إذكاءً للوعي بمسألة الوقاية من داء الكلب وإبراز التقدم المُحرز في دحر هذا المرض المرعب، يُحتفى سنوياً يوم 28 شتنبر باليوم العالمي لهذا الداء الفتاك. والذي يصادف أيضاً ذكرى وفاة العالم الفرنسي لويس باستور المتخصّص في الكيمياء وعلم الأحياء الدقيقة، الذي طوّر أول لقاح مضاد للداء.
واللقاحات الآمنة والناجعة المُتاحة اليوم للإنسان والحيوان تبقى من بين أهم الأدوات الموجودة للحد من الوفيات التي يسببها داء الكلب للإنسان، فيما يُعدّ الوعي بالداء بمثابة المحرك الرئيسي لنجاح جمعيات المجتمع المدني في الانخراط في حملات الوقاية منه.
في الثامن والعشرين من شهر شتنبر ، تخلد دول العالم سنويا ، وضمنها المغرب ، اليوم العالمي لداء الكلب ، تخليد يتجدد من خلال فعالياته المنظمة ، في هذه المدينة أو تلك ، تحت إشراف الوزارة الوصية على القطاع الصحي ، وبتعاون مع جمعيات مدنية مهتمة ، طرح أسئلة وتساؤلات ذات حمولة تنبيهية تلخص واقع الحال ، من بينها : هل أفلحت المجهودات المبذولة ، رسميا ، في بلوغ معدلات مقبولة دوليا في ما يخص القضاء على عوامل وأسباب الخطر المرتبطة بهذا الداء ؟ ما هي أوجه الاختلاف بين الجهات المشكلة لخريطة البلاد على مستوى أنواع الإصابة ومدى توفر التلقيح المضاد الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية ؟
هذا ، وحسب تقارير المنظمة العالمية، فإن هذا الداء ينتشر أساسا في «المناطق التي تفتقر للبنيات التنموية الصلبة، والمحتضنة للفئات السكانية الفقيرة والمستضعفة المقيمة في المناطق الريفية النائية»، والتي يستعصي عليها الوصول إلى «اللقاحات المناعية الناجعة» ، مع التأكيد على أن «الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و14 سنة ، غالبا ما يكونون في مقدمة ضحايا هذا المرض على الصعيد العالمي».
وبخصوص المناطق النائية ببلادنا ، ينبغي التذكير أنها تحتضن العدد الأكبر من الكلاب الضالة – التي غزت المدن أيضا – والتي أبات مختلف الدراسات والتقارير المنجزة أنها المصدر الرئيسي للتعرض للإصابة بهذا الداء وبمثابة « الخزان الأساسي لفيروس السعار في المغرب « .
وانطلاقا من المعطيات التشخيصية لوضعية الداء ، يطرح تساؤل كبير بشأن «دينامية « و « قدرة « مكاتب حفظ الصحة التابعة للجماعات المحلية، في ما يخص توفير اللقاح، الذي تقتنيه من معهد باستور بغاية وضعه رهن إشارة المواطنين المعنيين بالاستفادة منه، ومدى قدرتها على سداد التكلفة المالية لهذا الاقتناء ، دون إغفال صعوبات تنقل سكان المناطق القصية صوب مكاتب حفظ الصحة بالمدن، والتي غالبا ما تكون لها تداعيات خطيرة على المريض المتعرض لعضة كلب مسعور، تصل أحيانا حد الوفاة ؟
أزيد من 80 في المائة من الوفيات تحدث في المناطق النائية
تلقيح الكلاب والتكفل بحالات الإصابة أكثر الوسائل فعالية للسيطرة على الداء
أكد مدير قسم الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، عبد الرحمن المعروفي، الأسبوع الماضي بالرباط، أن تلقيح الكلاب، بنسبة تغطية يفوق 90 بالمائة، يظل الوسيلة الأكثر فعالية للسيطرة على داء الكلب، أو القضاء عليه.
ودعا المعروفي، في كلمة تلاها بالنيابة عنه طبيب الأوبئة محمد لكرانبي، خلال أشغال المنتدى الوطني الثاني حول داء الكلب، تخليدا لليوم العالمي لداء السعار، تحت شعار «داء الكلب في المغرب: صفر حالات بحلول سنة 2025، تعزيز مهارات الأخصائيين شرط أساسي لتحقيق هذا الهدف»مختلف الشركاء، للمساهمة في بلورة خطة وطنية للقضاء على المرض، تقوم بالأساس على حملة واسعة لتلقيح للكلاب على الصعيد الوطني، مبرزا أن الوزارة حددت كهدف لها القضاء على داء الكلب بحلول سنة 2025.
