رَفَحْ جرحٌ أخضرُ
في مِعْصم غزَّةَ،
وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ.
ماذا يجري؟
دمُ عُرسٍ يسيلُ
أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي،
وكأنَّ الزمنَ تمدَّدَ
ليشربَ الرحيقَ
من فم الوردةِ،
والدمَ الرقيقَ
من ضَرْع الغزالة.
النهرُ يجري
والدمُ يضحكُ
والغصنُ الذهبيُّ يحترقُ
في الكأس البديعةِ.
القيدُ يوميءُ إلى الظِّلِّ،
وعلى الجدار
تنزفُ شمسٌ صغيرةٌ
نظيفةٌ كالندى
بيضاءُ كالهواءِ.
قلتُ: فَلأَذْهبْ، إذنْ،
كريشة خفيفةٍ
إلى شَفَةِ النهر لأستحمَّ
حيث النجمُ يسبحُ
والثلجُ يسهر جاثماً
كنُوارِ اللَّوْزِ على القُرى.
حَمَلْتُ الهواءَ الأبيضَ
إلى مفاتني
واغتسلتُ بلأْلاَء القصيدةِ.
لم أحملْ حُدْوَةَ الحصانِ معي
ولا خَرَزَ الساحل الإفريقي.
لم أحمل سوى ما خَمَّنْتُ
أنه زادي الحميمُ
في عودتي إلى ضيعتي:
ــ حبي لشعبٍ عظيمٍ
وكاميرا تصُدُّ عني النسيان.
رَتْشيلْ الآنَ
تمازح قناصَّةً بارعين.
وضعتْ دَمَها جَنْبَها
وراحتْ تدخنُ.
أرْخْتْ فجْرَها كجديلة طفلةٍ
على باب تُفْضي إلى
شقتها هـــنــــاكَ،
رأتْ عرباتٍ وناطحاتٍ
نبتتْ على شجر نيويوركَ
كي تأوي طيرا خائفاً،
ووَهجاً قُرْمُزيّاً صفَّقَ
قربَ الضفاف.
أَمْهَلَها الديناصور المعدنيُّ
ريثما تُنْهي دَخينتَها
وتُسَوّي سروالها الجينزْ
وتنفضُ عن الكاميرا، الفراشةَ.
أَمْهَلَتْهُ
حتى يصوِّبَ العَدَسَةَ
ويرفعَ صفيرَه عالياً
في أُذُنِ طفولتها
وموقدها الشتائيّ المطمئنِّ.
أَرَتْهُ شمسَ ضحكتها
وأشارتْ إلى الموز البعيدِ:
ــ تعالَ قَبْلَ أنْ يختلط دمي بالترابِ.
تعالَ قبل أنْ يَنْضَفِرَ المعدِنُ بالعظْمِ
ويذْهَلَ النشيدُ.
حَرِّضْ جُنونَكَ على الجنونِ
ومثْلَ كَمانٍ رشيقٍ
اعزفْ صرختي الوحيدةَ،
وارقُصْ في وليمةِ موتاكَ
أيها الذئبُ الجميلُ.
فَقَبْلَكَ خَذَلَتْني
الأسماكُ والندواتُ
وباعَتْني خُرافةٌ
كانتْ تحملُ الوردَ إلى الأشواكِ.
غفرتُ للساحرات الألاَعيبَ
وقلتُ: يا طاهراتِ الذيلِ
اِنْسِينَ صحراءَ القلبِ،
وافْتَحْنَ للدماء الطريقَ.
آوَيْتُ إلى رائحة أمي، فجأةً
وَارَيْتُ وَرَساً خَضَّني،
وَصَمَّمْتُ على اللقاءِ
( بقبضتيَّ المُتَشَنِّجتَيْنِ
كأنما على نقودٍ نادرةٍ )،
بخطوتي المُنَمْنَمَةِ
كأنّما على عظام عصافيرَ منكمشة،
سِرْتُ إلى الحيوان المعدنيّ.
رأيتُ أمي تَغُذُ الخَطْوَ
نحو باصِ المهرجانِ،
وتستأنفُ ضحكتها.
( كان الأولادُ السُّمْرُ يجذبونَ
إلى الجيرانِ شقاوتَهمْ،
وينزعونَ القيلولةَ من عيونهم،
واللذَّةَ من أفخاذهم ).
عزفتُ نشيداً مدرسياً
أَقْصَرَ من إِصْبَعي
وأعلى من خَوْذَةِ القنّاصِ.
وَاصَلْتُ تحليقي
تحت ظلالِ هيمنغوايْ
( بينما كلُّ شيءٍ رافعٌ ذراعيْهِ يبكي ).
طَيَّرْتُ قُبَّرَةَ المخافةِ مع الغبارْ
والشمسُ قُبَّعَةٌ من ذَهبٍ
على الأشجارْ.
وَقَفْتُ كالمُنَبِّهِ
على بداية الرملِ
أَبْحَرْتُ.. أبْحَرْتُ
حتى انتشيتُ كالأنبياءِ
ثُـــمَّ
أغْمضْتُ العينَ قريرةً
مثل الشهيدِ.
مرَّت الريحُ
فتجعَّدَ ماءُ ظَنّي
وانكسر الليلُ
فوقَ عُشْبِ الذكرى
وظمإ لحقولِ.
تنويه: رتشيل كوري الشهيدة المناضلة الحقوقية الأمريكية التي سقطت في مخيم رفح الغزّي، أثناء تصديها لجرافة يقودها جندي صهيوني، جاء يهدم منزلا، فداسها على مرأى من الكاميرا بتاريخ 16 ارس 2003. فما أشبهَ اليومَ بالبارحة.