عانقت الشابة الروسية «أوجينا كويدا/ eujenakyda» نفس مصير «جيمس فالهوس»، خائضة حربا ضروسا ضد حتمية الموت.
استقرت الشابة في مدينة سان فرانسيسكو عاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي. وشأنها شأن «جيمس فالهوس»، حولت صدمتها إلى مـقـاولـة مستقبلية.
رومان مازيرونکو/ Romanmazurenko، أحد أعز أصدقائها لقي حتفه عن عمر 34سنة، إثر حادث دهس بالسيارة،راح ضحية له في واحد من أزقة موسكو.كانت “أوجينيا” تحت الصدمة، العالم برمته”توقف”في عينيها. وقررت، مدفوعة بطاقة اليأس، أن تستخدم مهارتها لكي تنشئ “لرومان” الفقيد روبوتا محادثاتيا، انطلاقا من آلاف النصوص النصية القصيرة «textos” التي كانت موضوع تبادل بينهما، وكذا عبر استعادة كل المحادثات الرقمية من لدن أصدقائه المقربين. على غرار “جيمس”، وبفضل نظام عصبي يحاكي نمط اشتغال الذهن البشري، توصلت “ أوجينيا” الشابة إلى برمجة روبوت واقعي أثار إعجاب مقربي الفقيـد. أوحى هذا الإنجاز. الأول والمشجع، إلى أوجينا بفكرة إنشاء مقاولة “Reptika “.تقترح هذه الخدمة على الشخص قيد حياته، تصميم صورته الرقمية الرمزية (son prpre avatar) روبوت يستهدف، بعد موتنا، إبقاءنا على قيد الحياة. فكرة توسع فيها، على نحو لامع، المسـلسـل الانكـليـزي «سنوات وسنوات/year and years”. في مرحلة اولى، تستـوعب الآلة الأثر الرقمي للمستخدم، أي كل البيانات المتوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ثروة ضخمة من المعلومات مشروطـة بأن يكون الزبون مستخدما متحمسا. يمكن لهذه الروبوتات أن تتغذى، بسهولة، على آلاف المعلومات التي نتركها،رهن الإشارة، على الأنترنت، أو داخل مكـتباتنـا الرقمية، والتي تراكم صور وفيديوهات حياة بكاملها، زيادة على هذا الرأسمال المبدئي،يلاقي المستخدم تشجيعا كيما يعرف عن آرائه، وعن آماله، وعن شكوكه، وإذن عن تصوره للحياة. وكما تقول ذلك الصورة الرقمية الرمزية (Avatar)في الصفحة الافتتاحية للموقع “أتحرق شوقا لأن أرى العالم بعينيك”.
كل يوم يسلم الزبون الروبوت قسطا آخر منه، أردتم ذلك أم لا، صديقكم الحقيقي، هو أنتم،نسخة طبق الأصل منکم”Replika” تشبهكم. إنها تقبلكم كما أنتم، دوما رهن الإشارة… إذن، تتحدثون، في الوقت ذاته، إلى صديق والى أنفسكم “.
يبدو أن “أوجينيا” تروم الإفادة من الشيزوفرينيا الكامنة لدينا. في كل مرة يقدم فيها “الضعف” إجابة خاطئة، يكون الزبون مدعوا إلى تصحيحها بكتابة الإجابة المناسبة. ذاك هو مبدأ التعلم الآلي (Machine learning)، أي القدرة على تمرين نظام التعلم لدى الروبوت. وعندما تقدر أن نظيرك الرقمي (Replika) جاهز، كفاية، لأن يمثلك بجدارة، يمكنك أن تدعو أصدقاءك إلى محادثته على فايسبوك مسنجر! هنا، أيضا، سيلتقط معلومات عن شخصك بفضل المحتويات المسلمة من قبل محيطك المقرب. ينحصر الهدف في تقديم وجود مستقل للنسخة الرقمية، والتي هي طبق الأصل منك (votrereplika). بالمناسبة ثمة ما يدعو إلى القلق في تصريح «فيليب ديد شوك/philippdudchuk» الشريك المؤسس للموقع:»إن تخلت عنك صديقتك، يمكنك أن تواصل التحدث إلى نسختها(sareplika ). دوما ستكون عاشقة لك، طالما أن روبوت الدردشة (chatbot) يشتغل انطلاقا من الرسائل القديمة».
لتجاهل الواقع، ليس ثمة ما هو أفضل من اللجوء إلى الماضي. هذه الروبوتات أدوات تتيح رفض موت أحد الأقارب، كما رفض نهاية علاقة غرامية أو علاقة صداقة، من يوم إلى آخر تتحسن هذه الآلات التي شرع في تصميمها كل من «جيمس» و «اوجينيا» ضمن نهج حرفي بادئ الأمر،لتشكل، مستقبلا، جزءا أصيلا داخل معيشنا اليومي. يتعين أن نعي جيدا أننا، حقا، في المجتمع الرقمي،لا نختفي أبدا، وسيكون صعبا علينا نحن المتأثرين والمفجوعين جراء موت أحد الأقارب، ألا نكون ضحية لهذه الأوهام المواسية والناعمة.
