“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 22 الدمى الجنسية: شريكات نموذجيات لعالم مجرد من إنسانيته

في قلب

باريس، ثمة «مخدع» مكتظ بدمى جنسية في انتظار الزبائن؟ الجواب: نعم. منذ سنة 2018، عاودت دور الدعارة الظهور بعد المنع الذي طالها سنة 1949 في فرنسا، من طرف «مارث ريتشارد/Marthe Richard». امرأة بمصير لا يصدق، لقد كانت، وبالتتابع، عاهرة ثم طيارة ثم جاسوسة ثم مقاومة فمستشارة في بلدية باريس. كانوا يلقبونها «المرأة التي تغلق/ La veuve qui clot»، بكل تأكيد لم ترفع نخب الشامبانيا على شرف دور للبغاء من نوع جديد.
كن ثلاثا، ليلي/Lilly وصوفيا/Sofia وكيم/Kim، مدعوات لاستقبال زبائن مقابل 89 أورو للساعة الواحدة مرتديات لباسهن المناسب ومتموضعات طبقا للأذواق. هذه الدمى ليست مصنوعة من الشمع، ولكن من مادة السيليكون، لا يتمنعن، جاهزات لإشباع كل الاستيهامات الذكورية. رئيس دار الدمى، مقاول فرنسي عمره ثلاثون سنة، يبحث اجتذاب زبائن لم يجرؤوا يوما على ارتياد دور البغايا وعلى زيارة العاهرات. هذا المكان القانوني، تماما، يستلهم من شركة «Lumidolls» الرائدة «Pionnier Lumidolls» التي افتتحت أبوابها في برشلونة سنة 2017 والتي لديها الكثير من الزبناء. «يمكنك أن تقوم معها بكل ما تريد، لكن لا تتلفها!» ذاك هو شعار مالكي هذه الدور. البعض من هذه الدمى تمت برمجتها لتبدو كما لو أنها تقاوم فعل اغتصاب. هذه الدمى واقعية جدا، غير أنها لا تبلغ مستوى «هارموني» الدمية التي طورتها المقاولة الأمريكية «Real Doll»، والتي تبيع ، حوالي خمسين قطعة منها شهريا . سيكون من الأليق، هنا، استعمال كلمة روبوت، ذلك أن هذه «الدمية» مزودة بالذكاء الاصطناعي، تتكلم وتحرك عينها محاكية، بصوت عال، لحظة تحقق النشوة الجنسية، وحينما تسألها «أتحبين العلاقات الجنسية؟» تجيب «أحب الجنس، لكن لا أعرف عنه الشيء الكثير، أريد منك أن تعلمني كل شيء!» الفكرة، طبعا، أن تبدو الدمية عرضة للاقتحام لكي يحاول صاحبها الذكر استثمار دور السيد مغذيا، بذلك، إحساسه بالتفوق. على سبيل المقارنة، تصنع مقاولة «RealDoll» دمى ذكورية، ولكنها لا تمثل سوى 10 بالمائة من حجم مبيعات السوق. بالنسبة إلى «مات ما كمولان/Matt Mc Mullen» مؤسس المقاولة، يتعلق الأمر كما أشار الى ذلك في استجواب له مع «نيويورك تايمز» بكون «جزء من التجربة يختص بعد يوم عمل مجهد وطويل بالعودة إلى المنزل الذي لم يعد فارغا، ربما يمكنهم (ويقصد أصحاب هذه الدمى) أن يذهبوا إلى حد أن يشتروا لها باقة من الزهور، أو أن ينظموا برفقتها عشاء زائفا. صحيح أن الجنس مكون داخل المشهد، لكنه بعيد عن أن يكون المكون الأوحد».
يقدر ثمن هذه الدمى الجنسية بحوالي 5000 دولار، لكن بعض الزبائن يمكن أن يطالبوا بمنتج على المقاس كنسخة طبق الأصل من واحدة من معارفهم، شريطة تحديد بالنسبة إلى «مات ماكمولان»، «تكون العلاقة الجنسية على قدر من الإشباع كبير، حينما يكون بمقدور العاشقين الحديث في أشياء أخرى غير الجنس». ويعتزم المقاول الاقتراب من «سامنثا» بطلة فيلم «Her». «ثمة سيصعب إبداع اللوغاريتمات القادرة على ضبط سياق المحادثة حتى نظل في الموضوع، لكن، من الآن والى حدود ثلاث سنوات، سيكون لديكم، حقيقة، وهم التحدث إلى كائن إنساني».
هذه الروبوتات التي ستكون، غدا، فائقة الواقعية، ستعمل على إدماج مجموع الإشكاليات التي أتينا على إثارتها. سيكون لدمية المستقبل تمفصل آلي، من الرأس حتى القدمين، وذكاء «سامنثا» وصوتها الناعم وستكون لها سطوة ماكرة كما هي للآلات الناطقة، تماما، كما تخيلها «سيرج تيسرون». لنتخيل «سامنثا» بطلة فيلم «Her» داخل آلة مصممة بنجاح مثل تلك التي صنعها «بوسطون ديناميك/Boston Dynamic». توشك هذه الروبوتات الجنسية، مستثمرة العزلة الانسانية، أن تقتحم، بكثافة، منزل الأشخاص الوحيدين، ويتعين ألا ننسى أبدا أن، خلف كل منتج يتخفى برنامج معلوماتي يتولى تسجيل بياناتك، يتعين ألا يعزب عن أنظارنا أن هذه الروبوتات المؤنسة يمكنها في كل لحظة أن تكون أداة رهيبة للتأثير علينا، بل وحتى التلاعب بنا. يمكن لكامبريدج أناليتيكا الغد أن تحوز سلاحا أكثر فعالية من شبكة فايسبوك للعبث بأذهاننا. هذه الدمى الآلية مرآة نرجسية بجانبين، وراءها تنهض مقاولة تستفيد من عزلتنا، مانحة إيانا سراب علاقة جنسية وغرامية. إنها الشكل الأسمى لسيرورة تجريد الإنسانية من إنسانيتها.

