الانتخابات الأوربية بفرنسا: هزيمة الحزب الحاكم وحل البرلمان الفرنسي

 

أزمة سياسية بفرنسا نتيجة الفوز التاريخي لليمين المتطرف بالانتخابات الأوربية الذي حصد 32 في المائة من الأصوات، وهي سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، هذه الانتكاسة دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في الأسابيع الثلاثة القادمة.
ورغم أن هذه الانتخابات كانت أوروبية وليست وطنية، ولا تعني الوضع الداخلي بدرجة أولى، فإن الانعكاسات كانت محلية، خاصة أن الائتلاف الحاكم بفرنسا، منذ إعادة انتخاب الرئيس الحالي تنقصه الأغلبية بالجمعية الوطنية وأغلب القوانين التي مررها، بما فيها قانون التقاعد، تمت عن طريق بند 49.3، وهو ما يجعل قرارات الرئيس تفتقر إلى أية شرعية خاصة في الظروف التي تم انتخابه فيها.
هذا التقدم الكبير الذي حققته لائحة اليمين المتشدد وتجاوزها للحزب الحاكم بفرنسا، هو نفس ما حدث في ألمانيا، حيت تجاوز اليمين المتطرف الحزب الحاكم لأوف شولز الذي جاء في الرتبة الثانية ببلده في حين احتل الحزب الحاكم الاشتراكي الرتبة الثالثة، ففي بلد عاش التجربة النازية منذ 80 سنة تقريبا، وفي الأسبوع الذي تقام فيه الاحتفالات بفرنسا من أجل الاحتفال بانتصارهم على النازية بأوروبا، عاد أحفاد هذه الأحزاب الفاشية إلى إغراء الناخبين بما ينذر بعودة أوروبا إلى الأنظمة الشمولية والعنصرية التي حكمت القارة في أواسط القرن الماضي، مما يعنيه ذلك من إشعال حروب جديدة من أجل التوسع ومن أجل المنافسة الاقتصادية، حروب بدأت بشرق أوروبا بين أوكرانيا وروسيا، التي مازالت مستمرة وتعرف تطورات نوعية، في مواجهة مفتوحة بين البلدان الغربية وروسيا الاتحادية.
قرار الرئيس الفرنسي فاجأ الجميع، عندما قرر العودة إلى الشعب، وإعادة طلب الشرعية التي لم تعد تتوفر عليها الأغلبية للرئيس الفرنسي وحلفائه.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد إعلانه حل الجمعية الوطنية، كتب أنه «يثق بقدرة الفرنسيين» على «القيام بالخيار الأنسب» خلال الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة بعد ثلاثة أسابيع.
وكتب ماكرون عبر منصة X «أنا أثق بقدرة الشعب الفرنسي على القيام بالخيار الأنسب له وللأجيال المقبلة. طموحي الوحيد هو أن أكون مفيدا لبلادنا التي أحب».
طبعا، أمنية الرئيس الفرنسي هي أن ينتفض الفرنسيون، ويتخلون عن التصويت العقابي ضد الطبقة الحاكمة والأحزاب الكلاسيكية بما فيها الموجودة بالمعارضة، لكنه يبقى رهانا ومقامرة كما سمتها بعض الصحف الفرنسية. ويأمل الرئيس الفرنسي من خلال هذا القرار المفاجأة مباغتة حزب التجمع الوطني المعادي للهجرة والإسلام. حيث أن تنظيم انتخابات بعد ثلاثة أسابيع لن يكون كافيا لعقد تحالفات والاتفاق على برنامج انتخابي حتى بين الأحزاب الحليفة مع حزب النهضة الحاكم، مما يجعل رهان الرئيس الفرنسي مفتوحا على كل الاحتمالات والسيناريوهات.
هذا التقدم للأحزاب الأوروبية المتشددة بفرنسا، إيطاليا، النمسا وألمانيا لم يكن له تأثير كبير على التوازنات داخل الاتحاد الأوربي حيث احتفظت كتل الحزب الشعبي اليميني الأوروبي مع الاشتراكيين والديموقراطيين وتجديد أوروبا الليبرالي مجتمعة بالغالبية في البرلمان الأوروبي، رغم تقدم كبير لقوى اليمين المتطرف وتراجع كبير لأحزاب الخضر.
وارتفع عدد مقاعد كتلة الهوية والديموقراطية للأحزاب الفاشية التي تضم حزب» التجمع الوطني» الفرنسي وحزب» الرابطة الإيطالي»، من 49 إلى 62 مقعدا، وقد استبعدت هذه الكتلة مؤخرا حزب «البديل» من أجل ألمانيا من صفوفها وذلك لتطرفه الكبير وتذكيره للناخبين بماضي الحركة النازية الذي عاشته ألمانيا، خاصة أن هذه الأحزاب التي استحوذت على عدد كبير من أصوات الشباب الأوربي الذين يجهل أغلبهم الماضي الفاشي لأحزاب اليمين المتطرف بأوروبا ويتعاملون معها كما لو أنها أحزاب ناشئة.
وإذا كانت التوازنات السياسية لأوروبا لم تتغير بعد هذه الانتخابات باستثناء تقدم اليمين المتطرف وتراجع أحزاب الخضر واحتفاظ الأحزاب الشعبية اليمينية التي تتزعمها اورسولا فان داير لاين بالأغلبية، فإن الوضع السياسي بفرنسا، على العكس من ذلك، مرشح لتحول لا أحد يعرف مآله بعد ثلاثة أسابيع، بعد قرار الرئيس الفرنسي حل الجمعية الوطنية، بمعنى أن المشهد السياسي في بلد فولتير أصبح مفتوحا على جميع السيناريوهات، بما فيها حكم اليمين الفاشي لفرنسا، وهي سابقة لم تشهدها فرنسا في الجمهورية الخامسة، وهو وضع عاشته في الماضي مع حكومة فيشي الذي اختار التعاون مع النظام النازي بألمانيا، الذي كان يتزعمه المستشار ادولف هيتلر الذي قاد أوروبا والعالم بتحالف مع الفاشية الإيطالية واليابانية إلى حرب مدمرة خلفت عشرات الملايين من الضحايا من بين المدنيين والعسكريين.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 11/06/2024