مخرج فيلم “شاطىء الشوق” (2022)، شاكر أشهبار، من موالد الرباط يوم 2 يناير 1962. تابع بعد حصوله على البكالوريا العلمية من ثانوية ديكارت بمسقط رأسه دراسته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصل من جامعة جورج تاون على إجازتين الأولى في التدبير والثانية في التجارة الدولية سنة 1984، ثم على ماستر في إدارة الأعمال (MBA) من جامعة ولاية بنسلفانيا سنة 1986.
بعد عودته إلى المغرب اشتغل لمدة لفائدة شركة متعددة الجنسيات قبل أن يؤسس مقاولته الخاصة في مجال المطعمة والفندقة. بعد ذلك مارس أنشطة الإستشارة في مجال التواصل والإستراتيجية التنظيمية من 1996 إلى حدود سنة 2014. كما أسس سنة 1915 شركة “خدمات البث المغاربية” (MBS)، المتخصصة في إنتاج أفلام السينما والتلفزيون، وهو مديرها.
حصل شاكر أشهبار سنة 2017 على دبلوم في الإخراج السينمائي من المدرسة الكندية “سيني كور” وكتب وأخرج سنة 2018 ثلاثة أفلام قصيرة هي تباعا: العيد الكبير” و”الفولار” و”الإحسان”. كما أخرج أيضا أفلاما مؤسساتية ووصلات إشهارية للتلفزيون والويب. وفي سنة 2022 كتب وأخرج أول أفلامه الروائية الطويلة “شاطىء الشوق”، الذي تم اختياره في مجموعة من المهرجانات الدولية وحصل على ثلاث جوائز في نفس السنة بمهرجانات بالسويد وألمانيا والهند، وعلى جائزتين سنة 2023 بمهرجان بالمجر وآخر بتركيا.
على هامش العرض الإفتتاحي الأول للفيلم الروائي الطويل “شاطىء الشوق”، مساء الخميس رابع يوليوز الجاري بالرباط، كان لنا مع مخرجه الحوار المركز التالي:
– لماذا اخترت “شاطىء الشوق” عنوانا لفيلمك هذا؟
– لأن الشاطىء في هذا الفيلم اعتبره شخصية في حد ذاتها تمرر للمتلقي إحساسات من بينها الشوق بطبيعة الحال، لكن هناك إحساسات أخرى أيضا يمكن أن نشعر بها عبر الصور وصوت البحر في هذا الشاطىء.. بالنسبة لي كان هذا التصور موجود في الفيلم من بدايته إلى نهايته، لهذا أصبح طبيعيا أن أفكر في “شاطىء الشوق” كعنوان للفيلم.
– فريدة بوعزاوي كانت جد مقنعة في تشخيصها لدور الزوجة، كيف جاء اختيارك لها؟
– فريدة بوعزاوي ممثلة رائعة سبق لي أن اشتغلت معها.. كنت منتجا لفيلم قصير كانت هي بطلته وكانت فرصة لي لأتعرف عليها عن قرب وأدخل معها في نقاش حول كيفية اشتغالها وتقمصها للأدوار المسندة إليها.. لهذه الممثلة، بطبيعة الحال، قدرة كبيرة على الإنصات سواء عندما كنا بصدد الاستعدادات الأولية قبل التصوير أو أثناءه.. كنت أحاول أن أساعدها من خلال بعض التوجيهات لتقترب أكثر ما يمكن من الشخصية المسندة إليها، فوجدت سهولة واقتراحات منها مكنتني من التعامل الجيد معها للوصول إلى النتيجة المرضية التي شاهدناها في الفيلم.
– باقي الممثلين والممثلات كان أداؤهم مقنعا نسبيا، كيف كانت إدارتك لهم؟
– في الحقيقة كنت جد سعيد بإدارة الممثلات والممثلين في هذا الفيلم لأنه لا ينبغي أن ننسى أن هذا الفيلم هو إنتاج ذاتي اشتغلنا فيه في ظروف لا تخلو نسبيا من إكراهات قاسية لها علاقة بالمدة الزمنية القصيرة للتحضير والتصوير فيما بعد.. وهذا الأمر اقتضى أن تتسم إدارة الممثلين والممثلات بالدقة وأن يستجيب هؤلاء لرغبات ومطالب المخرج بأحسن طريقة ممكنة.. ينبغي ألا ننسى أن جودة أداء الممثلين تكون في الغالب مرتبطة بشروط العمل وظروف التصوير وكذلك بإدارة المخرج وتوجيهاته وطريقة تعامله.. على كل حال كنت راضيا على أداء جل الممثلين وسعيدا بتعاونهم الإيجابي معي.. فبغض النظر عن بعض الإستثناءات القليلة جدا كانت النتيجة مرضية على العموم لأنه لا يمكن لكل واحد من العاملين في الفيلم أن يكون في أوجه نظرا لإكراهات الزمن من جهة والإمكانيات الإنتاجية المحدودة من جهة أخرى.
