«أوبير» بكلِّ تأكيدٍ المقاولةُ التِّقْنِيَّة الَّتي تُعاني السُّمْعَةَ الأكثرُ سُوءاً. بعدَ إحداثِها سنةَ 2019، أَقَرَّتْ حُضورَها داخلَ مُدُنِ العالَمِ قاطبةً بالقوَّةِ ودونما اكتراثٍ للقانون، تَذهبُ الحكايةُ إلى أنَّ مؤسِّسِيها «Travis Kalanichet Garret Camp»، الْتَمَعَتْ في ذِهْنَيْهِمَا فكرةٌ، عَشِيَّةَ مساءٍ فرنسيٍّ خريفيّ، حينَ تعذَّرَ عليهِما العثورُ على سيَّارةِ أُجْرَةٍ. أثناءَ هذا الانتظار المَديدِ، عَنَتْ لَهُمَا فكرةُ إنجازِ تطبيقٍ جديدٍ، يسمحُ بربطِ علاقةٍ مباشِرَةٍ بينَ السَّائقينَ والزُّبناءِ. آفاقٌ جديدةٌ يَتَعَيَّنُ غَزْوُهَا.
يالَسَعادتِهِما إذْ يُخَامِرُهُما الإحساسُ بنُجوميَّةٍ تَسْطَعُ تألُّقاً، وهُمَا على مَتْنِ سيَّارةٍ فارِهةٍ بنوافذَ غامقةٍ.
إلى»ترافيس» يَعودُ أمرُ السُّمْعةِ السَيِّئَةِ الَّتي طَوَّقَتْ «أوبير»، كان الرَّجُلُ «مُشاكساً» «Bad Boy»، ومعروفٌ بتدبيرهِ الفَظِّ وبعَجْرَفَتِهِ وإرادتِهِ الجامحةِ لبلوغِ أهدافِهِ، يجرُّ مِنْ وراءِهِ مُقَاوَلَتَيْنِ قديمَتيْنِ»جنباً إلى جنبٍ/Peer To Peer»، عَاشَتَا مَشَاكِلَ قَضَائيَّة تحديداً بسببِ عدمِ احترامِ حقوقِ التَّأليف (Scour Inc Et Scour Exchange).
أَنْ تَخْرِقَ التَّشْريعات لِكَيْ تَفْرِضَ ذَاتَكَ داخلَ المَشْهدِ سعياً وراءَ التَحَوُّلِ إلى فاعلٍ رئيسيٍّ، فذاك ما يبدو كَمَا لوْ كان مِنْ صميمِ جيناتِ الرَّجُلِ. نجح»ترافيس»رُفْقَةَ «أوبير» في تَثْويرِ النَّقْلِ الحَضَريّ، وانطلقَ سنةَ 2012 «لِغَزْوِ» نيويورك، المدينةُ العملاقة الَّتي سيظفَرُ بها سنةً بعد ذلك.
وحتَّى تُوَاجِهَ قوَّات الأمنِ الَّتي تَتَصَدَّى للسَّائقينَ في وضْعيَّةٍ غيرُ قانونيَّة، لم تتردَّد «أوبير» في استخدامِ برنامج»Grey Ball»، وهو نظامٌ قادرٌ على تحديدِ هوِّيةِ الأمنيِّينَ الَّذينَ يَظْهَرونَ بمَظْهَرِ زبائنَ مُزَيَّفين.
يحدِّدُ «Grey Ball»، مَوْقِعاً مُشْتَبَهاً به (مثلاً بالقربِ من مركزٍ أمنيّ)، ثُمَّ يشرَعُ على مواقِعِ التَّواصلِ الاجتماعيّ في تحليلِ بياناتِ البطاقةِ البنكيَّةِ وبروفايل الزَّبونِ المزعومِ، و ما إنْ يتمَّ رَصْدُهُ حتَّى يُحالُ رَجُلُ الأمنِ إلى تطبيقٍ زائفٍ لا وجودَ فيه ميدانيّاً للسيَّاراتِ المثَبَّتة على الشَّاشة.
تمويهٌ انتهتْ «أوبير» إلى الاعترافِ به، دونَ أنْ تَعْتَذِرَ مع ذلك عنِ العودةِ إلى مِثْلِ هذه المُمارَسة. قانونُ الأكثرُ قوَّةً هذا يبدو سائداً كذلكَ حتَّى ضِمْنَ النِّطَاقِ الدَّاخِلِي.
