في الحديث عن تاريخ وبداية التصوير الفوتغرافي بالحاضرة التازية ،أسمح لنفسي أنا العبد الضعيف إلى رحمة ربه كي أقترح بوديوم ثلاثي تفاضلي لذاكرة الصورة الفوتوغرافية ونشأتها كلحظة مخلدة للأثر الاجتماعي بكامل أبعاده ومستوياته الحضارية بداية من خمسينيات القرن الماضي. وأود أن يدرك قراء صفحتي، أن ما سأقترحه بهذا الخصوص لن يحظى حتما بدعم شريحة واسعة من التازيين .كما لن يكون في شأنه إجماع إقليمي أو جهوي لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية .لأنه ببساطة مجرد نبش انطباعي فأنا مجرد باحث عن الحقيقية ولست مالكها . لكن ما سيشفع لهذه التدوينة حضورها وتداولها الاجتماعي هو سياق البحث عن حقيقة ذاكرة عن تاريخ صورة وثيقة يتقاسمها الجميع .لا سيما المكتوون بنار التصوير الفوتغرافي وتخليد أثر كل ما هو جميل ومؤثر وصيانته على مر التاريخ خدمة للأجيال القادمة.
هنا أعود وأتجرأ، وأُنَصِّب الراحل الفوتوغرافي الرائد عبد السلام التوزاني والد يوسف التوزاني صاحب استوديو التوزاني بساحة أحراش بتازة العليا أبا للصورة الفوتوغرافية بدون منازع .إنه المدرسة الأساس في بناء وهندسة التصوير وجمالياته التي تخرج منها جيلا من التوازنة وغيرهم . على أن هذه الجرأة تنبع من قناعتين . الأولى الأرشيف الهائل الذي يتوفر عليه آل التوزاني في مجال الصورة منذ خمسينيات القرن الماضي. القناعة الثانية. هو الأثر المادي لهذا الأرشيف الثمين على أوسع نطاق محليا إقليميا عربيا ودوليا. انطلاقا من بدايات التصوير الأولى بالماء ، وما لحق ذلك من تطور تدريجي من تجفيف تحميض حتى مرحلة التصوير الرقمي وتقنيات الدرون التي يعتبر يوسف التوزاني اليوم رائدا في هذا المجال بامتياز . يوسف الذي درس فن التصوير وأبدع في جماليات الصورة باستخدام أجود ما وصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال. وقد اكتسب يوسف هذا الرصيد وعززه بسفرياته المتعددة إلى مختلف دول العالم من أوروبا إلى آسيا ومن أفريقيا إلى أمريكا .ويمكن للباحث الاستزادة من خبرة يوسف وتجربته في المجال على قناته الرسمية على اليوتوب.
وفي ذات السياق التفاضلي نضع في الرتبة الثانية رجل أستاذ كشفي جمعوي وناشط تواصلي على مدى ستة عقود يدعى حميد حاجي. هذا الكشفي الأستاذ الذي امتهن عالم التصوير بداية السبعينيات ” استوديو الكشاف ” بتازة العليا . حتى اللحظة ،الرجل الذي يطل على العقد الثامن من عمره لا يزال يدون ويوثق ويستحضر ما تختزنه ذاكرته من صور وذكريات حول مدينة تازة بمآثرها وأسوارها بمدارسها وأعلامها بمهنييها وحرفييها بأحيائها وفضاءاتها التاريخية . كما يضم متحفه الثقافي التربوي مخزونا تراثيا هائلا يتعين على الأوصياء على الثقافة والتربية في هذا البلد الاهتمام به وصونه . حميد حاجي وهو ينعم اليوم بالحيوية والنشاط يبعث كل صباح على صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي باقات وشحنات الأمل والتشبث بالحياة دون كلل أو ملل .
اراه يتمتع بحس فراشة. وهيبة حارس أمين لذاكرة التربية والتعليم بمدينة تازة كوثيقة تاريخية .وبحكم اختصاصه في التصوير المدرسي منذ الستينيات وربما قبل ذلك، فهو ذاكرة تازة ونبضها ،وحاضن أبنائها من أسرة التربية والتعليم من المهد إلى اللحد من القسم الأول إلى مآلات الحياة .شريط من الذكريات يستعرض من خلاله حميد حاجي صور الفلاح البقال الجزار الحمال السائق التاجر الحداد الجندي الموسيقي الطبال الحلايقي السمسار الرياضي …متحف للتاريخ العابر وموثق أمين لأسراره . سخي كريم جواد ومتواصل. إنه خزان أسطوري للصورة كوثيقة تاريخية كانت للمعلم للمدرسة أو كرونولوجيا الأعراس والحفلات العائلية في الحاضرة التازية . منذ السبعينيات عرفته كشافا ومعلما وفنانا متعدد الاهتمامات .سكنته الصورة وأقام لها استوديو في قلبه قبل أن ينزلها فضاء موضوعاتيا بتازة العليا ، استوديو الكشاف كبناية لا يزال أثرا شاهدا على مرحلة زاخرة بالطموح ومفعمة بالآمال والتحديات .حميد حاجي رجل من تاريخ وذاكرة صورة لا تنضب. إنه المشهد الأحلك بياضا ،والأنصع سوادا .
وأسمح لنفسي مرة أخرى وأمنح الدرجة الثالثة للمصور الصحفي جيلالي كربيش هذا الرجل الذي ساعدته ظروفه كمصور متخصص في تتبع أنشطة العمالة بالإقليم في ترصيد كم هائل من الصور لها علاقة بالتدشينات الرسمية للمسؤولين في الإقليم ، كما له كذلك مخزون من الصور ذات الصلة بالنشاط الاجتماعي لا سيما في المجال الرياضي . فهو يقوم بين الفينة والأخرى بنشر صور بالأبيض والأسود وبالألوان على صفحته الرسمية بالفايسبوك ” jilkar ” وتتنوع بين الفضاءات والأشخاص من حقب متباينة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر . تبقى الإشارة إلى أن تازة لم تنجب فقط الأسماء الثلاثة المذكورة تفضيليا بل هناك أسماء أخرى سيحين الوقت للتماهي مع تجاربها وما تركته من أثر
تاريخ التصوير الفوتوغرافي بتازة
الكاتب : عزيز باكوش
بتاريخ : 09/05/2024