– هل تحكمت في اختيار فضاءات التصوير بالهرهورة وخصوصا شاطىء سيدي عابد إكراهات إنتاجية بالأساس؟
– أغلبية فضاءات التصوير كانت في قرية سيدي عابد، وكما قلت سابقا فشاطىء سيدي عابد كان بمثابة شخصية من شخصيات الفيلم، وكان يشكل عالما خاصا لأنه عالم الصيادين وعالم زوار ضريح الولي الصالح سيدي عابد المعروف في المنطقة.. لكن لم نقتصر فقط على فضاءات هذه المنطقة بل صورنا أيضا بالرباط في مركز تجاري كبير وفي عيادة ومدرسة وشوارع مختلفة بالهرهورة والرباط.. بطبيعة الحال كنا قريبين من الهرهورة وسيدي عابد نظرا للإكراهات الإنتاجية، لكن السيناريو المكتوب كانت أحداثه تجري في فضاء متكامل بهذه المنطقة: قرية سيدي عابد وسكانها والبحارة فيها…
– يبدو من أحداث الفيلم أنك تميل إلى التيمات الإجتماعية العائلية، خصوصا وأن الصراع بين شخصيات الفيلم الرئيسية تركز بين امرأتين حول رجل، وكانت الغلبة في الأخير للزوجة الأولى بمساعدة ابنتها الطفلة اليافعة لينا. وبهذا جاءت نهاية الفيلم سعيدة ومنطقية. ما رأيك؟
– في الحقيقة أنا لم أكتب سيناريو هذا الفيلم بمنطق غالب ومغلوب، وإنما يمكن داخل أسرة سعيدة أن تكون العلاقات قوية وإيجابية بين جميع أفراد الأسرة.. إنما لما تقع حادثة ما، كفقدان ذاكرة الأب في هذه الحالة، فإن هذا الأخير يفقد القدرة على الاستمرارية في تلك العلاقات داخل العائلة، ولو أنه فرد من العائلة وهذه الأخيرة تساعده وتضحي من أجله إلخ… فهو غير قادر على أن يستوعب العلاقة التي تربطه بأفراد أسرته، أي بزوجته وابنته، لأن الذاكرة وحمولة العواطف والإحساسات التي كانت تربطه بهما تم فقدانها من طرفه.. ولو أنه أصبح يتذكرهما من حين لآخر.. في هذا الاتجاء ذهب بحثي.. وفي نفس الوقت يرتبط الشخص بامرأة أخرى كان يتذكر بعض الإحساسات عاشها معها قبل التعرف على زوجته الحالية، وهي علاقة لم يكن لها ثقل كبير، إلا أن لها حمولة عاطفية جعلته يقترب منها أكثر.. ولهذا لاحظنا أن الأب في وقت ما اختار أن يتزوج تلك المرأة وأن يترك زوجته وابنته.. وبالفعل فكرت الطفلة في كيفية استرجاع العائلة إلى وضعها السابق وذلك لأن الأطفال عادة هم الذين يسعون إلى أن يظل الآباء مجتمعين ويعملون كل ما في وسعهم ليتحقق ذلك وتعود المياه إلى مجاريها. الطفلة بذلت هذا المجهود لأنها شعرت بأن كلا من الأب والأم سيسلك اتجاها مختلفا أو معاكسا. كذلك الأب بدأ يسترجع ذاكرته والإحساس الذي كان لديه سابقا وأصبح ينتابه شعور بالذنب وكأنه خان عائلته الأصلية.. الفيلم فيه بحث في العلاقة بين ذاكرتنا وهويتنا وفي العواطف وحمولة الأحاسيس التي تختزنها ذاكرتنا والتي بها نربط علاقاتنا بالناس المحيطين بنا.
– تم أول عرض افتتاحي للفيلم بالرباط، مساء الخميس 4 يوليوز الجاري، ماهي الإنطباعات التي خلفتها لديك ردود الفعل الأولية لمن شاهدوه؟
– كان هذا العرض مفيدا جدا بالنسبة لي لأنه لأول مرة أشاهد جمهور القاعة وهو يتفاعل مع الفيلم، حيث اكتشفت أنه تابع أحداثه بانتباه كبير. وهذا يذكرني بأننا أثناء الإعداد والتصوير خصصنا الوقت الكافي وأولينا عناية فائقة للعمل لكي نقدم أولا الوضعية التي كانت تعيشها هذه الأسرة قبل أن ندخل في تفاصيل القصة فيما بعد. وهذا راجع أساسا لرغبتي في أن أوضح كيف كانت العلاقة بين الأب، فاقد الذاكرة والوعي تماما، وزوجته وابنتهما، وكيف كانتا تعتنيان به وتضحيان من أجله في الفترة الأولى من الفيلم. فقد لاحظت أن المشاهدين تابعوا الفيلم بإمعان خصوصا في لحظات الحزن والفرح أو المواقف الكوميدية التي أدرجتها من خلال شخصيتين: الخادمة مريم وزميل الزوجة وفاء في العمل ريان، المعجب بها والذي كان يتمنى أن تترك زوجها فاقد الذاكرة لكي يربط معها علاقة. فهتان الشخصيتان كانت لهما قدرة على الإضحاك وإدخال نوع من الكوميديا على هذه الدراما الإجتماعية العائلية. ولاحظت أن الجمهور كان يستجيب لهذه المواقف ويتفاعل معها بشكل تلقائي ومع تصرفات مريم وريان في إطار القصة التي يحكيها الفيلم. وهذا خلف لدي انطباعا إيجابيا جدا لأن ذلك يتوافق مع ما كنت أبغي توصيله عبر الفيلم من أحاسيس وعواطف.