزازات، وكم مرة شاورناه في جديدنا الفني، وكم مرة أطلعنا على جديد الغيوان قبل صدور العمل، أضف إلى ذلك أن تجمعاتنا كانت كلها مؤانسة إخوة .. دون أن ننسى أن العلاقة بيننا تعود إلى أواخر الستينيات بمسرح الصديقي وكانت أكثر من قوية .. »
كلام مولي الطاهر يدعمه زميله في جيل جيلالة عبد الكريم القسبيجي في سيرته الذاتية حينما يقول: «لما التحقت بجيل جيلالة آواني مولاي عبد العزيز الطاهري في بيته الكائن بشارع الجيش الملكي بالدار البيضاء، وهناك كنا نعد الأعمال ونجتمع أحيانا، وكان المرحوم بوجميع دائم الحضور يطلعه الطاهري والأصبهاني على جديد جيلالة، وكذلك سي محمد الدرهم كما كان هو يطلعهم على الأعمال التي تشتغل عليها الغيوان، ويتشاورون في عدة أمور، وظلت العلاقة كذلك إلى أن توفي رحمة لله عليه» .. ويسترسل عبد الكريم، لقد تعرفت إلى بوجميع عن طريق مجموعة جيل جيلالة قبل أن ألتحق بها، فحينما كنت عضوا بمجموعة «نواس الحمراء» الرائعة كان لنا عمل بأحد مطاعم الدارالبيضاء وبالضبط في منطقة عين الذئاب وهو مطعم « بالم بيش «، وسنظل نقدم فقراتنا الفنية بهذا المطعم لأكثر من ثلاثة أشهر، حيت أصبح الإقبال كبيرا ماجعل صاحب المحل يتشبث بنا، ذات مساء ونحن نؤدي فقرتنا فإذا بمحمد الدرهم ومولاي الطاهر وحميد الزوغي يدخلون علينا برفقة الرائد بوجميع، حيث أتوا به ليتعرف على «نواس الحمراء» وسيفاجئنا الرجل بأن صعد للخشبة ليس للسلام علينا فقط، وإنما ليغني معنا، في تلك اللحظة كنا نؤدي أغنية « بكي ياعيني « وأعقبناها بأغنية « بغيت قريقشاتي « وكان بوجميع يبتسم ويسايرنا قبل أن نغني معه ومع أفراد جيلالة أغنيتي « الله يامولانا « و» لجواد آ لجولد «، وكم كانت سعادتنا كبيرة وهو يشجعنا على الاستمرار ويغرقني شخصيا بمديح حول طريقة غنائي، علاقتي به ستزداد حين انضمامي لجيلالة حيث كان ينصحني ليس فقط في الأمور الفنية ولكن أيضا حتى في أمور أخرى ومنها التثقيفية أساسا.
دائما، وفي إطار مواكبة مؤسس الأغنية الغيوانية للمجموعات التي ظهرت في ما بعد، يقول احميدة الباهيري: ما لا يعرفه الكثيرون أن مجموعة « لجواد « التي أسستها إلى جانب أخي محمد، كان المرحوم بوجميع هو من أطلق عليها هذا الاسم، فصداقتنا به كانت منذ خروجنا من مراكش ووصولنا إلى مقر نادي مجموعة المشاهب الذي كان يملكه المرحوم البختي، ففي ذلك النادي حيث كنت أقيم بمعية أخي كان يأتي بوجميع، إذ أن نادي ناس الغيوان كان قريبا منه وكان بوجميع يبيت هناك غالبا، وكان يزورنا في أحايين كثيرة ليلا ليجالسنا إما رفقة أصدقاء آخرين أو وحده، نغني ونبسط ونعزف له، وقد كان كريما معي ومع أخي محمد في عدة مواقف .. ولما اختلفنا مع البختي، رحمة لله عليه، خرجنا من النادي وتركنا له كل معدات الغناء وبدأنا في تأسيس مجموعة جديدة، شاورنا المرحوم بوجميع فقال لنا « بما أنكم متسامحون وتركتم حتى معداتكم الغنائية، فأنتم ناس جواد لهذا أطلق على مجموعتكم اسم الجواد» ، وضمت المجموعة في عضويتها كما تعلمون سي محمد الباهري وحميدة ومحمد اللوز والفنانة حليمة الملاخ، التي تعد ثالث فنانة بعد سكينة وسعيدة ، تدخل الصرح الغيواني، إلا أنها توفيت مبكرا..
بوجميع كان أكبر من أي حساب ضيق أو أي تنافسية مفتعلة، بالنسبة له كان الأهم هو توسيع المشروع الغيواني المتمرد على الميز وعلى مظاهر البيروقراطية التي تفشت في تلك الحقبة، حتى في المجال الفني والثقافي، إذ بالنسبة له الأغنية الغيوانية بالإضافة إلى كونها تمتح من نبض الاحتجاج والتحدي، ولكنها تؤسس للقيم النبيلة ولروح التساوي والإخاء والتضامن والسلم، وهي الأفكار التي تشبع بها الرجل حتى النخاع وأراد أن ينشرها لذلك نجده مشجعا لأي مبادرة تذهب في اتجاه نشر روح الفكرة الغيوانية بعيدا عن السفائف والكلام الفارغ، كالشوفينية والمقارنات الفارغة وما إلى ذلك من « لعب الدراري « .. حتى أنه كان يريد أن يوسع دائرة الغيوان، وكانت هناك أسماء مرشحة للانضمام إلى الفرقة بل أكثر من ذلك خطط ما مرة لأعمال مشتركة بين الغيوان وجيلالة ..هذا هو بوجميع رجل التجميع وأستاذ مدرسة نكران الذات …


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 26/03/2024