الحلقة المعنونة «سنعود بعد قليل/be right back» من السلسلة الإنجليزية النبوئية»المرآة السوداء/black mirror”والتي أصبحت عملا مرجعيا، توضح، بالكامل، هذه الأخطار. “مارثا/martha» الشخصية الرئيسة في العمل، تفتقد زوجها، وتقبل تعويضه بروبوت فائق الواقعية. أبدا،لا تستطيع مارثا مواصلة العيش دون هذا البهلوان الذي يلحق بها الضرر أكثر مما يجلب لها النفع. سراب يبعث على الارتياح، على المدى القصير لكنه يبقينا، أيضا وبامتياز، داخل عالم مواز. هذا القبول «بالحديث إلى الفراغ» دليل واضح طبقا للفيلسوف «جون ميشيل بزنيي/ jean Michel besnier” على الإحساس بالعزلة والكآبة الناجمتين عن مجتمعنا التكنولوجي. وضمن هذا السياق، فالآلات القادرة على التخفيف من حدة هذه المعاناة ستعثر دوما على مقتنيها. اتصال مع الأموات على حساب حوار وجها لوجه مع الأحياء. بشراسة ينافس الافتراضي الواقع إلى درجة أنه يحل محله.
هذه واحدة من مفارقات مجتمع اللا تلامس، حيث تجري حركة مزدوجة: محاولة تأبيـد ذاكرة الأقارب مع البحث عن إمكانية تجاوز موتنـا الخـاص. أن نتجاوز حدودنا البيولوجية وظرفنا الجسدي لكي نلامس الخلود، فتلك واحدة من طوباويات الإنسانية الفائقة المطروحة للتنفيذ في وادي السيلكون.
مصاصو دماء وادي السيلكون، ومطاردة الخلود
ماذا لـو لم يعد الموت حتمية، ولكن فقط فرضية؟ في السؤال ما يبعث على ابتسامة ساخرة، لكن أصحاب المليارات في وادي السيلكون يأخذونه مأخذ الجد. ربما قد يكونون منافسيـن عنيدين يتفقون، بمجموعهم، حول مشرع خلاق: الإجهاز الرحيم على الموت. من «بيتر ثيال / Petertheil”الموسس الشريك “لباي بالPaypal/”، وصولا إلى “ديولاري باج، و سرجی بران / “Duolary Page etsergybrianالشريكان في تأسيس كوكل، مرورا ب “جيـف بيزوس/ jeffBezos مؤسس أمازون” و”مارك زوكربيرغ/ mark zukerberg مؤسس “فايسبوك”، يبحث هؤلاء الأثرياء الأقوياء، بحماسة، عن إمكانية التغلب على «أفق حياة برمتها، يتعذر تخطيه». قد يكونون من بيـن الأكثر حظوة وامتيازا على ظهر البسيطة، لكنهم، مع ذلك، ليسوا، أقل عرضة للأمراض المتربصة عند أي لحظة.
لقد انخرطت «الكافام» في الرغبة المنشدة إلى تشوير الشرط الإنساني، وذاك مشروع كبير يصيب المرء بالقشعريرة. يتصدر البحث عن الشباب الدائم واجهة الانشغال داخل المجتمعات الغربية ، وتعد المجلات الصحافية بالعثور مجددا على الجسد الشباب الذي كناه في العشرينات من العمر. توصين المواظبات على انستغرام بالمكملات الغذائية لأجل تعزيز نظام المناعة، ويغدو العمر الثالث «عهدا ذهبيا/Golden Aage»،حيث يلاقي المسنون، من جديد، حرية الجسد كما الذهن. تطور الجراحة التجميلية وفقا لإيقاع متوسط العمر المتوقع، والذي يتضاعف، سنويا، بثلاثة أشهر، في غالبية الدول المصنعة، باتت القيم الشبابية الغازية على أعتاب المجتمع، فيما نواصل إخفاء العجزة داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية «EPHAD» كي لا نراهم يموتون أمام أعيننا.
يجسد وادي السيليكون هذه الفكرة التي عمت كل أرجاء المعمور وتوضح المقاولة الناشـة» أمبروزيا /Ambrosia “، بالتمام البحث المتعطش عن الشباب. تقترح المقاولة الكاليفورنية حـقن المسنين ببلازما دم مستخرجة ممن تقل أعمارهم عن 25 سنة سعيا وراء إحياء وتجديد أعضائهم. عمليات لنقل الدم ب 8000 دولار مقابل كيس من الهيموغلوبين، أي ما يعادل قطرة ماء لدى أثرياء وادي السيلكون. أثبتت التجارب التي قادتها جامعة ستانفورد، عند بدايات سنة 2000، أن نقل الدم من فئران شابة إلى أخرى متقدمة في العمر، يسمح بتجديد الخلايا الشائخة، لكن ليس ثمة ما يؤكد الشيء نفسه بالنسبة إلى الإنسان، أو على الأقل ثمة تكتم بشأن النتائج. في بداية سنة 2019، أبدت إدارة الأغذية والدواء (FDA) رأيا سلبيا حول هذه الممارسة الخطرة، مشهرة، بذلك، إنذارا يلزم تجار الدم بتعليق أنشطتهم.
أظهر “بيتر ثيال” اهتمامه بهذا “التعايش الالتصاقي/ laparabiose” مانحا بهذا، دعاية إشهارية ضخمة لعمليات نقل الدم. على طريقتها الخاصة، تلسع مقاولة “أمبروزيا” مخيلتي، وأميز، جيدا، عند حلول الليل، مصاصي الدماء بوادي السيليكون، وهم يغادرون فيلاتهم المؤمنة بفائق الحراسة ليمتصوا دماء شـباب معوز لا خيار له سوى التبرع بما تبقى في عروقه سعيا وراء حفنة من الدولارات. مرة أخرى، وعلى طريقتها الخاصة، توضح مقاولة “أمبروزيا” خطر التفاوتات الاجتماعية التي تتجذر داخل مطاردة تلاحق «الإنسان المزيد/l’homme augmenté» الذي سيترك، بحكم الواقع الفعلي، الضعفاء عند حافة الطريق.