فصل الدين الجديد (الرياضة) عن السياسيين!

عبد الحميد جماهري

يُحب المعلقون والباحثون أن ينعتوا الرياضة، ولا سيما كرة القدم بـ«الدين الجديد» لشعوب العولمة الحالية.. ونحن الذين رفعنا شعار ضرورة فصل الدين عن السياسة في سياقات وطنية معروفة، يحسن بنا أن نرفع الشعار ذاته، حول الدين الجديد، الرياضة. ولعل تجديد هاته الدعوة على ضوء ما تراكمم من تجربة، وما تعانيه الأندية الكروية من آثار وخيمة، لهذا الاشتباك، يعطينا مبررا ، نحن في الاتحاد الاشتراكي لكي نعود الى طرح الموضوع، لا سيما وقد اتخذت العلاقة بُعدا آخر وتمفصلا يفوق ما كان ساريا. لقدسبق للاتحاد قيادة ومجلسا وطنيا أن ناقش العلاقة الملتبسة وما تقدمه من سبل سالكة للسياسة او من تغطية رياضية لتوجهات سياسية وحدده موقفه بوضوح .. كما سبق الحديث عنه في هذا العمود ، على ضوء ما وصل إليه العقل الجماعي في الاتحاد. وهو التالي. .
عندما يصبح الفسادُ رياضةَ السياسيين المفضلة، علينا أن نبحث عن تطهير الرياضة مع تطهير السياسة .
ونحن نتابع فصول سقوط المسؤولين الرياضيين في إقصائيات النزاهة ونظافة ذات اليد، كان علينا أن ننتبه، منذ أن أصبحت الانتخابات أهم رياضة محببة لدى العديدين من الذين تولوا قيادات رياضية، إلى ما قد يجلبه ذلك من تبعات.
في الواقع كنا سذجا، نعتقد بأن النجاح في الصعود إلى القسم الأعلى كاف لكي يكون مدير الفريق أو الرئيس أو المشرف عليه قد أثبت جدارته في تدبير المدينة والإقليم والجهة ولم لا الوزارة والبرلمان والحقيبة !!؟
كما كنا سذجا لأننا كنا نفترض بأنهم الأكثر قدرة على السلوك القويم «الفير- بلاي».
وأنهم يتوفرون على روح رياضية عالية تمكنهم من منافسة محبوبة، تجعل الخاسر منا يشكرهم أنه خسر مع أبطال الرياضة ومسيريها …
إلى أن اكتشفنا أنفاقا وتهريبا وتزويرا و… زبالة في مجالس المدن الكبيرة، وفي الجهات وفي الصفقات التي تهم النظافة بالعديد من المدن…
و»صفقا…تابْعة صفقا (صفقة) «…»اكتشفنا« أن من سوء الصدف أن «الوسخ» الكبير شمل «النظافة»نفسها…بسبب الرياضة والرياضيين…
وصارت كل التمارين ممكنة وكل أنواع الجري مستحبة…
كأن «نجري» على السياسيين من ميدان الرياضة والعكس ممكن…
كأن ندعو إلى منظومة انتخابية جديدة، من قبيل أن نقوم ببطولتين مثلا:
واحدة للذين يمارسون السياسة وحدها..كما هي متعارف عليها ديموقراطيا…
وإقصائيات تكون للسياسيين الفقراء، اولاد باب الله وصناديق الاقتراع، الذين يؤمنون، بغير قليل من الحماس، بضرورة الحد الأدنى من السياسة في الانتخابات وفي التدبير وفي الحكومة
وفي البرلمان…
وأخرى للسياسيين الذين يجمعون بين ممارسة السياسة والرياضة معا …
والثالثة لمن يجمعون بين السياسة والرياضة والمخدرات مثلا …
ورابعة لمن يجمعون بين السياسة والرياضة والمخدرات وجمع الزبالة…
كنا نعتقد بغير قليل من السذاجة أنهم الأكثر احتراما للروح الرياضية…
وأنهم سيلعبون معنا بمنافسة شريفة وأخلاق رياضية وروح لا يرقى إليها الشك…
وأنهم منافسون محترمون…
سنكتشف أنهم وضعوا بيننا وبينهم جمهورا ومشجعين ومدرجات..لكي يسهل النصب ويسهل الاحتيال !
لقد غذى بعضهم الوهم، لدينا ولدى غيرنا، بأن نجاحهم في الرياضة قد يكون مقدمة لنجاح في التسيير، كنا نتوهم كمن يملأ ورقة يانصيب أو «طوطو فوت»متطلعا إلى المعجزة.
وسرعان ما تبين بأنه لا يوجد أبرياء في مزج السياسة بالرياضة بل هناك فقط… ضحايا.. وهم نحن.
لقد عشت ما يثبت هذا التمرين الفاضح على تصديق المسؤولين الرياضيين عندما يعلنون طموحهم السياسي، إذ أن أحد الذين أعرفهم صرح بأنه صوت على رئيس فريق لأنه نجح في الصعود به إلى القسم الفوقي، وعليه منحه ثقته، عربونا على تقدير نجاحه الرياضي، لكنه مقابل ذلك كان »يعذبني« شخصيا في كل نقاش، لكي أجتهد في شرح كل خطوات الدولة ورهاناتها وأخطائها التي لا يراها سواه، من قرار البرلمان الأوروبي واعتقال الصحافيين إلى العلاقة مع الجزائر والمجازفة بالتصعيد مع ألمانيا وإسبانيا مرورا بالموقف الدستوري من ثقب الأوزون !
وكان علينا أن نحسن الجواب والدفاع عن الدولة، ولو كنا ساقطين انتخابيا، أو كنا… في المعارضة.
ولعلها مفارقة مغربية جميلة صنعتها الرياضة، تجعلك مسؤولا عن أشياء تهم البلاد في حين تصنع نخبة التسيير بمعادلات لا علاقة لها بالسياسة…
لست من الذين ينتقدون الشغف الجماهيري الواسع بالرياضة وبكرة القدم أساسا باعتبار أن الرياضة أفيون الشعوب الجديد، خاصة وقد ثبت أنهم لا يخدروننا بكرة القدم ،» أقسم بالله» ، كما ينطقها عبد القادر السيكتور.
ودليلي أنهم يخدروننا بالمخدرات المعروفة ..وبس !
هذا دليل براءتهم من استغلال الرياضة وكرة القدم في تخديرنا، ليسوا في حاجة إلى هذه الحيلة الماركسية في استقطابنا وتدويخنا، إنهم يستعلمون المخدرات المتعارف عليها…زطْليا!!!
ونجاح بعضهم في الانتخابات كان بما تم تبييضه من أموال المخدرات أو غير المخدرات !
ما يفعلونه أكبر بكثير وأخطر من هذا، إنهم يقتلون وسيلة المجتمعات في الرقي بنفسها، أي الثقة في السياسة وفي قواعد اللعبة السياسية، ولعل الأكثر شعورا بالألم وبالمزيد من الشك هم أولئك الذين صدقوا نكران المسيرين لذواتهم وإعلان حبهم للفرق التي لمعت في قلوبنا قبلهم.. ولعل الأكثر ألما هم أولئك الذين يرون كيف غطى ضباب المخدرات والروائح النتنة ملاعب فرقهم المفضلة.،لا شك أن كل مغربي يشعر بما يشعرون. وستبقى الرياضة جمالا ومحبة لهذا يجب فطام السياسيين عنها!
2024/02/10

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 08/06/2024

التعليقات مغلقة.