لقدْ صوَّرَ أُطُرٌ سابقون الجوَّ البغيضَ الَّذي يسودُ المقاولةَ، «فسوزان فولر/Susan Fowler»، وهي واحدةٌ مِنَ النِّسَاءِ النَّادراتِ اللَّواتي شَغِلْنَ مَنْصِبَ مهندسٍ لدى «أوبير» غَادَرَتِ المقاولة، فاضحةً ما خَضَعَتْ لهُ مِنْ تَحَيُّزَاتٍ وتحرُّشٍ جنسيّ.
شكاوى أبداً لم نعْثُر داخلَ «أوبير» على آذانٍ صاغيَّةٍ.
بالموازاةِ مع ذلكَ، سَلَّطَ»مايك إيزاك/ Mike Isaac»، الصحافيُّ الشَّاب ب «نيويورك تايمز»، الضَّوْءَ على ثقافةِ العُنْفِ والتَّحيُّزِ الذُكوريّ داخلَ المقاولة، حيثُ دائرةُ المقرَّبِينَ مِنْ «ترافيس كالانيك» والمُسَمَّاة (الفريق أ/ A.Team) وحدَها تَسْتَفِيدُ مِنْ حمايةٍ مؤكَّدَة.
«ترافيس كالانيك» الَّذي يَتَفَاخَرُ في الصَّحافة، في نوعٍ مِنَ الاعتداد، بقدْرَتِهِ على إغراءِ أيَّ امرأةٍ بفضلِ نجاحِهِ، يسعى لأنْ يُحاكِيَّ «دونالد ترامب»، والَّذي كان هو نفسُهُ، في وقتٍ ما، واحداً من مُسْتَشَارِيه.
ذاتَ مساءٍ، اِرْتَدَّتْ عليهِ زلَاَّتُهُ المتكرِّرَة، أَسَرَّ له سائقٌ شجاعٌ لحظةَ كانَ يُقِلُّه، بامتعاضِهِ منَ التَّخْفِيضِ الدَّائِمِ للتَّسْعيرةِ الَّتي يفْرِضُها النِّظامُ.
بدلاً من محاولةِ تَفهُّمِهِ، بادرَ «ترافيس» إلى طَيِّ الموضوعِ مُلَوِّحاً للسَّائِقِ أنَّه في حالةِ تمادِيهِ لنْ يستطيعَ أنْ يَلُومَ إلاَّ نَفْسَهُ.
دونما شكٍّ، كان ردُّ الفِعْلِ العنيفِ هذا مألوفاً لدى السَّائقين، لكنْ هذه المرَّة، قام السَّائقُ خِفْيَةً بتسجيلِ المحادثةِ صوتاً وصورة، وتلكَ هي المُشاحنةُ الَّتي سَتُذاعُ على قناةِ «بلومبرغ / Bloom Berg».
إنَّها القضيَّةُ الأَهَمّ بالنِّسبةِ إلى المُسْتَثْمِرينَ الَّذين يَسْعُونَ منذُ زمنٍ طويٍل إلى التَّخَلُّصِ مِنْ «ترافيس» الَّذي باتت سُمْعَتُهُ مُحْرِجَةً داخلَ عالمِ الأعمالِ والصَّفقاتِ.
رُغمَ اعتذاراتِهِ، استقالَ «ترافيس كالانيك» من مقاولته الخاصَّة سنة 2017، قبلَ أنْ يُغادرَ مجلسَ الإدارةِ سَنَتَيْنِ بَعْدَ ذلك.
منذُ ذلك الحِين، والمجلسُ يَسْعى بصعوبةٍ بالغةٍ إلى إعادةِ الأمورِ إلى نِصابِها. لكنَّ «أوبير» تَبْقَى رمزاً للتَّقَلُّبَاتِ الوحشيَّةِ في العصْرِ الرَّقميّ : « حقيقةً، إنَّ قائمةَ الممارساتِ المشبوهةِ لمزاعمِ نموذجِ التَّقَدُّمِ لانهايةَ لها، تقلُّباتٌ مستمرَّةٌ، وتفقيرٌ مُعَمَّمٌ، وتَفاوُتَاتٌ شديدة، و ثَراءٌ فاحشٌ لقِلَّةٍ مِنَ المُدَرَاءِ و الأُطرِ. هذا هو النَّمُوذَجُ الَّذي يُفْتَرَضُ أنْ يُبْهِرَ وَيُلْهِمَ نَجَاحهُ الكُرَةَ الأرضيَّة بأَسْرِها « كَمَا تُسطِّرُ ذلك بكلِّ واقعيَّةٍ الصحافيَّةُ «فابيان بينوا / Fabien Benoit» في بَحْثِها «الوادي / The Valley».
