هل يحكم اليمين المتطرف بلد فولتير؟

باريس: يوسف لهلالي
يبدو أن سلسلة المفاجأة السياسية التي تعيشها فرنسا لن تتوقف عند تقدم اليمين المتشدد وحل البرلمان الفرنسي، بشكل مفاجئ، والذي صدم كل الطبقة السياسية، ولن يكون الحدث الألعاب الأولمبية بباريس، التي تعقد في نهاية شهر يونيو وبداية شهر غشت، بل حكومة اليمين المتشدد المعادي للإسلام والهجرة على رأس السلطة ببلد فولتير. وهو ما أكدته آخر دراسات الرأي حول نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة.
هذه الدراسة جاءت قبل أن يستفيق المشهد السياسي الفرنسي من صدمة قرار الرئيس الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة تجرى دورتها الأولى في 30 يونيو والثانية في 7من يوليوز.
وهو قرار فاجأ الجميع بمن فيهم المقربون لرئيس مثل غبريال اطال الوزير الأول المعين مؤخرا، ورئيسة مجلس النواب وعدد من أقطاب حزبه الذين يتشبثون بالبقاء على رأس المؤسسات رغم عدم توفر حزب النهضة على أغلبية.
طبعا وقت الانتخابات والحملة ليس كافيا، ثلاثة أسابيع لإنجاز التحالفات والقيام بالحملة، وهو غير كاف لجميع الأحزاب خاصة في أجواء التحالفات الممكنة. اليسار لحد الساعة كان هو التحالف الذي يسير في الاتجاه الصحيح بعد أن أسس التحالف الشعبي، وذلك بسرعة قياسية تتلاءم مع الحدث، وذلك للمطالبة الملحة لناخبي اليسار بتشكيل جبهة موحدة في مواجهة اليمين المتشدد.
ويتشكل بين حزب فرنسا الأبية، الحزب الاشتراكي الحزب الشيوعي وحزب الخضر، وهو تحالف يمكنه الحصول على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية المقبلة حسب آخر دراسات الرأي.
اليمين الجمهوري تعرض لأزمة، وذلك بعد قرار رئيسه أريك سيوتي القيام بتحالفك مع التجمع الوطني، وهو ما استنكرته قيادة الجمهوريين، وقام المكتب السياسي بفصله عن رئاسة الحزب التي مازال يتشبث بها ، مما جعل هذا الحزب الدوغولي يعيش في أزمة حتى قبل أن يدخل في أية تحالفات ممكنة في هذه الانتخابات. وأعلن سيوتي «أنا رئيس وسأظل رئيسا» محذرا من «عواقب جنائية». مما يعني إمكانية افتتاح مسلسل قضائي مع قيادة الجمهوريين.
الرئيس الفرنسي، في ندوة صحفية بعد حله للجمعية الوطنية دعا إلى «رص الصفوف» في وجه كل أشكال «التطرف»، وذلك بعد الانتقادات التي تعرض لها داخل معسكره بعد إقدامه على حل الجمعية الوطنية.
ولأول مرة يقوم ماكرون بنوع من النقد الذاتي لسياسته وقال «أتحمل بالكامل مسؤولية التسبب بحركة التوضيح هذه. أولا، لأن الفرنسيين طلبوا منا ذلك الأحد. فعندما يصوت 50 % من الفرنسيين للمتطرفين، وعندما يكون لدينا غالبية نسبية في الجمعية الوطنية لا يمكننا أن نقول لهم: نواصل كأن شيئا لم يكن». وهو يشير بذلك للأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا مند إعادة انتخابه لافتقاد معسكره الى أغلبية داخل الجمعية الوطنية ولجوئه إلى بند 43, 9 من أجل تمرير عدة قوانين مهمة مثل قانون التقاعد الذي يعتبر أحد أهم الإصلاحات التي أثارت ضده سخط الفرنسيين.
وانتقد الرئيس الحالي الذي دخل بذلك للحملة الانتخابية التشريعية سواء اليمين المتطرف الذي يدعو إلى «الإقصاء» واليسار المتطرف الممثل برأيه، بحزب فرنسا الأبية متهما إياه «بمعاداة السامية ومعاداة الحياة البرلمانية».
وعلى الصعيد الدبلوماسي، اتهم ماكرون الأربعاء التجمع الوطني بمواصلة اعتماد موقف «ملتبس حيال روسيا» وبالسعي إلى «الخروج من حلف شمال الأطلسي (ناتو)». واستهدف ماكرون أيضا في هذه الندوة حزب اليسار «فرنسا الأبية» المتهم بـ «خلق فوضى مستمرة أحيانا» في الجمعية الوطنية. وانتقد التحالف الذي يتشكل بين حزب فرنسا الأبية وثلاثة أحزاب يسارية أخرى واعتبره «غير لائق».
وحسب استطلاع جديد جرى قبل الندوة الصحفية لرئيس ايموانويل ماكرون الذي أجراه معهد «إيلاب» لصالح تلفزيون «بي إف إم تي في» فإن التجمع الوطني بزعامة جوردان بارديلا سيحصل في نهاية الجولة الثانية على ما بين 220 و270 مقعدا (من مجموع 577).
وسيحصل تحالف اليسار «الجبهة الشعبية على ما بين 150 و190 مقعدا، وحزب النهضة الرئاسي وحلفاؤه على ما بين 90 و130 مقعدا، والجمهوريون على ما بين 30 و40 مقعدا، فيما تتوزع بقية المقاعد على القوى السياسية الأخرى.
وهي نتائج كلها تعكس نتيجة واحدة وهي حصول اليمين المتشدد وحلفاؤه على أغلبية رغم أنها نسبية في البرلمان الفرنسي المقبل، وهو ما يعني أن الرئيس الحالي سوف يقضي آخر عهدته الانتخابية متعايشا مع رئيس حكومة من اليمين المتطرف. وبالتالي سوف يتمكن اليمين المتطرف من الوصول إلى سدة الحكم لأول مرة في الجمهورية الخامسة بعد أن ظل حزبا هامشيا وعلى أبواب السلطة. وهو توجه لم يحكم فرنسا منذ إسقاط حكومة فيشي الموالية لنظام النازي بألمانيا سنة 1945 من طرف الحلفاء والمقاومين بفرنسا. هذا اليمين سوف يصل الى السلطة بفضل تبني أفكاره من قبل عدد من زعماء اليمين، حيث وصلت أفكاره الى الحكم قبل الحزب الذي يحملها وذلك من خلال تبنيها من طرف سياسيين محسوبين على اليمين الجمهوري مثل نيكولا ساركوزي وفرنسوا فيون ولورون فوكيي وايريك سيوتي من خلال طرحهم لها منذ سنة 2007 مثل قضية الهوية الفرنسية، قضية الأمن والهجرة والأفضلية للفرنسية العداء للأجانب وهي كلها من بنات أفكار اليمين المتطرف.
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 15/06/2024