حقيبة سفر وجراب حسرة 

بوفتاس فريدة

ونحن نحزم حقائب السفر ، نحرص أشد الحرص على عدم نسيان أي شيء من لوازمنا ، نفكر في كل صغيرة وكبيرة ، حتى لا نكون أمام عنصر المفاجأة .وخصوصا ، جواز السفر وكل ما يتعلق بإثبات الهوية .
نعيد التأكد من أننا حملنا معنا جواز سفرنا الذي ليس مجرد شيء من الأشياء. ذلك أن الأشياء قد تكون أي شيء، وقد تكون كل شيء .
هاجس الوسواس يسكننا، لنتخلص منه بعد حين ونحن نعبر بأشيائنا، بجواز سفر، وهوية، ورخصة الإقامة عند شبيهنا الذي هو في الوقت نفسه مختلف عنا، هو ذاك الذي أجاز هذا العبور المشروط للأشياء، الكلمات، والهوية. وفي هذا يخالفنا أشد مخالفة. نحن من لا نضع أمام عبوره أية حواجز أو نملي عليه أية شروط .
أما بالنسبة للهوية، هاته الأخيرة التي حددها الدستور المغربي، الذي يمكن أن نضيف إليه أمرا هاما يدخل في تحديدها أكثر ، والمقصود هنا هو لقاء الآخر عبر التاريخ ، برزمة أحداثه العظام، المريرة منها والمشرقة، تلك التي حفرت فينا أخاديد يصعب محوها أو إنكارها أو محاولة التبرؤ منها . مما يسمنا بطابع ومعالم معينة نتقاسمها بشكل أو بآخر في ما بيننا، وبتلاوين متعددة .
إذن، نحن العابرون والعابرات لسنا نعبر إلى عوالم غريبة عنا مطلقا، بل ثمة ألفة بيننا، إلا أنها لا تهدر حق الرغبة في المحاسبة وجبر الضرر.
ألفة ترعرعت وأينعت من انفتاحنا على ثقافة وحضارة هذا الغير ، واستدماجنا لها بحكم التلاقح وغيره، لكننا نتباعد أحيانا كثيرة عنه وعن تاريخه، وخبايا مخططاته ومشاريعه التي ما زالت تؤرقه وهو يسعى لإنجاحها، موقظة فينا نحن مخاوف لا تهدأ.
هوية ما تفتأ تتفتق وتتبلور، وهي مشبعة بتنوع وغنى يجعلها تقبل الانفتاح على آخر صنع تاريخا عنيفا، سالت معه دماء شهداء ودموع ضحاياهم وأهاليهم /ن. كما أنها أقبلت على ما خلفه من أثر محمود ونافع للبشرية ،عبر ما جادت به المادة الرمادية من شعلة أفكار فلسفية، علمية،أدبية …وفنون …وقيم تستحق الاستمرار والتبني، والاقتداء أحايين كثيرة .
إنه مزيج من عسل وحنظل، هو ما نشعر به ونحن في لقاء مع آخر شبيه ومختلف .
لكن شعورا آخر يخترقك أيها العابر : إنه الشعور بالحسرة الذي حملته معك في جرابك وأنت لا تعلم أنك حامله، حيث استطاع أن يعبر معك بعيدا عن عين كل رقيب، فتكون أنت أول من خدع .
أنت من حصرت، بعناية، أشياءك التي ضمتها حقيبة سفرك ، وغفلت عن أنك تحمل جراب حسرة يستتبعها ألم حاد ،خصوصا كلما بدا لك ما يقلق أمنك المواطن ويمتحنه، أنت الذي تعيش تجربة إعجاب قد يبلغ حد الانبهار أمام ما تم تحققه على أرض الواقع، وما تغبط الغير عليه، لأنه سار بعد أن اختار الوجهة المؤدية إلى العالمية، والى كل ما يرفع من شأن مواطنيه على كل المستويات .
حسرة تلبسك وتتخذ لنفسها مكانا لديك، في أعماقك، تحاول أن تداريها حتى لا تعترف في قرارة نفسك أن خيبتك ثقيلة، ويستفحل لديك هذا الشعور أكثر ، حين تطالعك إحدى الفيديوهات بما قد يجعلك تصاب بالدوار ، وهو يعرض حدثا يخص اقتناء أضحية العيد ، حيث تبدو رافعة تحمل عجلا إلى أسطح منزل في أحد الأحياء، في البدء تعزي ذاتك معتبرا أن الأمر مجرد مزحة، لكنك، وبعدما يتأكد لديك صدق الخبر، تسائل نفسك عن حقيقة ما يجري، بعد أن تكون قد ضحكت حتى انكشفت كل أضراسك «العاقلة وغير العاقلة « من سوريالية الصورة، و عدم عقلانية الحدث.
ساعتها تنجو بنفسك إلى عالم تحاول أن تصنعه بفسيفساء ما جادت به هويتك من جميل عطاء لا يستهان به ، وما خلده تاريخ بلدك من أمجاد هي بمثابة كنوز ثمينة، وما تحمله معك في ذاكرتك ووجدانك بما نهلته من رحيق الآخر الشبيه /المخالف .

الكاتب : بوفتاس فريدة - بتاريخ : 15/06/2024