لِنُضِف في النِّهايةِ، إنَّنا جميعاً مُتواطؤونَ في نجاحِ النَّموذَجِ. نَصونُ نظاماً يُعَزِّزُ اللاَّاستقرارَ في كلِّ مرَّةٍ نَنْسَاقُ فيها وراءَ سهولةِ الخِدْمَة.
*» أوبير « / « Uber «، أو السَّائق غير المرئيّ.
في الولاياتِ المتَّحدةِ الأمريكيَّة، تَقْتَرِحُ «أوبير» خِدمةً جديدةً هي مِنْ أعراضِ مجتمعِ اللاَّتلامس.
بدءاً مِنْ سنةِ 2019، باتَ مُمْكِنٌ تشغيلُ خيارٍ في العَرْضِ المُتَمَيِّزِ لـ «أوبير»، و الَّذي يُجْبِرُ سائقَكُم على أنْ يَلْزَمَ الصَّمْتَ. «إنْ كُنتم في حاجةٍ إلى قَيْلولةٍ، أو في حاجةٍ إلى الإجابةِ عن إيمايْلاتِكُم، فعليكُم بالتَّوصيلَةِ الصَّامِتةِ عَبْرَ نَقْرَةٍ واحدةٍ «، هذا ما تَقْتَرِحُهُ الشَّركة دونَ أدْنَى تردُّدٍ، يُمْكِنُ إِذَنْ بنَقْرَةٍ واحدةٍ تَحيِّيدُ السَّائقِ– الإنسان تفادياً لإزْعاجِكَ بحديثهِ. كلُّ شيءٍ طبعاً حتَّى تَتَمَكَّنَ مِنَ الغَوْصِ جيِّداً في شاشتِكَ. لكيْ تتجنَّبَ أَدْنَى تبَادُلٍ، يُمْكنُكَ أنْ تَنْتَقِيَ هذا الخَيَار، تماماً كَمَا تَختارُ عن بعد، اِنْطلاقاً من التَّطبيقِ، درجةَ الحرارةِ الدَّاخليَّةِ.
إنْ كنتَ تَرْغَبُ في وَضْعِ أَمْتِعَتِكَ داخلَ صندوقِ السيَّارة، فَطَالِبْ أيضاً بذلك مُبَكِّراً، انْطلاقاً مِنْ هاتِفِكَ «الذَّكِيّ»، لأنَّهُ سيكونُ مِنَ السيِّءِ نَسْجُ حوارٍ!
اِخْتَرَعَتْ «أوبير» إِذَنْ لِسائِقِها « النَّمَطَ الصَّامِتَ». يُشْبِهُ السَّائِقُ إنساناً آليًّا، روبوتاً. ما عادَ هنالِكَ مِنْ سَفَرٍ للإنسانيَّة.
إذا لَمْ يَعُدْ له الحقُّ في الكلامِ، فإنَّ سائقَ «أوبير» يَتلقَّى رُسومَ المشاويرِ الأكثر ارتفاعاً. لكن، لكيْ يَكُونَ له امتيازُ أنْ يَقُودَ ضِمْنَ هذه الفئةِ صاحبةُ الخِدْمةِ المُتَمَيِّزَة، يَتَعَيَّنُ أنْ يُرَاكِمَ ما لا يَقِلُّ عن 2500 تَوْصيلةٍ، وألاَّ ينزِلَ على الأخصِّ إلى مادونَ المُعَدَّلِ : 4,85 على 5.
يَحْتَفِظُ نظامُ التَّنقيطِ المُتبادَل بالسَّائقِ كَمَا بالزَّبونِ في وضعيَّةِ تأهُّبٍ دائمٍ. مُراقَبَةٌ مُتبادَلة تُتيحُ للخِدْمَةِ أنْ تَنْتَظِمَ ذاتيًّا. هذا الخَيَار، «أوبير الصامت/ Vber Mute»، يَشْهَدُ جيِّداً على الطَّريقة الَّتي تَتَعَامَلُ بها المقاولة مع موظَّفِيها الَّذين لا صَوْتَ لَهُمْ.
