العالم يغفو في لفافة حشيش

(إلى محمد الشاوي)

كأنّ العالم طفلٌ يُطلّ علينا بوجهٍ مدمّى
وكأنّ المدينة جبلٌ تنعب فوقه الغربان؛
صارت فزّاعات طيور
وقبورًا تذوي على شواهدها الأزهارُ
فلعلّه الزلزالُ يغمز جادًّا على سلّمٍ
وحدسُ قطط وجدرانٍ خربة
أو الطوفان ونوح والسفينة وقلَّ الناجون
أو الزّمانُ ودوائرُه جاحظةً مثل شفاه الحفر
والمكان وقد غادره سكّانه
وشاء أن يبدو مترنحًا في المرآة
فاهرب أيها الولد الشقيّ
اِهرب ولا تأسف على حالٍ!
فلعلّه الغول يزدرد الأولاد في حكاية شعبية،
ديكتاتورٌ ملأ السّجون وأتلف الحدائق،
إقطاعيّ تُغويه الحقول ومشهدَ النّساء وظهورهم المنحنية،
رأسمالي أتى بالرّجال أصحّاء وصَرَفهم موتى منخورين
أو مقامرٌ مفلس يداري الأيام بمربّعات الحظ والشتائم
أو حانة تنضح بالضجيج
وبمهرّبين وحشّاشين وسماسرة العقار؛
حالمًا فوق زورق مطاطي،
يغفو في لفافة حشيش
ودلّالَ المآسي بخمسة أفراد في كوخٍ وسط الغابة؛
يعمل الأب مهرّبًا للحطب، والأولادُ مياومين عند وحوش الغابة
والأم ربَّة كوخٍ ودخّان،
وعجوز تهشّ على الذباب بالسّعال في
سطح بيتٍ قديم
فتسبقنا جميعًا إلى الحرّ والمطر،
تطبخ طعامها على مضض وتنتظر
ولَكَ أنتَ السّعالُ وإصرار العجوز
وتَعَبُ الواقف في طابور طويل
لَكَ الماءُ يتدحرج من علوٍّ
حتّى إذا استوت أساريره وضعوا له المتاريس
أو البحر وأعلامُه السّود تقلّبها الرياح،
أسماكٌ نافقة وأغراض سِباحة متخلى عنها
فأين الغزلان تغفو على وسائد الرّمل
وحين تمشي حافية على ساحل الماء؟
أين اختلاج الشّمس ولهاث الصدور،
صندل الصّيف والنظارات الشمسية؟
وهَمهَمَ صيّادون وانفضّ سِربٌ من الطّيور
فانداحَ الصمت إلّا من همس الأقدام؛
فلعلها راقصةٌ تطوق المكان بترسانتها الباهظة
تُحرّك الأرض بهزّة ردفٍ واحدة
تحرّك الطلبيات والرجال الحزانى
قبل أن تذهب للنوم وحيدةً
أو عاشقان يجلسان على شفير شاهقٍ
قبل أن يدفع أحدهما بالآخر إلى الهاوية
فأين السّرد الكاذب؟
أين أقراص الحبّ والمشي تحت المطر بلا اتجاه؟
وكأنّ العالمَ جارتان تتبادلان الشتائم في عمارة
أو طفلان شقيّان يتبادلان سرقة الأقلام في مدرسة
أو عطّارٌ صامت يغزو القرى بسلال الدومٍ
فينثر الشذى على الأساور
أو بائعة عطورٍ تخنق الأزهار في قواريرَ صغيرة
أو تاجرٌ آخر يبتاع الزّرابيَّ من نساءٍ قرويات؛
يفرم زغبها بمكواةٍ قبل أن يعيد بيعها لسياحٍ موسميين
أو شاعرٌ يُراكم قصائد نثر على عجل
أو ذبابة تسافر في حافلة كافكا،
نافذة المريض وضجيج النوارس،
بزق الطير على قميص العاشق
أو لطخة على صورةٍ جماعية، وما عاد أحدٌ يتذكر أحدًا
أو ينظر إلى الصورة
فلعلّه العَمى يتلكأ في عكاز
والعمش أصفرَ في هوامش الكتب القديمة
أو صفّارةُ إنذارٍ في فم الشرطيّ
وأنبوب أكسجين في أنف الوطن،
علامة استفهامٍ مبتورة في خطابٍ حماسي
وأخرى تتأسّى في قصيدة رثاء
أو فكرةٌ صغيرة تنمو في الجوار
قبل أن تموت مثل قيسٍ في الصحراء
أو مسافة بين جبلين وأخرى بين نهدين
أو سِتارة الحمّام والأنثى وظلها
وقد شعّ الماء على البلور وهَلكَ آخرون سط البخار
والخيال يهبط ويعلوفي قصيدة أنهكتها ضربات حدّادين
والخدر يهفو في تنّورة الخريف؛ مرفوعةً كمنطاد أطفال
وأوشك الغرام أن يومئ من خَلَل الأصابع
لولا أنّه تبخّر مع الرّيح
فهبّت العاصفة العمياء تطوي النوايا
وحَفَّ طائرُ الحزن يأكل من الأطباق؛
فلعلّه الخير يشرد في نصف كتابٍ
والشّر يزهر في نصفه الآخر
أو الحياة تركض في رواية
والقيامة بعد قليلٍ
أو الحكمة ولقمانُ ووصاياه
وجحا وحمارُه وحشدُ من الأطفال
أو قطار الجثث يعوي في فيلم قصير
ودرّاجة هوائية تُسندُ نحولَها إلى حائط
أو قيس بن ساعدة في رسالة من فلانٍ إلى فلان
وأدونيس وقد التّفوا حوله في صورةٍ ثمّ شتموه
أو المغارة والكلب في المنام
أو الشبح وقد تبدّى يحبو على أربع
فيمشي متكئًا على عصا
فيموت مفردًا فيُحمَلُ على الأكتاف
مثل الطفل الذي أطلّ بوجهٍ مدمّى.


الكاتب : حسن بولهويشات

  

بتاريخ : 17/05/2024