في تقديم كتاب « التبرع بالدم والنزوع الإنساني عند المغاربة « للدكتور حسني قصي .. إشكالية التبرع بالدم وعلاقتها بالنزعة الإنسانية والعيش المشترك

شهدت قاعة المحاضرات بكلية الطب والصيدلة بالرباط، الجمعة الماضي، تقديم كتاب « التبرع بالدم والنزوع الإنساني عند المغاربة « للدكتور حسني قصي، بحضور العديد من الشخصيات العلمية والأدبية، لحدث علمي متميز على المستوى الوطني والدولي.
وساهم في هذا الحفل العلمي المتميز، الذي يحظى بمكانة خاصة لدى الفاعلين العلميين ومحاولة إيجاد الحلول لانخراط المغاربة والتوعية في عملية التبرع بالدم من طرف الجميع، حيث كان حفل تقديم الكتاب من طرف لجنة علمية، وقام بتنشيط فقراته الدكتور أحمد الحمداوي أستاذ التعليم العالي تخصص علم النفس المرضي بالمعهد الملكي لتكوين الأطر، وبكلمة كل من عميد كلية الطب، والدكتورة نجية العمراوي، مديرة المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم، ومحمد الصبان، رئيس المجلس العلمي المحلي بالرباط، والدكتور عبد القادر أزداد، أستاذ التعليم العالي تخصص السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعزيز الحدادي، أستاذ التعليم العالي رئيس جمعية أصدقاء الفلسفة في المغرب، الذي أنجز مقدمة لهذا الكتاب المهم.
وفي كلمة الدكتور حسني قصي، صاحب الكتاب، تخصص علم النفس الصحي ( الحجابة الملكية )، جاء فيها : « إن حضوركم اليوم لهو شرف عظيم لأنكم ستتقاسمون معي حفل صدور كتابي الثاني في مسيرتي العلمية، بعد كتابي الأول «قراءة في الهوية المهنية للطبيب» الصادر عن دار القلم سنة 2017. لقد واصلنا رحلة البحث العلمي مما جعلنا اليوم نحتفل سويا بهذا الإنجاز الجديد.
شكرا لكم على دعمكم المستمر ومشاركتكم لنا في هذه المحطة المهمة والتاريخية. إنها سنوات مرت من البحث العلمي في جامعة محمد الخامس العريقة، وعندها أستحضر لحظات مشفوعة بالرغبة والفرح زرعت في قلبي حب المعرفة والانتماء للوطن حيث تعززت قناعتي بانخراطي في استقصائي لإشكالية التبرع بالدم وعلاقته بالنزعة الإنسانية والعيش المشترك في المغرب الذي نفتخر به جميعا. وبما أن الإنسانية هبة من الله عز وجل، فإننا مطالبون بصيانتها والحفاظ عليها وتجسيدها من خلال سلوك التبرع بالدم من أجل إنقاذ الآخرين. هذا العمل يعتبر ثمرة مجهود علمي وفكري يجمع بين عدة متدخلين في القطاع الصحي والنفسي والاجتماعي والمركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم وكذلك المراكز الاستشفائية المختلفة بربوع المملكة الشريفة. وقد حاولنا أن يكون مرجعا علميا وأكاديميا للباحثين في الميدان الصحي والنفسي عامة والدم خاصة.
يضم هذا الكتاب في طياته بابين الباب الأول يحتوي على ثلاثة فصول: الفصل الأول، مخصص للإطارات المرجعية التاريخية للتبرع بالدم والمقاربات الطبية البيولوجية على المستوى الوطني والدولي.
وفي الفصل الثاني والثالث، ركزنا على المقاربة التنظيمية والتشريعية والقانونية والسوسيومؤسساتية لسلوك التبرع بالدم، إضافة إلى مختلف التشريعات والقوانين المنظمة لهذه العملية التي ينهجها المغرب وفقا مع السياسات الحكيمة لأمير المؤمنين، وللقوانين الدولية في إطار سوسيو مؤسساتي خاص . وقد حاولنا في هذا الفصل أن نبين أهمية المسار المؤسساتي والتشريعي والقانوني لسلوك التبرع بالدم والتمثلات المرتبطة به.