بحجَّةِ أنْ نَبيعَكَ الإحساسَ بالحرِّيَةِ عَبْرَ إمكانيَّةِ أن تَكُونَ «رئيسَ نفسِكَ»، يُصْبِحُ الشُّرَكاءُ عُرْضَةً لخطرِ عدمِ الاستقرارِ، دونَ حقوقٍ ولا حمايةٍ اجتماعيَّةٍ، عُرْضَةً لِلاسْتِبْدالِ، خاضِعينَ لِلُوغاريتمٍ يُحَدِّدُ مسافةَ مشاويرِهِمْ قَدْرَ ما يُحَدِّدُ تعويضاتِهِم.
اِرتباطٌ بربريٌّ بينَ المِهْنَةِ الجديدةِ والزَّبون، وإلغَاءٌ للمُسْتَخْدَمينَ تحتَ مُسَمَّى «الأَبْرَنَة / Vberisation».
ألا يَكُونَ لك الحقُّ في الشَّكْوى، ذاك ما يبدو موضوعاً متكرِّراً لدى مؤسَّساتِ التَّدريبٍ المِهَنِيّ( Les VTC ) الَّتي يَتَعَيَّنُ أنْ تَلْزَمَ وتيرتَها حتَّى لا يغادر النِّظام.
حتَّى دُونَ أنْ يكونوا بالضَّرورةِ على عِلْمٍ بذلك، فإنَّ أنشطةَ سائقي «أوبير» تُغَذِّي مشروعاً مجتمعيّاً آخرَ: تَطَوُّرُ السيَّاراتِ ذاتيةَ التَّحكُّمِ.
سائقو «أوبير» آلاتٌ لتسجيلِ ونقلِ البيانات: الوقتُ الَّذي اِسْتغرقَهُ الِمشوار، والرَّسمُ الخرائطيّ لتحليل حركة السَّير، والقاعدة المعلوماتيَّة للزُّبناء.
قاعدةُ بياناتٍ شاملة «Big Data» أساسيَّةٌ لأنْ نضعَ قريباً على الطَّريقِ السيَّارات ذاتيةَ التَّحكُّمِ. يبدو أن «أوبير» شَهِدَتْ نوعاً منَ الفتورِ في مجالِ التَّطوُّرِ التِّكنولوجيّ، حينما وافتِ المنيَّةُ خلالَ سنةِ 2018 سيِّدة راجلة تحتَ عجلاتِ سيَّارةٍ ذاتَ تحكُّمٍ ذاتيّ تَبَنَّتْهَا «أوبير» أثناءَ إجراءٍ تجريبي ببلدة أريزونا.
وحتَّى إنْ كانتِ السيِّدة قد اجتازتِ الطَّريقَ خارجَ ممرِّ العبور، فإنَّ مسؤوليَّةَ المقاولة ظلَّتْ بالمِثْلِ قائمة : مُتَعَهِّدُ «أوبير» الَّذي كانَ على متنِ السيَّارة ذاتِ التَّحكُّمِ الذَّاتيّ، وحتَّى يتأكَّدَ من الاشتغالِ الجيِّدِ للآلة،لمْ يُبْدِ ردَّ الفعلِ اللاَّزمِ في الوقتِ المناسبِ ليستعيدَ تحكُّمَهُ في النِّظامِ الآليِّ، إذْ حَسَبَ خلاصاتِ التَّحقيق، كانت عَيْنَا المُتَعَهِّدِ تَتَصَفَّحَانِ هاتفَهُ «الذَّكيّ».
لَمْ يَكُنْ بِوُسْعِهِ إذن أنْ يرفعَ رأْسهُ في الوقتِ الملائمِ لكي يتفادى انحرافَ السيَّارة عن مسارِها.الواقعةُ برُمَّتِها رمزٌ دالٌّ.
على الرُّغْمِ من هذا الحادثِ المأْساويّ، لا تزالُ «أوبير» تُواصِلُ بشدَّةٍ تطويرَ هذه السُّوق الجديدة.
يُخاطِرُ السَّائقونَ، وعلى نَحْوٍ ساخرٍ، بِفُقْدانِ مواقِعِهِمْ إذْ يُسَلِّمون البياناتِ يوميّاً إلى الآلة.
سَيُسْتَبْدَلُونَ على المدى المنظورِ بسيَّاراتٍ ذاتيَّة التَّحكُّمِ، وعلى مَتْنِهَا لنْ يَكُونَ الزَّبون في حاجةٍ إلى المُطالبةِ بالصَّمْتِ حتَّى.