وأضاف أن داء الكلب (السعار)، الذي يعتبر مرضا فيروسيا مميتا بنسبة 100 بالمائة بعد تجلي أعراضه، والذي ينتقل إلى الإنسان عن طريق عض أو خدش حيوان حامل للمرض، يطال أكثر من 150 بلدا في كافة القارات، ويمثل مشكلة صحية عمومية رئيسية.
وأبرز أن أكثر من 60 ألف شخص يموتون كل عام جراء الإصابة بالمرض في جميع أنحاء العالم، 40 في المائة منهم أطفال دون سن الـ15، و95 في المائة من الحالات المسجلة توجد في إفريقيا وآسيا.
وأوضح المتحدث « أن الجهود المبذولة لمكافحة هذا المرض، في المغرب، في إطار برنامج وطني متعدد القطاعات شرع في تنفيذه سنة 1986، مكنت من تخفيض عدد حالات الوفيات جراء الإصابة بالمرض من 34 حالة سنة 1985 إلى 17 حالة سنة 2016»، مسجلا « أن منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية أطلقتا، في دجنبر 2015، بتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والتحالف العالمي لمكافحة داء الكلب، إطارا عالميا يهدف إلى القضاء التام على الوفيات الناجمة عن داء السعار البشري في أفق 2030 «.
وأشار المتدخل إلى « أن تحليل البيانات الوبائية يظهر أن تسعة أقاليم تسجل أكثر من 40 في المائة من الحالات»، ويتعلق الأمر بكل من القنيطرة والجديدة وسطات وسيدي قاسم وقلعة السراغنة وشتوكة آيت باها و الرشيدية وتاونات وبني ملال.
من جهته، قال مدير حماية التراث الحيواني والنباتي بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، عبد الرحمن العبراق، « إن أزيد من 80 في المائة من الوفيات البشرية المرتبطة بهذا المرض تحدث في المناطق النائية حيث لا يزال الولوج إلى الحملات التحسيسية والوقائية غير كاف بعد».وأشار إلى «أن المرض لا يزال منتشرا رغم الجهود التي تبذلها السلطات المغربية، سواء ضد داء السعار البشري أو داء الكلب»، مضيف « أن هناك في المتوسط 320 حالة داء الكلب، ثلثها يعزى للكلاب التي تعتبر ناقلا رئيسيا وخزان المرض في المغرب».
وتابع المتحدث « أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، بصفتها الهيئة الصحية الوطنية المسؤولة عن الحفاظ على التراث الحيواني والنباتي وسلامة الأغذية، ينظم سنويا، في إطار خطة عمله، حملات تطعيم معممة لفائدة الكلاب المملوكة بالمناطق النائية».
واعتبر في الوقت نفسه أن «الأهداف المتوقعة من هذه الإجراءات لاتزال بعيدة المنال»، مضيفا أنه يتعين تعزيز العمل الميداني، خاصة في مجال التلقيح، وتنفيذ برامج أخرى مثل تعقيم الكلاب.»
من جهتها، أكدت مديرة معهد باستور ورئيسة جمعية محاربة داء الكلب، نعيمة المدغري، على ضرورة مكافحة هذه الآفة، التي تعتبرها تحديا مهما بالنسبة للمغرب نظرا لوجود 99 حالة تراكمية لداء السعار البشري في البلاد بمعدل 20 حالة سنويا».
وأضافت أن داء الكلب، الذي ينتقل في الغالب عن طريق لدغة أو خدش من قبل كلب، هو مرض قاتل عندما يعلن عنه، مشيرة إلى أن الحيوان اللادغ يعتبر مشتبها به حتى لو كان قد تلقى لقاحا بشكل صحيح.
وذكرت المدغري « أن المغرب يتوفر على وسائل، ولقاحات ودليل مخصص للمهنيين لفهم أفضل لداء الكلب والتواصل حوله، من أجل تجنبه «، داعية إلى تعزيز أفضل لمهارات المهنيين من خلال تطوير أساليب جديدة للتدريب والتعلم، ومراجعة استراتيجية المراقبة وتنشيط البرنامج الوطني للوقاية والمكافحة.
