تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
أمام الضعف المركزي أواخر العهد السليماني، أصبح اللجوء إلى زاوية تازروالت أمرا محتما وغاية لابد منها، فقد جعل المولى سليمان من الشيخ هاشم يده البيضاء في سوس كما أن مخزن المولى «عبد الرحمان بن هشام» جعل من «علي بن هاشم» رسول المخزن في سوس، ويذهب «بول باسكون» إلى القول بأن دار إليغ استفادت من علاقتها بالمخزن إلى درجة أنها اعتمدت جواسيس لها بالبلاط المخزني، وعلى سبيل المثال لا الحصر الوصيف» إدريس بن المكي» هو الرجل الذي كان يقوم بهذا الدور. كما أن زعيم دار إيليغ كان يخاطب هذا الأخير بعبارات لا نجدها إلا في الآداب السلطانية، لكن الأمر لا يجب أن يذهب إلى هذا المذهب ففحص العديد من الوثائق في هذا السياق تتبث أن هذه العبارات لا تعدو أن تكون نهجا نهجه أهل الدار منذ أجدادهم لمخاطبة العبيد الذين اعتمدوهم .
قبل البدء في سرد مجريات وتطورات العلاقة بين الطرفين، لابد من الإشارة في البداية إلى أن محاولة فهم هذه العلاقة بين الطرفين ستعود بنا على الأقل إلى الفترة السليمانية (1792-1822)، أو فترة الباب المغلق التي نهجها السلطان على المستوى الداخلي والخارجي، فخلال نهاية هذه الفترة توجت العلاقة بالصداقة وطي صفحة الماضي ولعل إرسال السلطان ابن أخيه «المولى بن ناصر بن عبد الرحمن» إلى «هاشم بن علي» للتنصل مما فعله «اغناج» هو مايؤكد هذا الطرح على اعتبار أن هذا الأخير كان خارجا عن الطاعة السلطانية، وهو الأمر الذي لم يستسغه «هاشم بن علي» الذي اعتبر الحادث محاولة لتخلص السلطان من مكانة دار إيليغ الحيوية وتدميرها كلية سنة 1810، وأن المولى سليمان أراد إعادة سيناريو سلفه المولى الرشيد سنة 1670.
لقد اتضح منذ حركة أغناج – ومهما اختلفت المصادر في تقديمها لهذا الحادث ما إذا كانت يد السلطان ملطخة بدمائه أم أنه بريئ منها، إلا أن النتيجة تبقى واحدة وهي- أن السلطان أصبح على وعي بل أنه قطع الشك باليقين على أن سوس لن يمكن التحكم فيه إلا باحتواء شيخ تازروالت، ولعل هذه هي السياسة التي سيتبناها الطرفان منذ فترة السلطان المولى «عبد الرحمان بن هشام» (1822/ 1859) وإلى غاية «المولى عبد الحفيظ»، (1908-1912) حيث ستعرف هذه العلاقة طفرة نوعية بعيد الحركتين الحسنيتين بعد تعيين «محمد بن الحسين أهاشم» قائدا وممثلا مخزنيا للسلطان، إنها عملية الاحتواء المخزني للزاوية والدار. فالسلطان «عبد الرحمان بن هشام» الذي فاجأته أحداث سوس المضطربة والتي تلت وفاة المولى سليمان، سيوجه رسالة إلى «علي بن هاشم» يرغبه فيها بضرورة التحالف مع المخزن ناعتا إياه بالرسول الذي من شأنه إرساء السلام والاستقرار، وهو ما يعبر حسب بول باسكونPaule Pascon عن الضعف المعنوي والمادي للمخزن. وخلال سنة 1846 سوف يعين «محمد بن حمو التامنارتي» قائدا هناك، مع العلم أن هذا الأخير واجه صعوبات جمة كان في مقدمتها البحث عن السبل لاحتواء زعيم دار إيليغ. فسوس يتقاسمه حلفان وأن أقواهما (تكوزولن) الذي يتحكم فيه «الحسين بن هاشم». سيتضح مجددا للسلطان أن تهدئة أوضاع سوس لن تتأتى إلا باستمالة «الحسين بن هاشم» وتقريبه من المخزن مادام يشكل في نظر السلطان فتيل كل الأحداث التي كان يؤجج نارها كلما أراد ذلك. وخصوصا عندما يحتمي القواد المخزنيون بدار إيليغ، وهو ما يعبر عن ضعف المخزن وقوة الدار. ويجب التأكيد هنا أنه لا يمكن فهم علاقة المخزن بسوس في غياب دراسة مستفيضة تبرز إلى أي حد انعكست هذه الأحلاف على مستقبل العلاقة بين الطرفين.