جمال الصباني .. عشنا خلال الربع قرن الماضي ورشا جامعيا كبيرًا

بالإضافة إلى قانوني عام 2000 و2019، كان هناك عدد كبير من المراسيم والإصلاحات، خاصة في المجال البيداغوجي. ومن الإنصاف القول أننا عشنا الربع قرن الماضي ورشا كبيرًا في هذا المجال

 

لا شك أن فترة ربع قرن كافية لوضع توصيف للجامعة المغربية والتحصيل الجامعي في علاقتهما بأكبر الاشكالات التي تعرفها البلاد، أي حصيلة ترونها باعتباركم كاتبا عاما للنقابة الوطنية للتعليم العالي؟

الملاحظة الأولى التي يمكن للمغرب أن يفتخر بـها هي عدد الطلبة، حيث تطور العدد إلى ما يقارب من1.300.000 هذه السنة، أي أكثر من ثلث الفئة العمرية ما بين 18 و23 سنة. وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد يبدو متواضعًا نسبيًا للوهلة الأولى، إلا أنه يصبح مهمًا للغاية عند مقارنته بالأرقام السابقة، مثل تلك الخاصة بسنة 2000، عندما كان عدد الطلاب بالكاد في بلدنا 250 ألف طالب، أي أقل من 10% من الفئة العمرية المشار إليها أعلاه، أو تلك الخاصة بسنة 1956، عندما كان لدينا 353 طالبًا فقط!
إذا نظرنا إلى نتائج الجامعات الأجنبية والمدارس الكبرى الفرنسية، يمكننا أن نرى عدد الفائزين المغاربة بالجوائز في كل مكان وفي جميع التخصصات، وهو دليل لا جدال فيه على أن النجاح المغربي ليس كميا فقط، بل هو نوعي أيضا.
من ناحية أخرى،تميزت هذه الفترة بمسلسل من الإصلاحات، بدءًا من الميثاق الوطني سنة 1999، والقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي سنة 2000، والرؤية الاستراتيجية سنة 2015، والقانون الإطار في عام 2019، وعدد كبير من المراسيم والقرارات الخاصةبالأساتذة الباحثين وحكامة المنظومة.

عرفت الجامعة تحولات عميقة، من حيث روادها ومن حيث مناهجها وكذا التحصيل الجامعي الدولي ، أين وصلت جامعاتنا في المشهد الدولي؟

فيما يتعلق بتصنيف الجامعات، فما زلنا بعيدين كل البعد عن التصنيفات الجامعية، والسبب الرئيسي هو النموذج الفرنسي. في فرنسا، أسست «سلسلة من الاختيارات المتتالية، سياسية أكثر منها تربوية»، ثنائية في نهاية القرن الثامن عشر. يُجمع جميع المتخصصين، وخاصة الفرنسيين منهم، على أن «ازدواجية» التعليم العالي الفرنسي إلى قطاعين متوازيين، قطاع الجامعات وقطاع المدارس الكبرى، هي «الخطيئة الأصلية». وهي السبب الرئيسي في ضعفه حتى يومنا هذا. وهي السبب الرئيسي اليوم، الذي يجعل فرنسا ومستعمراتها السابقة تحتل بشكل عام أسفل جداول الترتيب الدولي

ما هي أهم التطورات القانونية والبيداغوجية والاكاديمية التي طرأت على الجامعة المغربية في فترة العهد الجديد ؟

بالإضافة إلى قانوني عام 2000 و2019، كان هناك عدد كبير من المراسيم والإصلاحات، خاصة في المجال البيداغوجي. ومن الإنصاف القول أننا عشنا الربع قرن الماضي ورشا كبيرًا في هذا المجال.

وما هي مساهمة الاتحاديات والاتحاديين في تطور الجامعة ومقاربة اوضاعها؟

الاتحاديات والاتحاديون لعبواويلعبون كطلبة دورا أساسيا في الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للطلبة وانخراطنا في النضال من أجل تقدم البلاد ودمقرطة مؤسساتها وبناء المجتمع الحداثي الذي تسود فيه العدالة الاجتماعية.
كما أن قطاع التعليم العالييلعب دورا أساسيا في النقابة الوطنية للتعليم العالي، التي اشتغلت كمنظمة ديمقراطية، تقدمية، وحداثية تدافع عن المصالح المادية والمعنوية للأساتذة الباحثين، كما ظلت تناضل من أجل إصلاح حقيقي لمنظومة التعليم العالي حتى تلعب دورها الطبيعي في التنمية الشاملة لبلادنا.

ما هي في تقديركم العراقيل التي تقف أمام وصول الجامعة الي مساهمة حاسمة في مسار البحث العلمي وتكوين الاطر ومسايرة الإرادة السياسة في قيام المغرب كقوة اقليمية ذات نفوذ علمي حاسم؟

يمثل المغرب مفارقة حقيقية عندما يتعلق الأمر بالتعليم العالي.
المفارقة الأولى هي كيف لبلاد كانت فاطمة الفهرية السباقة إلى تأسيس أول جامعة في العالم،جامعة القرويين سنة 859، أن تتراجع إلى ما كنا عليه في القرن الماضي؟
المفارقة الثانية تكمن في أنه رغم النجاح الكمي والكيفي ما زلنا بعيدين عن تحقيق طموحاتنا
المفارقة الثالثة هي بعدربع قرن من ورش الإصلاح لم نخرج بعد من هذه الدوامة
نحن أمام لغز كبير في هذا الصدد، وفي نظري المتواضع هناك سببان تاريخيان.
بالنسبة للسبب الأولي دفعنا مباشرةإلى البحث عما وقع في العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، وهنا لابد من الحديث عن قضية سادت وترسخت في مجتمعاتنا، وتمثلت في المحاربة الشرسة التي جوبه بها رجال العلم، ورجال الفكر والفلسفة في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر. فعلى امتداد هذه الحقبة، لاحظنا كيف تمت مواجهة الفلاسفة والمفكرين، وكمثال على ذلك ما وقع مع ابن رشيد من خلال الإقدام على حرق كتبه ومؤلفاته.
أما السبب الثاني فهو النموذج الفرنسي.
انطلاقًا من عدم الثقة في الجامعة، أنشأت الثورة الفرنسية»المدارس الكبرى» لتكوين الإطارات العسكرية والتقنية الرئيسية للدولة (مدرسة الفنون في عام 1747، ومدرسة المناجم في عام 1783، ومدرسة البوليتكنيك والمدرسة العليا للعلوم التطبيقية في عام 1794).فرنسا أغلقت الجامعات خلال الفترة الراديكالية للثورة الفرنسية (قانون 15 سبتمبر 1793) ولم تظهر الجامعات مرة أخرى إلا بعد قرن من الزمن (قانون 10 يوليو 1896)، وهي اللحظة بالذات التي فكرت فيها في إحداث مدارس ومعاهد.وكانت مبررات فرنسا لما قامت به، هي الحاجة إلى مواكبة التطورات الصناعيةوخاصة في الهندسة، في حين الجامعة آنذاك كانت مرتبطة بتكوينات تقليدية، لكن خلفيات هذا الإجراء لم تكن بيداغوجية أو علميه،بل الخلفيةكانت سياسة محضة، بحيث كان الهم الوحيد للحكام الفرنسيينهو القطع مع التكوينات التقليدية والمرتبطة بالأرستقراطية والكنيسة، بذلك اعتمدت فرنسا نظاما جديدا.

 

 * عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبي
الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي
الكاتب العام لفيدرالية الدولية للعاملين العلميين


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 29/07/2024