حكايات تروى لأول مرة على لسان رواد «الغيوان» -17- مطاردة «لمشاعل» والتضييق على «لمشاهب»

نعود بجمهورنا الكريم في هذه السلسلة الرمضانية، إلى بعض من المسارات التي عاشتها الأغنية الغيوانية، والتي إما مرت دون انتباه أو ستسرد لأول مرة، وهي مسارات ومحطات ندونها على لسان رواد المجموعات، والذين منهم من انتقل إلى دار البقاء ومنهم من مازال بين ظهرانينا يتمم الرسالة والمسير…

 

الكل يسأل عن الحادث الذي وقع بسينما السعادة في الذكرى الأربعينية لوفاة بوجميع، فهناك ولأول مرة ستصعد مجموعة لمشاعل التي طالبت بالمشاركة في هذا الحفل التأبيني لمؤسس الأغنية الغيوانية، وإلى جانبها شاركت مجموعة لرفاك، الحفل بطبيعة الحال كانت ستحييه الفرق الثلاث الغيوان وجيل جيلالة ولمشاهب، بالإضافة إلى رفيقي دربهم الثنائي أحمد السنوسي والحسين بنياز « بزيز وباز « ، في هذا الحفل سيقع مالم يكن في الحسبان، وسيتوقف الحفل وستنطفئ الأضواء داخل سينما السعادة، وسيلي ذلك استجوابات بوليسية وتضييقات .
في الحلقة الثامنة من السلسلة المطولة، التي كنت قد أجريتها مع الفنان الكبير محمد سوسدي في بداية هذه الألفية، على صفحات جريدة الاتحاد الاشتراكي، سيحكي عن بعض تفاصيل هذا الحادث التي ستجيب عن كل الأسئلة بخصوصه، يقول سوسدي :
مشاريع كثيرة فكرنا في تحقيقها، بعد عودتنا من الصحراء، منها القيام بجولة في ربوع المملكة، ولهذا تجند الأستاذ البختي رئيس المجموعة رفقة الفنان الحسين بنياز الذي كان سيرافقنا في هذه الجولة مع الفنان أحمد السنوسي، انكب إذن الأخوان البختي وبنياز على القيام بالإجراءات الإدارية، كالحصول على التراخيص وطبع التذاكر وكراء القاعات··، فيما ذهب كل واحد من أعضاء الفرقة إلى العمل على إعداد أغان جديدة لإصدار ألبوم جديد، في هذه الأثناء كان الإخوان في مجموعة ناس الغيوان يفكرون في إحياء الذكرى السنوية للمرحوم بوجميع، وكان من الضروري إحياء هذا الحفل بالحي المحمدي حيث مقر إقامة بوجميع وأهله وأصدقائه، فاقترحوا علينا الفكرة ولأن الوقت كان ضيقا للقيام بالإجراءات الإدارية لإحياء هذا الحفل بسينما السعادة، أمدهم الأستاذ البختي بالتصريح الذي كان يتوفر عليه حيث كانت سينما السعادة من بين القاعات التي سنحيي فيها حفلا في إطار الجولة التي كنا نعتزم القيام بها·· شارك في هذا الحفل بالطبع الغيوان، جيلالة، بزيز وباز، لمشاهب بالإضافة إلى الفرقة الهاوية فرقة «لمشاعل» و»لرفاك»··· افتتح الاحتفال بجيل جيلالة وبعدهم بزيز وباز ثم لمشاهب صعدت بعدنا فرقة لمشاعل، وأدت أغنية تسيء إلى المؤسسات، ذهلنا جميعا للأمر ولم نعرف ماذا نفعل إلى أن فوجئنا بأضواء السينما وقد انطفأت، وببعض رجال السلطة يصلون إليها، لتبدأ لعبة الكر والفر مع المسؤولين، بدأت الاستدعاءات تبعث إلى كل المجموعات المشاركة وإلى بزيز وباز، بحكم أن بختي رئيس مجموعة لمشاهب والتصريح كان في اسمه واسم بزيز وباز، لم يعد يبارح هو وبزيز الكوميسارية، استنطاقات متوالية حول مجموعة لمشاعل ومن استقدمها إلى الحفل وإلى غير هذا من الأسئلة (···)، بدأنا نسمع أن فلانا من فرقة الغيوان قد تم استنطاقه وآخر قدموا إليه وهو في المقهى، وأن أشخاصا يسألون عنا في الحي، بدأ الرعب يتملكنا، خصوصا لما قدموا إلى الشادلي وحمادي وهما في المقهى وأخذوهما للإجابة عن بعض الأسئلة، كما طلبوا منهما دلهم على مسكن بزيز·· وحتى نبعد الشبهة عنا أنا ومحمد باطما رحمة الله عليه، فكرنا، قمنا بحلق الشعر، وأصبحنا نرتدي ملابس فاخرة، وطلبنا من بعض الأصدقاء أن يرافقونا أينما ذهبنا حتى إذا تم إلقاء القبض علينا، يخبرون أهلنا، إنها فكرة ليست ذكية لكن هذا ما اهتدت إليه عقولنا في ذلك الوقت، بعد أيام سمعنا أن أعضاء مجموعة «لمشاعل» تم اعتقالهم، وظننا أن الأمر قد انتهى، لكن عندما كنا على خشبة المسرح البلدي حيث كانت هذه المحطة، هي بداية الجولة التي اعتزمنا القيام