طلبة المعاهد الفنية بالدار البيضاء يجتازون المباراة العمومية بمسرح سيدي بليوط

((بمقدار حنيني الجارف لسنوات طفولتي، أحن وأشتاق كذلك، لتلك الأعوام السبعة الشيقة من عمري، التي قضيتها طالبا بقسم المسرح العربي، بمعهد شارع باريس بكازا بلانكا ))
جرت في الآونة الأخيرة، بمسرح سيدي بليوط بالدار البيضاء، على مدى أسبوع كامل، أطوار المباراة العمومية لقطاع التعليم الفني، على المستوى الجماعي لمدينة الدار البيضاء- تنسيقية المعاهد الفنية التابعة لجماعة الدار البيضاء. وقد فتحت هذه المباراة في وجه طلبة المتوسط الثاني، ثم العالي الأول والعالي الثاني، من مختلف معاهد الدار البيضاء، الذين اجتازوا بنجاح إقصائيات المباراة العمومية، التي احتضنها قبل شهر ونيف كونسيرڤاطوار شارع باريس.
خلال اليومين الأولين للتباري، منحت الكلمة لطلبة أبي الفنون الذين اعتلوا ركح سيدي بليوط وقدموا في مرحلة أولى مشاهدهم المسرحية المختارة من كلاسيكيات المسرح العالمي، والمترجمة إلى لغة الضاد من قبل طه حسين، جبرا إبراهيم جبرا وخليل مطران وغيرهم. وفي مرحلة ثانية تقمصوا أدوارا في مشاهد مغايرة، منتمية لريبريطوار المسرح المغربي، برواده القدماء ومعاصريه المحدثين. وهكذا تجد نفسك تستمتع بمشهد من مسرحية “حمان” لعبد الصمد الكنفاوي، ليليه مشهد آخر من “ضيف الغفلة” لحسن هموش، أو من مسرحية “الحاج العظمة” للطيب العلج، أو “ساعة مبروكة” لمحمد الجم.
طلبة المسرح العربي، تمت مواكبة تباريهم من قبل لجنة، مكونة من الأساتذة الفنانين سالم كويندي، أحمد أمل، وأحمد غزير ثم هشام بهلول وعبد الكبير الركاكنة. وقد أشرف على عملية تقديم الطلبة أمام اللجنة والجمهور المتتبع، قيدوم أساتذة التعليم الفني بمعهد الدار البيضاء، ورئيس شعبة المسرح به، الأستاذ بوشعيب الصياد.
خلال مباراة المسرح العربي لهذا الموسم، تم بصفة استثنائية إعفاء طلبة المتوسط الثاني- الذين تجاوز عددهم الخمسين طالبا- من تقديم مشاهد بالدارجة المغربية، إذ اقتصرت مشاركتهم على تقديم مشاهد من مسرحيات ميديا وأوديب ملكا، ثم إيفيجيني وأياس وغيرها. ولقد توفق جل هؤلاء الطلبة في الإندماج في الشخصيات التي أدوها. وجاء الإلقاء ممتعا هو الآخر، كما لوحظ اجتهاد بيّن في اختيار الملابس بأكسسواراتها القريبة مما كان يرتديه الوجهاء والأكابر الإغريق في الزمن الذي تقع فيه أحداث هذه المسرحيات.
خلال هذه التظاهرة الفنية المتميزة، رغم طابع التباري الذي يحكمها، أبان طلبة لغة موليير، رغم قلتهم، على علو كعبهم، بحضورهم القوي فوق الخشبة، وبإلقاء محكم يحترم قواعد الإلقاء المسرحي، وبتشخيص يقنع كذلك. كما لعبت الملابس المنتقاة دورا بارزا فيه، إضافة إلى ما أثثت به الخشبة من ديكور، في مجموعة من المشاهد رغم بساطة سينوغرافيته التقريبية. هذه الفئة من الطلبة تمت مواكبتها من قبل لجنة مكونة من الأستاذ الفنان رشيد فكاك، بمعية ثلة من الأساتذة الأجلاء المختصين. وبعد يومين خصصا لتباري طلبة المسرح، أفسح المجال خلال الأيام الثلاثة الموالية، لطلبة آخرين من مختلف معاهد الدار البيضاء للتباري في التخصصات الفنية، التي يتابعون دراستها كالعزف على العود أو الكمان أو القيثار، أو آلة من آلات النفخ.
هناك كذلك من امتحن في الغناء الكلاسيكي، أو الطرب الأندلسي أو الملحون أو الرقص الكلاسيكي.. لكل لون من ألوان التعبير الفني هاته، لجنة متخصصة، واكبت وقوّمت وحددت من استحق الاجتياز أو التخرج، ومن هو غير جدير بذلك.
وفي الختم تجدر الإشارة، أنه في كل التخصصات التي ذكرنا، فطلبة المتوسط الثاني، بعد خمس سنوات دراسة يتبارون على شهادة ” الوسام الأول “، بينما طلبة العالي الأول، بعد ستة أعوام من التحصيل الفني، يتبارون للحصول على ” المشارفة الأولى “، في حين طلبة العالي الثاني الذين قضوا سبع سنوات دراسة للحصول على ” الجائزة الأولى “، وهي شهادة التخرج.
كما أن المباراة العمومية لقطاع التعليم الفني، على المستوى الجماعي للدار البيضاء، لنهاية الموسم الدراسي الحالي 2023/2024، تعتبر هي الأولى التي تشرف عليها الإدارة الجديدة، الساهرة على شؤون معهد شارع باريس، إضافة إلى مهمة التنسيق بين بقية المعاهد الفنية، التابعة لجماعة الدار البيضاء، وهي الإدارة المكونة من الفنان الموسيقي عز الدين شوقي والمايسترو صلاح المرسلي الشرقاوي.
وتعتبر هذه التظاهرة الفنية الكبرى، هي أول امتحان تجتازه هذه الإدارة الحديثة، التي لا يتجاوز عمرها بضعة أشهر، ونجحت رغم ذلك في تدبير شؤون المباراة العمومية، وإيصال سفينتها لبر التميز والتفوق، اللذين ساهمت فيهما أيضا أطقم هيئات التدريس الفني، بمختلف معاهد عاصمتنا الاقتصادية.


الكاتب : عبد الحق السلموتي

  

بتاريخ : 24/07/2024