عبد الحميد شوقي ينتظر “موتى لا يعودون في المساء”

 

صدرت حديثا عن دار أكورا للنشر والتوزيع بطنجة، الرواية الخامسة للكاتب والشاعر عبد الحميد شوقي والموسومة بـ “الموتى لا يعودون في المساء” . يدعونا الروائي حميد شوقي في هذه الرواية اللغز، لنكتشف جميعا من قتل زوجة الأستاذ الجامعي… التي تلعب بذيلها… نقرا من الرواية:
”   كانت أمي تروي لي دائما نفس الحكاية، لكن جدتي حْليمة، التي لا أتبين ملامح وجهها بشكل جيد، لم تكن تجيد الحكي؛ كانت تقفز من غور الذاكرة السحيقة، وتملأ البياض بوجوه من مروا، ومن دفنوا في روضة العائلة الخلفية. أتحسس دمعة حارقة تنزل من عين جدتي نحو الأرضية الإسمنتية المغطاة بزرابي زمّور الحمراء المنقطة باللون الطيني، وفي عمق الزاوية، أراه جثة هامدة؛ جثة مضرجة في دمائها، جثة مسحولة، شوهها جنود السلطان. لم ير جدي منصور الصوفي مكناس ولا  فاس، وهو يتعقب “حرْكة” السلطان. بالكاد تجاوز مضارب “وادْ بَهْت” مصحوبا بفرسانه الذين لم يكن عددهم يتجاوز العشرات. سقط في الكمين. لم يكن يعرف أن الجيش السلطاني يرسل عيونه في كل اتجاه لمراقبة تحركات القبائل “السائبة”. كان الجواسيس يتخفون في أسمال رعاة أو حصادين أو عطارين أو دعاة دينيين أو شرفاء وزانيين. كمنوا  أسفلَ الوادي، وانتظروا حتى ترجل جدي منصور الصوفي وبقية رجاله عن ظهور خيولهم بحثا عن مكان للراحة والأكل والماء. لعلع رصاص البواريد المخزنية التي كانت أكثر فعالية من البواريد القبلية العتيقة. قالت جدتي حْليمة منصور إن جدي كان أول من سقط تحت البارود، وبسقوطه هرب من هرب، وقُتل من قتل، وأُسر من أسر، لكن الجيش المخزني لم يكن يعترف بالأسر وبحقوق الأسرى؛ كان يحرق الأسرى أحياء، ويمعن في الإجهاز على الجرحى، في حين كان قائد “السيبة” يُسحل ويشوه لو أخذ حيا، ويصلب على عواميد طويلة، وتظل جثته معلقة على مداخل العاصمة لأيام طويلة حتى تتعفن. سقط جدك وسحل وشوه، وآخر فارس تمكن من الهرب، التقط بعض ما تساقط من فتات لحم جدك وعاد به إلى بادية الصوفية ليدفن في روضة العائلة.”


بتاريخ : 04/05/2024