يعود ملف ممتلكات الدارالبيضاء ليطفو من جديد على سطح الأحداث، خاصة وأن المدينة تتهيأ لاستقبال حدثين مهمين على المستوى القاري والدولي، ويتعلق الأمر بتنظيم المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، في الوقت الذي يسابق مجلس مدينة الدارالبيضاء الزمن، بحثا عن موارد مالية للإسهام في إتمام البنيات التحتية التي تتطلبها التظاهرتان، لأن ميزانيته السنوية عاجزة عن مواكبة السرعة التي تتحرك بها المدينة في ما بخص التغيرات التي تعرفها خاصة على مستوى البنى التحتية .
في ظل هذه المعضلة خرج النائب الثاني للعمدة الحسين نصر الله، المكلف بتدبير الممتلكات الجماعية، ليعلن إعلاميا بأن جماعة الدارالبيضاء هي أكبر مالك للعقارات على مستوى المدينة، وبأن قيمة الممتلكات التي هي طوع يديها تبلغ قيمتها المالية ما يزيد عن 13 مليار دولار، ويقدر حجم هذه الممتلكات بأكثر من 2000 ملك مما تم حصره إلى حدود الآن، وتتنوع هذه الممتلكات بين أراض عارية منها ما هي مخصصة لبناء فيلات، ومنها ما هي مخصصة لبناء عمارات، أضف إلى ذلك مئات الشقق ومئات الفيلات ومنتجعات ونواد لرياضات وأنشطة مختلفة وقيساريات ومجمعات تجارية وأسواق بلدية، يفوق عدد محلاتها 14 ألف محل تجاري وغيرها من الممتلكات …
جل هذا الكنز العقاري مستغل من طرف الغير دون أن تتحكم الجماعة ولو في جزء ضئيل منه، إذ نجد أن بنايات تفوق كل واحدة منها الهكتار الواحد، تحولت إلى مصانع مكتراة بسومة 100 درهم في الشهر، والخطير أن هذه السومة لا تؤدى أصلا، وهناك مطاعم باذخة وسياحية مكتراة بثمن 750 درهما في الشهر، فيما في الواقع يجب أن تكترى بما قيمته 50 ألف درهم، اعتبارا لموقعها ورقم معاملاتها الدسم جدا، كما نجد فيلات لا تتعدى سومتها الكرائية 200 درهم، كما هو حال ملك جماعي تتوزع عليه 19 فيلا، قيمتها الإجمالية 19 مليارا فيما سومة استغلالها اليوم هو 250 درهما في الشهر، وكما أشرنا فإن هذه السومة لا تؤدى من أساسه، وبالحديث عن المحلات التجارية المنتشرة في مختلف الأسواق البلدية والقيساريات والمراكز التجارية، فإن معظم أصحابها لا يدفعون درهما واحدا، ليس بسبب امتناع أصحابها لكن لأن الإجراءات المعمول بها في هذا الباب غير سلسة وتمنع الجماعة من اقتناء أموالها، وتلك مشكلة أخرى سنعود إليها في مقام آخر، ويكفي أن نعطي مثالا بأي مجمع تجاري بلدي، فأي محل تجاري به لا تتعدى سومته الكرائية 120 درهما، لكن الجماعة تنفق على المجمع ما يقارب 60 مليون سنتيم شهريا اعتبارا لواجبات الماء والكهرباء الشهرية وخدمات النظافة وحفظ الصحة وأجور الموظفين .
