«مسلمون أوروبيون».. الواقع الذي يقول الحقيقة

فاروق يوسف

عنوة دخل مصطلح “أوروبا المسلمة” إلى قاموس اللغة السياسية التي تستعملها الأحزاب اليمينية في خطابها المتشدد على أمل القبض على السلطة. كما لو أنها على اعتبار معركة بلاط شهداء جديدة. ما ليس حقيقيا يمكن أن يتحول إلى واقع. ذلك ما ينشده السياسيون في غمرة بحثهم عن ضحية، تعفيهم من الخضوع لشروط الديمقراطية.
تقول وزيرة الهجرة السويدية في وصف المهاجرين “لقد أنهكوا برامج الضمان الاجتماعي”. قبل سنوات كان هناك صراع لغوي بين عبارتين لوصفهم “السويديون الجدد” و”الأجانب”. اليوم صار اسمهم “المسلمون”. في الماضي لم يكن هناك حزبيّ يقوى على الدخول في دائرة التمييز على أساس الدين في بلد علماني.
مَن الذي أخطأ في تحويل الاندماج إلى فخ؟ صار الخوف من الآخر هو القاعدة بينما كان في الماضي استثناء. بدلا من الانضمام إلى الشعب الجديد باعتباره عائلة مستقبلة ومطمئنة إلى مستقبل علاقاتها بأبنائها الجدد صارت الجاليات تقيم في مناطق منعزلة يسودها الاضطراب وتفتك بها أمراض العزلة وتهدد وجودها فوضى التحولات السياسية التي صار الخطاب الذي يمهد لها لا يُخفي خوفه من خطر المهاجرين.
وكما هو معروف فإن النخب السياسية حين تشعر بالفشل في التصدي لمشكلات اقتصادية تتبنى خطابا ملغوما. لذلك فإن نغمة استنزاف أموال دافعي الضرائب وهي شعار ليس جديدا، يظهر في الأزمات (التضخم مثلا) لتتخلى الأحزاب من خلاله عن مسؤوليتها عن وضع برامج اقتصادية منقذة.
غير أن المسلمين، وقد صاروا يشكلون شريحة كبيرة ومرئية ومؤثرة من شرائح المجتمعات الأوروبية، لم يتعاملوا بالإيجابية المطلوبة التي يؤكدون من خلالها مواطنتهم وشرعية وجودهم على أرض هي ليست لهم. ذلك ما يمكن ملاحظته حين يتفحص المرء الأحوال في كبرى المدن الأوروبية التي فكت ارتباطها مجازيا بأوطانها الأصلية. على سبيل المثال مرسيليا لم تعد فرنسية ومالمو لم تعد سويدية وهناك مدن أقل أهمية صار معظم سكانها لا يتكلم لغة البلد التي هي جزء منه جغرافيا وسياسيا.
يخشى الأوروبيون من قيام تاريخ جديد، يقوم أساسه على (الغزو) كما يسمّونه. لذلك فاجأت فرنسا نفسها بانتصار يمينها الذي تراجعت عنه. وكان يمكن لوطنيي بريطانيا أن ينتصروا لولا أن حزب العمال كان مستعدا لمواجهة فشل المحافظين الذين ضعف انضباطهم الداخلي بعد الانفصال عن أوروبا الذي كانوا مسؤولين عنه.
ما يُسمّى بالغزو الإسلامي ليس حقيقيا. غير أن الكتلة التي يُشار إليها كونها مجاله الحيوي وحاضنته هي جزء من الواقع الأوروبي. أما الأفكار التي تتنقل بين حالات مختلفة في فضائه فإنها بالرغم من خطورتها لا يمكن أن تشكل تهديدا للمجتمعات الأوروبية إلا إذا انطلقت المؤسسة الأمنية من موقف العداء في التعامل مع الأحداث. على سبيل المثال ليست عصابات المخدرات حكرا على (الجاليات المسلمة). ولكن هل كانت تلك الجاليات بحجم المسؤولية المطلوبة بحيث تدفع عن نفسها شبهة الخروج على القانون؟
“مسلمون أوروبيون” ذلك مصطلح يعبر عن واقع يجب أن يتحول إلى واحدة من حقائق أوروبا. ليست برامج الاندماج الفاشلة في إمكانها أن تقوم بتلك المهمة. كما أن هناك تنظيمات دينية متشددة سعت ولا تزال تسعى إلى تعميق الهوة التي تفصل بين المسلمين وأوطانهم الجديدة. أما أن تكون تلك التنظيمات قد حظيت يوما ما بدعم الأجهزة الأمنية الأوروبية فتلك مسألة أخرى.
ينطوي مصطلح “مسلمون أوروبيون” على معنى المواطنة. وكما أرى فإن الديمقراطية سمحت لرجل من أصل هندي أن يكون رئيسا لوزراء بريطانيا، كما صار بإمكان مواطنين من أصول مهاجرة أن يكونوا نوابا ووزراء وقضاة من غير تمييز. أيعني أن العبء كله يقع على عاتق المسلمين؟
في الخطاب الإسلامي السائد في المناطق المغلقة قدر هائل من الخطأ. ذلك لأنه لا يحث على المواطنة من خلال الاندماج بل هو يعمل على الحث على العزلة ويشجع على الحذر وهو ما يلهم الأحزاب اليمينية المتطرفة أسئلتها المشككة بولاء أولئك المواطنين الذين لا يكترثون بنقص مواطنتهم.
لقد فشل الإسلام السياسي في الهيمنة على الحياة السياسية في العالم العربي. ذلك ما يمكن أن يتعظ منه مواطنو أوروبا من المسلمين. ستحفظ مواطنتهم كرامتهم وحريتهم وهما أعز ما يملكه المرء. وما من شيء أعظم من أن يعيش المرء بنزاهة في وطن يحمي حقوقه.

الكاتب : فاروق يوسف - بتاريخ : 15/07/2024

التعليقات مغلقة.