وفي الباب الثاني، الذي يتكون من خمسة فصول: تطرقنا في الفصل الأول إلى سلوك التبرع بالدم من خلال المقاربة السوسيو أنثربولوجية، كون سلوك التبرع بالدم هو بادرة نفسية واجتماعية وثقافية تهم الجماعة تربطهم أواصر الانتماء والتآزر والتآخي، وهنا نتحدث هنا عن القيم الاجتماعية التي تميز المجتمعات باختلاف ثقافاتها وأعرافها.
أما في الفصل الثاني فتطرقنا فيه إلى التمثلات الاجتماعية وعلاقتها بسلوك التبرع بالدم في سياق المجتمع المغربي، والتي تختلف حسب الثقافة والمجتمع والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والدينية والتربوية. فكيف يمكن أن تساعد التمثلات الاجتماعية في فهم وتحديد العوامل المؤثرة في سلوك التبرع بالدم باعتباره متغيرا مهما يساهم في تفعيل هذه الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذا السلوك النبيل والإنساني.
وفي الفصل الثالث أدرجنا المقاربة السيكولوجية حيث تناولنا بالأساس المفاهيم السيكولوجية كالمواقف والدافعية، فتأكدنا من خلال الدراسة الميدانية والتطبيقية، أن هذا السلوك هو رد فعل طبيعي، ونتيجة لتلك الدوافع المحركة له، والتي تحفزه كما أكدت عدة دراسات في علم النفس الصحي التي أقرت الرضا النفسي بعد التبرع بالدم.
كما خصصنا الفصول الثلاثة الأخيرة لتمظهرات سلوك التبرع بالدم عند الأفراد، وكذا الدوافع نحو تغيير التمثلات الخاطئة لهذه العملية، ودعم التمثلات الإيجابية نحو هذا السلوك، إضافة إلى البناء المعرفي لنظريات تغيير المواقف والاتجاهات السلبية لتصحيح التمثلات الاجتماعية حول سلوك التبرع بالدم من أجل بناء سلوكيات جديدة إيجابية عند الأفراد والجماعات.
وبناء على ما سبق من خلاصات تحليلية في الباب الأول والثاني وبعدما بسطنا كل ما يتعلق بالرؤية الطبية والقانونية والمؤسساتية والتنظيمية لتطور عمليات التبرع بالدم في سياق تحولات المجتمع المغربي، وما صاحبه من تغيرات في هذا السلوك الذي تؤطره القيم الأخلاقية والمظاهر النفسية والمعرفية والاجتماعية والدينية للإنسان المغربي الذي ما فتئ ينخرط في هذا السلوك التربوي والنزوع الإنساني، والتي حاولنا من خلالها أن نفسر به شيئا فشيئا من إمكانية وضع الإطار العلمي والمرجعي لظاهرة التبرع بالدم، والذي مكننا من الانتقال إلى الاقتراب والتحديد الدقيق لظاهرة التبرع بالدم من خلال إرساء التحليل العلمي لعلم النفس باعتباره الخلفية الإبستيمولوجية لهذا الموضوع الذي هو التبرع بالدم والنزوع الإنساني عند المغاربة.
وفي الأخير، أود أن أشكر كل من ساهم من قريب أو بعيد في إخراج هذا المؤلف المتواضع إلى حيز الوجود ليعزز المكتبة الوطنية، كما أشكر الحضور الكريم بتشريفه لهذا الحفل المتميز والذي يجعلنا نفتخر بانتمائنا إلى هذا الوطن الغالي تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس.
أيها الحضور الكريم ندائي لكم: حثوا وشجعوا على التبرع بالدم للفوز بالثواب العظيم والأجر الكبير، فهو يساهم في إنقاذ الأرواح، مصداقا لقوله تعالى في سورة المائدة ((ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)) صدق الله العظيم.


بتاريخ : 27/07/2024