الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …
كلمة ” ارحل ” كان لها هدف واضح وهو إسقاط الرؤساء الفاسدين للأندية الرياضية، ارحل واطلع برا وديكاج ليست فقط لوقفات احتجاجية، وإنما كتابات مكتوبة على جداريات في جميع الأحياء لرؤساء أندية رياضية يقومون بإختلاسات مالية وميزانيات مشبوهة وسمسرة وصفقات مشبوهة والتلاعب بنتائج المباريات، بالإضافة إلى ارتباط رؤساء النادي وعلاقتهم بالأحزاب الإدارية المخزنية . وبات “الغرافيتي”، أو الرسم على الجدران، وسيلةً للألتراس عبر العالم، للإطاحة بكل مسؤول سولت له نفسه العبث بتاريخ النادي الذي تسانده، كما أصبح أداةً للتعبير عن الآراء والتوجّهات، وكذا للاحتفاء برموز النادي وتخليدها.
ثلاث كلمات ليست عادية، هاشتاغ هنا وهناك، كما بادرت الألتراس المغربية أثناء منعها خلال السنوات الأخيرة إلى الالتئام وتوحيد المواقف في أفق استعادة مكانتها والالتحاق مرة أخرى بـ”كورفات” الملاعب، وعكفت على القيام بمجموعة من الخطوات للتعبير عن رفضها قرار المنع الذي طال أغلبها ٠
وأطلق “اتحاد الألتراس المغربي” خلال المنع في حملته “الغرافيتية” التي شاركت فيها أغلب المجموعات، وذلك بكتابة كل فصيل عبارة “الألتراس لن تحل” على جدران مدينته، في أكبر الشوارع وأنشط الطرق لضمان وصول الرسالة للمسؤولين دون تأخير. وكانت الألتراس المغربية قد أعلنت عن مقاطعتها للمباريات، داعيةً في هذا السياق، الجهات المعنية إلى مراجعة قرارها حول “نبذ ومحاربة الألتراس ونزع القيود عنها وفتح باب الحوار والنقاش الهادف والبناء والموضوعي لضمان عودة الجماهير وعدم الحط من كرامتها. ويرى أمين القبابي أن غالبية الألتراس اتفقت على توحيد الصفوف كإجراء أولي، ثم محاولة إزالة الصورة السلبية التي ألصقت بـ”الألتراس” بعد أحداث شغب متفرقة في عدد من الملاعب الوطنية، لعل أبرزها سقوط ضحيتين من جمهور الرجاء، بعد صراع بين فصيلي “غرين بويز” و”الإيغلز”، المشجعين للنادي نفسه.قد يقف المشاهد أو المتابع لبعض التيمات الفنية التي يبدعها شباب الألتراس، وهو يلاحظ حركات الشباب بالمدرجات وقفزاتهم مع ترديد أغانيهم مجرد أغاني فارغة المحتوى والمضامين، لكن المتبصر لما هو مضمر بين سطور هذه الإبداعات الكتابية سيجد أنها أصبحت تتخذ مسارا آخر غير الاقتصار على ترديد الهتافات التشجيعية لفريقها والدفع به إلى الأمام، وصارت تحمل بين ثناياها رسائل قوية لمن يهمهم الشأن على كافة الزوايا والمجالات خصوصا منها السوسيواقتصادية. فكان لا بد لنا هنا من المرور على آلية من آليات صناعة الخطاب الاحتجاجي لهذه الجماعات عبر تحليل محتويات خطاباتها على مدرجات الملاعب وخارجه، من خلال تفكيك شيفرة مقاطعها الغنائية مضمونا. مع تزامن موجة الربيع العربي ، أخذت فصائل الألتراس تنوع منتجاتها السمعية التي تطرحها، وتلونت من صبغة التشجيع والتغني بإنجازات فرقها الكروية وتنافساتها، إلى صبغة أكثر تمردية ثورية على جل أشكال الفساد و التعسفات التي طالت هؤلاء الشباب وهم يمارسون نشاطاتهم تحت ظل الاستفزازات والتضييقات التي يطالونها من أجهزة الأمن في بعض الأحيان، أو كما يلخصونه في مصطلح “الحكرة”. هنا تقدمت فصائل عديدة بأغاني تتغنى بالحرية والكرامة لشباب هذا الفكر، ونذكر هنا أول فصيل للذكر لا للحصر، فصيل “ألتراس عسكري” الذي طرح سنة 2011 أغنية بعنوان: “الحرية”، والتي جاءت كلماتها كرد للتنكيل الذي طالهم؛ من قبيل: “لربي العالي نرفع يداي، الحل عندو لهذه الوضعية، مليت العيشة السلطوية، شباب اليوم رايح ضحية، يا شباب يالاه نطالبوا بالحرية، كونوا رجال قوة شعبية…” بالتحليل والتمحيص في جوهر الأغنية يتبين لنا أن هم الشباب الأول انتقل من توجيه أصبع الاتهام لفريقهم جراء توالي انتكاساته وإخفاقاته، إلى توجيهه نحو الفئة المسؤولة عن تضييق ومحاولة خنق هؤلاء الشباب من ممارسة نشاطاتهم والتضييق من بؤرتها أكثر، فالخطاب الاحتجاجي انتقل من كونه خطابا يتأسس على قاعدة احتجاجية تتوخى المطالبة بحقها المشروع في التشجيع بشتى الوسائل التي يجمعون عليها دون أية رقابة أو حكر من جهاز أو جهة ما عليهم.
وقد خلصت دراسة موسعة تحت عنوان “تمثلات الخطاب الاحتجاجي للأتراس في المغرب وتأثيراته السياسية” لأستاذ العلوم الاجتماعية سعيد بنيس إلى أن “دينامية الألتراس بالمغرب عرفت تحولا بارزا بعد سنة 2016، وهو تاريخ صدور قانون المنع، حيث بعد عودتهم إلى الملاعب صار خطاب الألتراس خطابا احتجاجيا؛ فانتقلت معه حلبات الرياضة إلى مواقع لتمرين سياسي للشباب، وعنوانا لانخراطهم في الصيرورة الاجتماعية والسياسية الوطنية والإقليمية. وترى الدراسة التي نشرت في العدد الثاني من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات أن “كل هذه المظاهر ما هي إلا نتاج لمجموعة من التحولات الاجتماعية التي أنتجت تعبيرات جديدة وخطابا احتجاجيا مضادا في المغرب يجسده احتجاج الألتراس”.
هي موجة من المواقف الغاضبة والخطابات الاحتجاجية التي أضحت تجتاح الملاعب المغربية، ليس فقط تعبيرا عن المشاكل الاجتماعية أو السخط السياسي، بل تفاعلا مع كبرى القضايا السياسية وقضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ونستدعي هنا، على سبيل المثال، أغنية “رجاوي فلسطيني” التي حاكتها كلمات جمهور الرجاء، والتي جاءت تعبيرا عن التآزر والارتباط الوثيق بين المغرب والشعب الفلسطيني وتضامنا معه في الدفاع عن قضيته وقضية الأمة العربية الأولى. وقد حملت كلمات الأغنية رسائل مناهضة للصهيونية. كما أظهرت رغبة جماهير الرجاء في زيارة فلسطين ومساندة الشعب في تحرير القدس الشريف.