تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
في سنة 1801م/1216ه لمع نجم الإمارة السملالية مع مجيء هاشم بن علي الذي لم يجد صعوبة في تصدر الشؤون المحلية بسوس، فاسترجع ممتلكات عائلته، فأتم بناء إيليغ الجديدة غير بعيد عن أنقاض إيليغ القديمة. وبعد تولي الحسين ابن هاشم (الحسين أوهاشم) سنة 1824م أمر الزاوية والدار وقيادتها توسع بشكل كبر نفوذ حفدة سيدي أحماد أو موسى في منطقة سوس، مستغلين انشغال السلطة المركزية بمقاومة الضغوط الأجنبية المكثفة على البلد خلال تلك الفترة، كما تقوى النفوذ الاقتصادي للعائلة.
امتد نفوذ الحسين أهاشم إلى ما بين ولغاس وواد نون، ومباشرة بعد وفاة سيدي هاشم مقتولا سنة 1825م ، عوضه ابنه الأكبر «علي أهاشم» الذي امتد نفوذه على الدار زهاء سبعة وثلاثون سنة بعيد وفاة أبيه، وقد كان همه الوحيد هو محاولة الأخذ بثأر أبيه الذي مثلت وفاته صفعة قوية لتازروالت ووصمة عار لأمجاد الأسرة الشريفية، وقد وجد القاتل ملجأ له لدى أعدى قبيلة لتازروالت وهي قبيلة «إذا وبعقيل»، خاصة وأن قائدها «الطاهرأبلاغ» رحب به واعتبر ما قام به فخرا لا يجب أن يمحى من الذاكرة البعقيلية.
ويشير «جوستينار» Justinard أن «أحمد أومحمود» لقي حتفه على يد أمغار «أخرراز»، وأن «سيدي علي أهاشم» حصل على مساعدة القاتل مقابل مال محدد مسبقا. يضاف إلى هذا، المساعدة التي قدمها سكان «أسكا أوبلاغ» بخيانتهم لحق اللجوء، وهناك رواية تقول إن محمد قد قتل نتيجة لخيانته إخوته الذين أدلوا بدلوهم على أنهم قاموا بأداء الدية، لكنهم في الطريق قاموا بقتله، وفي هذا الصدد يقدم لنا «القبطان الشلح» الرواية التي جمع مادتها سنة 1913 تقول الرواية : «الأمان أكثر في الحقيقة عند الصديق منه عند الأخ، لأنني قد رأيت محمود يقتل من طرف إخوته، فعن طريق الخيانة يموت الأسياد».
وبعد تصفية هاته الحسابات سوف تتجه عناية الشيخ إلى الدوائر المخزنية وفي مقدمتها السلطان الذي حاول «علي أهاشم» بناء روابط متينة معه، لمدة سبعة عشرة سنة أي إلى حدود 1842. ويظهر ذلك من خلال المراسلات التي تبادلها الطرفان، وقد اطلعنا على بعضها فتبين لنا بما لا يترك مجالا للشك والريبة أن السلطان كان يخاطب الشيخ بعبارة : «محبنا الأرضى المرابط سيدي الحسين أوهاشم…»، حيث هناك رسائل يفيد مضمونها ومحتواها أن الشريف كان يبعث هدايا للسلطان في مناسبات الأعياد الثلاثة أو خلال اعتلاء العرش، وهذا يدل على أن السلطان كان يسرع إلى إقامة علاقة قوية ومتينة مع شيخ تازروالت. وهي نفس الملاحظة التي استشفها قبلنا الباحثان باسكون والناجي، وهذه الهدية التي قدمها الشيخ للسلطان تفيد في نظرنا أن قيمتها تمثلت في تبعيته للمخزن حتى وإن الشيخ خلال هذه الفترة لم يكن خادما للمخزن ولكن إشارة السلطان كانت واضحة من خلال المراسلة. وقد كان مبتغى المخزن أن يظل الشيخ على ما كان عليه أسلافه الأوفياء وأن لا يخرج عن العوائد. وهو ما يعني أن السلطان رغم أن يده لم تصل إلى هذا القطر، فإنه كان يتنبأ بأهمية الشيخ في المنطقة. وهذا يتنافى مع ما ذهب إليه البعض من أن المولى «عبد الرحمان بن هشام» (1822-1859) كان مشغولا بالشمال المغربي، لذلك لم يعر اهتماما لجنوبه. مما يفسر قلة المراسلات من الجانبين. سوف يتكرر نفس السيناريو مع «علي أوهاشم» الذي قتل هو الآخر برصاصة طائشة خلال حرب ضروس حرك رحاها كل من دار إيليغ وأولاد جرار. وقد كان يرى في أخيه الحسين منافسا له وكان هذا الأخير ظلا للأول، مما دفع بالحسين إلى تدبير مؤامرات للتخلص منه، لكن كل محاولاته باءت بالفشل. ولما افتضح أمره اضطر إلى الهروب إلى»توركان» عند إذا وبعقيل حسب ما رواه زعيم إيليغ سنة 1936 لجوستينار.