احتضان إسلامي لمبادرات ومواقف الملك
عبد الحميد جماهري
خرج المغرب متوجا من مؤتمر قمة التعاون الإسلامي، المنعقد في العاصمة الغامبية بانجول، كما يتضح من مضمنات البيان الذي اعتمدته القمة.
المغرب يخرج متوجا من قمة بانجول الإسلامية في قضايا فلسطين والقدس، ومحاربة الانفصال والمبادرات القارية والإقليمية.
وذلك من خلال الأهمية الاستراتيجية لمبادرة «الدول الإفريقية الأطلسية»، والرفض التام للمخططات الانفصالية والإشادة بدور الملك في دعم القضية الفلسطينية وحماية المقدسات الإسلامية في القدس وتثمين المبادرات الإقليمية ومتعددة الأطراف : من إعلان الرباط حول البلدان متوسطة الدخل ـ مكافحة الإرهاب والهجرة ـ حوار الحضارات…
وهو تتويج يتفرع في الواقع عن تبني المضامين التي انطلقت منها الرسالة الملكية إلى القمة، والتي تلاها وزير الشؤون الإسلامية.
وفي التقدير الراهن، كانت القمة، التي تنعقد في ظرفية دولية دقيقة وعصيبة، ترخي بظلالها على الخارطة الإسلامية شرقا وغربا وجنوبا، جعلت جزءا كبيرا منها «لا يزال يرزح تحت وطأة توترات سياسية وعسكرية!»، يقتضي إعادة تأطير لهويتها ومهامها.
وفي السياق، كان الملك قد أكد بأن المنظمة بالرغم من أنها تضم دولا بهوية إسلامية موحدة، ليست منظمة دينية، تقوم أنشطتها على مقومات منظمة دعوية أو منظمة طائفية بقدر ما هي منظمة وجدت للدفاع عن الشعوب المنتمية إليها، واعتماد الوسائل الاقتصادية والثقافية والروحية والسياسية للرفع من مستوى عيش أبنائها والدفاع عن قضاياها العادلة…
ولعل للتاريخي كلمته في هذا الباب، باعتبار أن المغرب يملك دون غيره من الدول السلامية نوعا من الملكية التاريخية والفكرية باعتبار بلاده التي احتضنت ميلاد منظمة المؤتمر الإسلامي التي ستصبح من بعد منظمة التعاون الإسلامي، تعرف هويتها باعتبارها «الصوت الجماعي للعالم الإسلامي»، ولقد تأسست المنظمة في الرباط في 25 شتنبر 1969، تاريخ أول اجتماع بين زعماء العالم الإسلامي، إثر حريق الأقصى في 21 غشت 1969، حيث طرحت وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، وامتد العمل عبر المغرب، من خلال لجنة القدس وبيت مالها..
وفي المستوى الثاني كان المطلوب الدفع نحو ارتباط الهوية الروحية لشعوب المنطقة بالأفق الأخلاقي العالمي، وإعلان انحيازها الواضح إلى أخلاق الضمير الإنساني .. ومن ذلك تشديد الملك على السمو بالمهمة إلى ما يفوق الدفاع عن حياض الإسلام، نحو احترام التعددية والخصوصيات، وتزكية الثقة والعمل الجماعي.
وفي تجديد الوظيفة، أعطت الرسالة بعدا قاريا، بالدعوة إلى تبني الشعوب الأكثر تضررا من توزيع الرأسمال العالمي والثروة البشرية، والسعي نحو ربط المنظمة بالمبادرات التي تسير في هذا الاتجاه، سواء عبر دعم الدول الفقيرة أو ذات الدخل المحدود .
ولعل من الأشياء المهمة التي تفرع عنها البيان، إسقاط ما يسمى باتفاق الجزائر الموقع سنة 2015 ، من خلال دعم قرار مالي «ترجيحها لنهج امتلاك الماليين لزمام عملية السلام بأنفسهم من خلال إنشاء إطار للحوار بين الأطراف في مالي لتحقيق السلام والمصالحة»…
وفي القضية الفلسطينية كانت لغة الملك في الرسالة تحمل رسائل عديدة للجيش المعتدي، ثم إلى المنتظم الدولي، بخصوص ترتيبات المستقبل.
من حيث المصطلح، كانت الرسالة قوية في تسمية بؤس المرحلة:
ـ وصمة عار على جبين الإنسانية.
ـ العدوان غير المسبوق
ـ الكارثة الإنسانية، التي لم يشهد لها عالمنا المعاصر مثيلا..
وعليه، يبني الملك ملامح المستقبل الفوري المطلوب، بدءا من وقف العدوان اليوم قبل الغد، وتقديم المساعدة، والأهم هو الموقف الراهن من « الحديث الرائج عن مستقبل قطاع غزة»، وهو موقف متميز أمام السيناريوهات المطروحة دوليا، ومن عواصم عديدة…
ولعل السيناريوهات الأكثر إثارة للجدل، هي التي تريد الفصل بين القطاع والضفة، وبين الشعب الفلسطيني في المنطقتين، ولهذا قال الملك إن المستقبل لن يستقيم إلا بالتسليم بأن «قطاع غزة شأن فلسطيني وجزء من الأراضي الفلسطينية الموحدة، التي يجب أن تنعم بالسلم والاستقلال، ضمن رؤية حل الدولتين ووفقا للقرارات الدولية ذات الصلة».
الرسائل ذهبت باتجاهات عديدة، ومنها دعوة «الدول المؤثرة في مسار تسوية هذا النزاع إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية، وإعمال العقل والمنطق، والعمل الجاد من أجل وضع حد لهذا الوضع الكارثي، وإخراج المنطقة من دوامة العنف». والدول المؤثرة ، إما على إسرائيل، وإما على الطرف الفلسطيني من خلال من الذي يدعمه ميدانيا ..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/05/2024