في أفق الوصول ل 0 حالة وفاة مع حلول سنة 2025
قالت مديرة معهد باستور ورئيسة جمعية محاربة داء الكلب، نعيمة المدغري، الأسبوع المنصرم بالرباط، «إن المغرب، تمكن من خلال استراتيجية محكمة، من خفض عدد الإصابات بالمرض وتقليص عدد الوفيات الناتجة عن الداء إلى نحو 20 حالة وفاة سنويا»، مشيرة إلى» أن هدف وزارة الصحة يتمثل في الوصول لصفر حالة وفاة بحلول سنة 2025».
وأوضحت المدغري، في حوار خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة المنتدى الوطني الثاني حول داء الكلب، « أن المغرب انخرط في مبادرة هامة للقضاء على هذا المرض، من خلال اتخاذ التدابير ووضع استراتيجية محكمة من طرف وزارات الصحة والداخلية والفلاحة بمعية الجماعات المحلية، منذ سنة 2000 «.
وشددت رئيسة جمعية محاربة داء الكلب على ضرورة التحسيس والتعريف بالداء وأعراضه ووسائل الوقاية والعلاج منه، موضحة «أن أساس التوعية الوقائية يكمن في تعريف المواطنين والعاملين في قطاع الصحة بالتدابير الفورية التي ينبغي اتخاذها في حال التعرض للعض أو الخدش من طرف أحد الحيوانات التي قد تكون حاملة للمرض».
وأشارت المدغري إلى «أن جمعية محاربة داء الكلب عملت على نشر برنامج تعليمي شامل يبرز كافة التدابير التي ينبغي اتخاذها في حالة الإصابة»، مؤكدة « أن الالتزام بنصائح وتوجيهات الأخصائيين أساسي للقضاء على الداء نهائيا». وأضافت «أن داء الكلب، الذي ينتقل في الغالب عن طريق لدغة أو خدش من قبل كلب حامل للداء، يعد مرضا قاتلا عندما تتمظهر أعراضه».
مرض فيروسي فتاك
يعد داء الكلب واحدا من الأمراض الفيروسية الفتاكة التي تطال الإنسان، حيث يؤدي لوفاة كل من تعرض للإصابة من دون الخضوع للقاح. وعلى الرغم من توفر جميع الوسائل العلمية للقضاء على هذا المرض.
ويمثل داء الكلب مشكلة صحية عمومية رئيسية، إذ يعد مرضا فيروسيا مميتا بنسبة 100 بالمائة بعد تجلي أعراضه، ينتقل إلى الإنسان عن طريق عض أو خدش حيوان حامل للمرض، وينتشر في أزيد من 150 بلدا في كافة القارات.
ويتعرض أزيد من 60 ألف شخص للوفاة سنويا جراء الإصابة بالمرض في جميع أنحاء العالم، 40 في المائة منهم أطفال دون سن الـ15، و95 في المائة من الحالات المسجلة توجد في إفريقيا وآسيا.
وقد حددت منظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، والتحالف العالمي لمكافحة داء الكلب، خلال المؤتمر العالمي للقضاء على داء الكلب سنة 2015، غاية عالمية تتمثل في القضاء على حالات الوفيات الناجمة عن الداء لدى الإنسان بحلول سنة 2030.
أعراض وتشخيص
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن فترة حضانة داء الكلب لدى الإنسان تتراوح عادة بين شهر و3 أشهر، وتشمل الأعراض الأولية لداء الكلب الحمى المصحوبة بألم وشعور غير عاد أو غير مبرر بالوخز أو الحرق في موضع الجرح.
وتبرز تقارير المنظمة أن الأدوات التشخيصية الحالية غير ملائمة للكشف عن العدوى قبل ظهور الأعراض المرضية السريرية، ولذلك يصعب التشخيص السريري للداء.
وتمثل حالات العدوى المنقولة من الكلاب المصابة بداء الكلب إلى الإنسان 99 بالمائة من الحالات المسجلة.
وتظل الوقاية من داء الكلب ممكنة باستخدام اللقاحات وتطعيم الكلاب والحيوانات الحاملة للفيروس، ومن خلال إبقائها تحت الإشراف والمتابعة. كما أن وقاية الإنسان تمر عبر تجنب لمس الحيوانات الضالة، وغسل الجرح لمدة طويلة والتوجه للمراكز الصحية جراء التعرض للعض أو الخدش من طرف الكلاب أو غيرها من الحيوانات الحاملة للداء.