في المحصلة نجد أن نسبة قليلة من الممتلكات هي المستغلة بشكل قانوني، إما عن طريق رخص استغلال أو عقود كراء، لكن معظم الممتلكات لا تجني منها الجماعة إلا صفر درهم في الوقت الذي تعتمد في ميزانيتها على المداخيل الجبائية، وهي مداخيل ضعيفة وضعيفة جدا، بالمقارنة مع حجم المدينة وشساعتها، ولن تسعفها هذه المداخيل لتجويد أدائها والتغلب على عملية إنجاز مشاريع تحتاجها، بل إن الإدارة الجبائية بدورها تعرف معضلات تدبيرية منها ما هو موضوعي ومنها ما يتعلق بسوء الحكامة، ويكفي أن نستدل على ذلك بأن هذه الإدارة لم تتمكن منذ 2005، على الأقل، من تحصيل مستحقاتها من المرتفقين، إذ يفوق الباقي استخلاصه اليوم 1800 مليار سنتيم .
تنقسم الآراء في ما يخص ملف تدبير الممتلكات، فمن جهة ظل هذا الموضوع يدخل في باب “الطابوهات” لأن التطرق إليه يمس بمصالح الكثيرين، وإذا ما تمت مباشرته يواجه بمقاومة شرسة تتخذ أشكالا متعددة، ومن جهة أخرى فإن كل المتعاقبين على التدبير الجماعي البيضاوي كانوا يعولون على حصة المدينة من التقسيم المالي الذي وضعته وزارة الداخلية لكل جماعة و” كفى الله المؤمنين القتال “، ولم يسبق لأي مجلس أن وضع استراتيجية في برنامج عمله للانكباب على هذا الملف، بتنسيق مع وزارة الداخلية وباقي الإدارات المعنية، بهدف تثمين هذه الممتلكات، لتعرف المدينة ما لها وما عليها، مع رسم مخطط تدبيري محكم ضمانا لمستحقات المدينة في أفق تحقيق التنمية التي يرجوها الوطن، إذ نجد أن تفويض هذا القطاع في كل المجالس، كان مرتبطا بقطاع التعمير، فيتم الانكباب والتركيز على التعمير والجميع يعرف ما يعنيه التعمير، خاصة في مدينة تحكم فيها المنعشون العقاريون بشكل ملفت طيلة عقود .
الهاجس الانتخابي أيضا يظل حاضرا في عقلية المعنيين بهذا القطاع، إذ تعني المواجهة مع المستغلين فقدان كتلة ناخبة مؤثرة لأن لها من الإمكانات المالية والبشرية ما قد يهزم كل من يجرؤ على الاقتراب من مصالحها.
هكذا بدل التعاطي الجريء مع ممتلكاتها، اختارت جماعة الدارالبيضاء، منذ بداية العمل بنظام وحدة المدينة إلى اليوم، رهن مستقبل الأجيال القادمة، من خلال اللجوء إلى الحلول السهلة لتدبير شؤونها والتي منها الانغماس التام في القروض، سواء المحلية أو الدولية، ونذكر هنا أنها بلغت الخطوط الحمراء من حيث الاقتراض من صندوق التجهيز الجماعي التابع لوزارة الداخلية، كما اقترضت إلى حدود الآن من البنك الدولي 300 مليار سنتيم بفوائد ستمتد إلى غاية 2030، منها 200 مليار في الولاية السابقة و100 مليار خلال هذه الولاية، وسبق أن اقترضت في الولاية التي كان يرأسها محمد ساجد 150 مليار سنتيم من أحد الأبناك الإسبانية … هذا يعني أن جل المداخيل المالية التي تتحصل عليها تذهب لتسديد الديون، ليس منها ما ذكرنا فقط وإنما لها ديون أخرى ونتحدث هنا عن مصاريف الأحكام الصادرة ضدها، والتي تبلغ قيمتها 8 مليار سنتيم في كل سنة، أضف إليها واجبات تذاكر “الطرامواي” التي تبلغ بدورها 8 ملايير، وستنضاف إليها مستحقات تذاكر الطرامواي والحافلات والخطين الثالث والرابع من الطرامواي، وغيرها من المصاريف الإجبارية الملحة التي إن توقفت ستشل عدة قطاعات حيوية، على رأسها النقل الحضري كما ذكرنا !