بها، فوجئنا برجال الشرطة قربنا على الخشبة، وهنا قال لنا أحد المسؤولين الأمنيين المعروفين إلى حدود الآن، «هاد البنادرية كاع غادي نجمع بوهم ونحركهم»، أخذ منا الخوف مأخذه ولم نستطع تأدية الأغاني التي كان يطالب بها الجمهور في تلك اللحظة، حيث غنينا أغاني قديمة، خصوصا وأن صاحبنا ذاك قال لنا من ضمن ما هددنا به «إذ لم تطيعوا سأقوم باستدعائكم يوميا من الثامنة صباحا إلى الثامنة مساء لتقضوا يومكم في الكوميسارية»، بعد انتهاء الحفل، أخذوا جميع أعضاء الفرقة في سيارة «جيب»، وذهبوا بهم إلى إحدى الشقق، حيث ألقيت عليهم أسئلة في جو ملطف كما طلبوا منهم أن يؤدوا بعض الأغاني، حسب ما حكي لي، أما أنا فقد «ضربتها بسلتة»، فور انتهائنا من العرض·
مرت أيام معدودة، وكنت بسينما شهرزاد أتابع أحد الأفلام، فإذا بالأضواء تشتعل داخل القاعة، وسمعت شخصا ينادي باسمي بواسطة الميكروفون، لما خرجت وجدت شخصين ومعهما البختي، اعتقدت أن الأمر يتعلق ببحث جديد، لكن طمأنني البختي الذي تفهم حيرتي حين قال لي «جلالة الملك الحسن الثاني يريدنا اليوم من أجل إحياء ذكرى المسيرة الخضراء»، توجهت على الفور إلى المنزل وغيرت ملابسي، رافقنا أيضا إلى هذا الحفل بزيز وباز ولطيفة أمل وعبد العاطي آمنا والثلاثي آمنا·
أول مرة كنا سنرى فيها الملك وجها لوجه، في الطريق كنا نفكر في هذا اللقاء خصوصا وأن الدهشة والارتباك لازمانا على طول الطريق، أدينا التحية لجلالته، رحب بنا وكان يخاطبنا ب «وليداتي»، أحسسنا فعلا أننا أمام أب يعرف أبناءه جيدا· دفء اللقاء أزال عنا الدهشة قبل أن نقدم أمامه عرضنا·
غنينا أمام جلالة الملك مجموعة من الأغاني، ضمنها أغنية أمانة ومجمع العرب وبغيت بلادي، هذه الأخيرة التي طلب جلالته إعادتها أكثر من خمس مرات، الأغنية تقول:
بغيت بلادي يامي آه
بغيت بلادي راه الدنيا مادوم
بغيت بلادي راه الغربة مادوم
غراتك ورماتك في بحر مالوش سواحل
في الدل تقيم ليلاتك
والصابر في الناس عاقل
سر الخاطر يتغير
وعلى بلادي عوال
وقد أمر رحمه الله من التقنيين بأن يسجلوها كاملة، لقد كانت له دراية كبيرة بالتراث وقد فاجأنا حين طلب منا أن نغني شيئا من التراث الصحراوي، فأدينا أغنية «كبايلي الدحميس» التي أهدتها لنا مجموعة اولاد نانة الموريتانية، وأعجبته كثيرا· لقد كنا أمام رجل فنان· حيث شجعنا كثيرا وقال لنا «واصلوا·· إن بإمكانكم التجوال في بلدكم بدون بطاقة وطنية»· هذه الكلمات رفعت من معنوياتنا كثيرا، فبعد إزعاج كبير من طرف رجال السلطة نجد ملك البلاد يفهم الفنانين· لقد عزف جلالته تلك الليلة بعض السنفونيات على آلة «الاورك»، وهو ما أكد أننا في حضرة فنان كبير· بعد هذا اللقاء الذي لن أنساه أبدا، خصوصا ما تخلله من عطف جلالته علينا، عدنا إلى الدار البيضاء وكأننا قد ولدنا من جديد، فالسلطات لما علمت أن جلالة الملك دعانا لإحياء حفل ذكرى المسيرة الخضراء، «أفرجت» عن كل التصاريح التي كنا قد تقدمنا بها إليها من أجل إحياء حفلات في مختلف مدننا المغربية· كما قلصت من تلك المضايقات التي كانت تفرضها علينا والتي كانت قد وصلت إلى حد منعنا من مغادرة التراب الوطني، وقد حصل هذا لما كنا في المطار رفقة الحاج الدمسيري والدمسيرية، نريد التوجه إلى هولندا للمشاركة في إحدى الحفلات، حيث أخذوا جوازات سفرنا ونقلونا إلى حديقة قرب المطار وطلبوا منا الانتظار· وأتذكر ساعتها الحاج الدمسيري رحمه الله الذي همس في أذني قائلا «وصلنا للمطار وما طرناش»·· مكثنا في تلك الحديقة مدة يوم بكامله من العاشرة صباحا إلى التاسعة ليلا، حيث قدم إلينا أحدهم وقال لنا عودوا إلى منازلكم · لم نعلم من منعنا من السفر ولم نعلم حتى لماذا هذا القرار··
بعد ذلك الانفراج ، قمنا بجولة في المغرب، بعدها جاءتنا دعوة للمشاركة في احتفالات الفاتح بليبيا، سافرنا إلى هناك رفقة مجموعة «تكدة»،


الكاتب : n العربي رياض

  

بتاريخ : 30/03/2024