ربع قرن من دينامية فعالة وناجعة في تعزيز النزاهة وتخليق الحياة العامة

عند الحديث عن ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس، فإننا نتحدث عن مفهوم جديد للسلطة وعن عهد جديد مافتئ جلالته يشدد عليه حيث المسؤولية تقترن بالمحاسبة وأيضا السعي نحو تخليق الحياة العامة من خلال القطع مع ممارسات الماضي ومحاربة الفساد والحد من تفشي الرشوة.
ومواصلة لجهود المملكة المغربية في محاربة الفساد، تم في العهد الجديد تعزيز هذه الجهود وتقويتها من خلال المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الفساد، وهي الهيئة التي تم الارتقاء بها إلى هيئة دستورية مستقلة بموجب دستور المملكة المغربية لسنة 2011؛ إذ تم تعزيز اختصاصاتها وصلاحيتها والانتقال بها إلى مرحلة مكافحة الفساد؛ ولذلك تم تحويل تسميتها إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
إن إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يعتبر من بين الإنجازات الهامة التي أسس لها جلالة الملك محمد السادس؛ حيث تمت المصادقة على القانون رقم 46.19 الذي ينظم تأليفها واختصاصاتها ومساطر اشتغالها.
وإذا كان إنشاء الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يجسد انخراط المملكة المغربية في عزم المنتظم الدولي على خلق آليات للتعاون من أجل القضاء على الفساد كظاهرة عابرة للحدود؛ فإن ما يميز مجهودات المملكة المغربية في العهد الجديد كونها جعلت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ليست المؤسسة الوحيدة التي تختص بمحاربة الفساد، بل جعلتها تشتغل في نسق مؤسساتي متكامل، ينبني على الاستقلالية والتعاون والتوازن في ما بينها؛ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر المجهودات التي تقوم بها المحاكم المالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية وباقي المفتشيات القطاعية التي تقوم بمهام التدقيق والتفتيش؛ والتي تكتشف من خلالها عن بؤر الفساد؛ الأمر الذي يمكن رئاسة النيابة العامة من إجراء الأبحاث التمهيدية، بالتعاون مع المديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي في مجال الضابطة القضائية، وتسطير المتابعات القضائية وتقديمها أمام السلطة القضائية؛ وكذلك الدور الذي تقوم به الوكالة القضائية للمملكة والوكيل القضائي للجماعات الترابية، من خلال حماية الممتلكات العمومية، واسترجاع الأموال العمومية في جرائم الفساد، باعتبارهما يقومان بدور المحامي العام المدني للدولة، كل حسب اختصاصاته.
إن هذا النسق المؤسساتي الأصيل والمتكامل، سيساعد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها باعتبارها حديثة العهد على تعزيز قدراتها وتقوية آليات اشتغالها من خلال بناء جسور التعاون مع باقي السلطات والهيئات الدستورية والحكومية الفاعلة في مجال مكافحة الفساد.
لقد نص دستور سنة 2011 في عدد من بنوده على دعم الآليات التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية وتعزيز الحكامة الجيدة ومكافحة كل مظاهر الفساد من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة.
تركز عدد من التقارير على أهمية القضاء على الرشوة كمتطلب أساسي لتعزيز عجلة التنمية، وهذا يعكس التقرير الصادر عن لجنة النموذج التنموي الجديد. يشدد التقرير على ضرورة «محاربة الرشوة على جميع المستويات»، لأنها تعتبر مصدرًا للتعسف وانعدام الحماية لدى المواطنين.
المغرب في ظل حكم جلالة الملك عرف تطورا جذريا في التعامل مع مثل هذه الإشكاليات، من خلال خلق مؤسسات الحكامة والتي تهدف إلى تنفيذ سياسات مكافحة الفساد، والمساهمة في تحسين الحياة العامة، وتعزيز مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة الخدمة العامة وقيم المواطنة المسؤولة.
التوجيهات الملكية في هذا الشأن عجلت بفتح ورش محاربة الفساد من خلال توفير الآليات اللازمة لضمان التأطير القانوني للشكاوى والتبليغات وإجراء الأبحاث والتحريات، بالإضافة إلى إعداد التقارير والتوصيات.
المغرب في العهد الجديد، حقق تقدمًا كبيرًا في مجال مكافحة الرشوة من خلال تعزيز قيم الشفافية والنزاهة، واعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. هذه الإجراءات تساهم في زيادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات، وفي الحفاظ على الممتلكات العامة، ولهذا اتخذ نهجًا استباقيًا في مكافحة الرشوة، وأنشأ آليات لتلقي الشكاوى والتبليغات بشأن الرشوة والفساد، مما يعكس التزامه بالسياسة الجنائية الحازمة، في هذا الصدد تم إطلاق الخط الأخضر للتبليغ، وهو آلية أسستها رئاسة النيابة العامة في المغرب، وتستخدم لاستقبال شكاوى وتبليغات المواطنين حول الرشوة ومختلف أشكال الفساد.
تم تجهيز هذا الخط بجميع الوسائل التكنولوجية اللازمة لضمان فعالية الاستجابة والتعامل السريع مع البلاغات المتعلقة بالفساد لتحفيز المواطنين على المشاركة في جهود مكافحته، ويعد هذا النهج استباقيًا وفعالًا في بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن.
بفضل الخط الأخضر، يتمكن المواطنون من التبليغ بسهولة وأمان عن أي حالة يشتبهون فيها بوجود رشوة أو فساد، مما يساهم في تعزيز الحكامة الجيدة وتحقيق مكاسب هامة في مجال مكافحة الفساد في المغرب.
لن أدخل في لغة الأرقام لإبراز أهمية ورش محاربة الرشوة وحصيلة تدخلات الخط الأخضر لأن الأمر يتعلق باستراتيجية وطنية بعيدة المدى وتتطلب وقتا ليصبح التبليغ عن الرشوة سلوكا عاديا في المجتمع…

(*) عضو المكتب السياسي
(*) عضو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية
من الرشوة ومحاربتها


الكاتب :   عبد المنعم محسيني(*)

  

بتاريخ : 01/08/2024