أفاية: لا نهضة بدون ديمقراطية وقطع مع الريع
حافظي علوي: داء العطب قديم
أكد المشاركون في ندوة “سؤال النهضة بالمغرب” والتي سيرها الكاتب والإعلامي لحسن لعسبي أن سؤال النهضة ليس آنيا بل تواصل في التداول ببلادنا من قرنين من الزمن. فرغم أنه مجال غني لكن تخفه مزالق معرفية ومطبات تستلزم جرأة في المقاربة والطرح، لأن أسئلة الإصلاح تطرح إشكالا كبيرا يتمثل في التمييز بين مرحلتين:
صدمة ما قبل وما بعد الاستعمار وباعتبار سؤال النهضة أيضا ظل سؤالا نخبويا، لذا حاول المغربي أن ينضج أشكالا ومسارب للإصلاح طيلة 50 سنة الأخيرة.
في هذا السياق شدد الأكاديمي وأستاذ الفلسفة المعاصرة والجماليات محمد نور الدين أفاية، وهو يحدد أعطاب النهضة متمثلة في الديمقراطية، على أن مشكلتنا في المغرب وباعتراف كل مستويات القرار السياسي، «هي التباين الكبير بين الممارسة والخطاب، بين ما نجهر به وندعو إليه وبين ما نترجمه إلى منجزات على أرض الواقع لها نتائج على أكبر الفئات الممكنة في المجتمع».
ولفت أفاية في هذا السياق إلى أن أكبر عائق يقف أمام تحقيق النهضة في المغرب هو مشكلة الهدر «إننا في المغرب تعودنا على أشكال مختلفة من الهدر، نحن نهدر كل شيء: الزمن والإمكانيات والأفكار التي لا تنجز كما حدث مع تقرير الخمسينية، والنموذج التنموي الذي دفعنا إلى ابتداع نموذج تنموي جديد»، متوقفا عند ضرورة محاربة الفساد الإداري والأخلاقي معتبرا أن الفساد الأخلاقي أخطر من أي نوع من الفساد، لأن التطبيع معه داخل المجتمع آخذ في التوسع، حتى أصبح ينظر إليه في حكم العادي والحيوي، داعيا في الإطار إلى خلق نوع «من التوازن اليقظ المعقول» في ما يتعلق بالمعادلة بين “التقليدي والحداثي” الذي لكل منهما مزاياه إذا ما أحسن استثماره.
وحدد نور الدين أفاية خمس رافعات لتجاوز حالة العطب التاريخي الذي يحول دون نهضة المغرب، منطلقا من:
1 – الرافعة السياسية متمثلة في بناء دستور ديمقراطي وحكومة ديمقراطية
2 – رافعة اقتصادية حقيقية بإرساء اقتصادي إنتاجي وليس ريعي،
3 – رافعة اجتماعية لا تقتصر على الحماية الاجتماعية، لكن على العدالة الاجتماعية التي تضع من أولوياتها تعزيز حقوق المرأة.
4 – الرافعة الثقافية والمرتبطة جدليا بقضية التعليم.
5 – رافعة دينية بتجديد الحقل الديني انطلاقا من تجديد خطابه وتهيئة مجاله بقيم جديدة.
وبدون هذه الرافعات، أكد أفاية أنه «”لا يمكن الحديث عن مجتمع ناهض وصاعد”.
صاحب «الديمقراطية المنقوصة» لفت أيضا إلى أن سؤال النهضة في المغرب شكل موضوعا مركزيا في تاريخ عناصر النخبة التقليدية والعصرية، بأشكال ومنظورات مختلفة، وجميعها كانت مسكونة بهم الإصلاح والنهضة، لأن هناك تداخلا بين المفهومين، حيث اعتبر أن النهضة هي الوعي بالتأخر قياسا إلى الآخر الأقوى والأكثر تقدما. وأشار أفاية إلى أن المغرب في علاقته بالنهضة كان يجد دائما نفسه مرتهنا للكيمياء الداخلية والضغط الخارجي، بالاضافة إلى أن التوترات المرجعية بين القوى التقليدية والحداثية بقيمها الجديدة وما يحصل بينهما من تجاذبات وصراعات هو ما أدى إى انحسار وفشل محاولات الإصلاح السابقة،. هذا «الإصلاح» الذي كانت تدعو إليه الأحزاب التقليدية مقابل «التقدم» الذي كان شعار أحزاب المعارضة واليسار، لافتا إلى أن مصطلح «التقدم» والتقدمية الذي كان يجسد في مرحلة ما، حلم الاشتراكيين،انسحب من التداول العام منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل أن تعود إلى التداول في السنوات الخمس الأخيرة إلى الادبيات السياسية، مشددا على ضرورة تدقيق هذه المصطلحات (تنمية – نهضة – تقدم – تحديث صعود) لأن لكل منها دلالاتها وسياقاتها ومبرراتها».
أفاية توقف أيضا وهو يرصد مرحلة ما قبل الاستقلال والتي تميزت بحركية لافتة داخل الحركة الوطنية، مشيرا إلى أن المطلبين الأساسيين لحظتها كانا: إجلاء الاستعمار وبناء الديمقراطية، قبل أن يظهر الصراع حول طبيعة السلطة ومسألة المشروعية ثم أحداث 1963 و1965 وأحداث 1972 وفرض حالة الاستثناء وما رافقها من تضييق واعتقالات شملت النخبة التي كانت تقود مشروع التغيير والإصلاح، كما توقف عند أشكال الانسدادات التي واجهها جلالة الملك محمد السادس خاصة في تقرير الخمسينية الذي تساوق مع مجهود وطني من أجل إعادة قراءة التاريخ المغربي وكانت أول مرة تثق فيها الدولة في الذكاء الجماعي المغربي من أجل كتابة الذات والتاريخ المغربي.
من جانبه أشار أستاذ التاريخ المغربي حسن حافظي علوي إلى أن محاولات الإصلاح بالمغرب لم تتوقف منذ استقلال المغرب عن دار الخلافة بالمشرق، متوقفا عند أهم المنعطفات وأولها:
- احتلال سبتة من طرف البرتغاليين والذي أحدث هزة عميقة بالنسبة للمغاربة.
- الاستقلال عن التبعية للمشرق.
- محاولات الإصلاح في عهد سيدي محمد بن عبد الله وخاصة في مجال التعليم.
- إصلاح الجيش في عهد المولى سليمان وهيمنة الإسلام الشعبي (الطرقية /الزوايا).
- صدمة الحماية في 1912 ومعها صدمة الحداثة وما تعلق منها بالخصوص بمسألة تعليم المرأة.