الإنجاب: نحو عالم جديد رائع

إذا استسلمت الغالبية العظمى من الإنسانية، مستقبلا، لإغراء أن تعيش مع روبوتات المحادثة أو الروبوتات الجنسية، فسيلحق ذلك الضرر بعملية التناسل، ومن ثم، احتمالا، ببقاء الجنس البشري. لكن الحل يمكن عندئذ، أن يأتي من الإنجازات التكنولوجية والطبية التي تيسر، إلى حد بعيد، الإخصاب الاصطناعي. فضلا عن ذلك يمكن أن نسجل أن العودة إلى الطب لأجل التوالد باتت فكرة مقبولة، أكثر فأكثر، من طرف المجتمع وأحيانا بحكم الأمر الواقع. حسب وجهة نظر أطباء الأمراض النسائية ازدادت نسبة المراجعة الطبية عند الأزواج بسبب مشاكل العقم المرتبطة بعوامل متعددة، إلى حد أن بعض الأخصائيين العلميين يثير موضوع “الجيل العقيم/Genertion Infertile». ماذا لو أن التكنولوجيات الجديدة تسمح بإعطاء الحياة لـ»عالم جديد رائع» كما رسم ذلك ألدوس هكسلي/Aldous Huxley» في كابوسه (إحالة الى رواية «عالم جديد رائع»). هذه اليوتوبيا المضادة/Dystopie»، التي كتبها سنة 1931.
في روايته تراقب سلطة الدولة سياسة الحمل الاصطناعي والجنس البشري على حساب تناسل جنساني طبيعي. تحدد الدولة عدد الأطفال الرضع الذي يتعين أن يستمروا في الحياة، مسندة إليهم طبقة اجتماعية وفقا لإمكانهم البيولوجي. في المقدمة التي خص بها إعادة إصدار روايته «عالم جديد رائع» سنة 1946، يخشى الفيلسوف والروائي الانجليزي رؤية كابوسه يتحقق خلال القرن القادم. إلى حد بعيد نحن نقترب من ذلك. بعيدا عن التخييل، وبرغبة حارة، يشتغل علماء العالم برمته على مفهوم «التكون الخلفي خارج الرحم» «L’ectogenese»، بمعنى احتمال تطور الحمل والجنين داخل رحم اصطناعي. سنة 2016 أعلن فريق من الباحثين تحت إشراف جامعة كامبريدج توصله الى رعاية مختبرية للأجنة الإنسانية حتى حدود مرحلة زمنية غير مسبوقة 13 يوما! وحدها الاعتبارات الأخلاقية حالت دون ذهابهم أبعد من ذلك. سنة بعدها، تم استخراج ثمانية حملان من بطون أمهاتها بعد مرور مابين 105 الى 120 يوما عقب تكون الحمل ونجحت الحملان في أن تنمو دونما خلل معيب داخل رحم اصطناعي، نوع من «الكيس الحيوي/Bio bag»، كيس حياة أنشأه علماء أمريكيون. «لكن هذه المنجزات تفتح منظورا باعثا على الدوار، ذاك الخاص بالتقاطع بين حمل مصمم في المختبر وبين الجنين موضوع التعهد والرعاية داخل محيط خارج الرحم». كما يسطر ذلك الصحفي وصاحب دكتوراه في الطب «جون-ايفيس نو/Jean-Yves Nou» منظور سيفتح عالما جديدا حيث ستعوض الحاضنة بطن النساء. يمكن للإنسان، إذن، أن يعيش صحبة روبوت وأن يتوالد بفضل حاضنة، هذا ما يبدو أنه المرحلة الأخيرة المشكلة لمجتمع اللاتلامس. طبعا أنا، هنا، أوشك أن أحاذي حدود الخيال العلمي، لكن هذه الرؤية ل»طفل حسب الطلب/Bébé a la carte» تحيل، أيضا، إلى الإنسانية المنسلخة من حسها الإنساني. فلسفة يقرر الإنسان، عبرها، وبمفرده التحولات التي يمكن أن يلحقها بجسده، وإذن بنسله بفضل التكنولوجيات الجديدة. تقدم يفترض به إن يعزز استئصال المرض والشيخوخة في أفق تحقيق رغبة الخلود.
إذن وبعد استكشافنا معالم حب حديث متحدر من مواقع المواعدة إلى أن بلغنا حدود «التكون الخلقي خارج الرحم» «Ectogenese»، لنغص، الان، إلى عمق ستة أمتار تحت الأرض لنستدعي الموت في زمن الإنسانية الفائقة، تعبير إشاعة عالم الأحياء «جوليان هكسلي/Julien Huxley» أخ «الدوس هكسلي»، في النهاية الكل يتوافق داخل «عالم جديد رائع».


الكاتب : ترجمة: محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي