شواطئ الجديدة في الحاجة إلى بنيات تحتية تعيد لها جاذبيتها

تتوفر على مميزات طبيعية يمكنها أن تجعلها قبلة مستقطبة لعدد أكبر من السياح

تمتد شواطئ الجديدة على أزيد من مائة كيلومتر على الساحل الاطلسي، من جماعة البئر الجديد إلى مشارف الواليدية، وتتميز أغلبها بجمالية طبيعتها ونقاوة مياهها رغم أن بعضها مازال لم يستكشف بعد، فيما لايزال بعضها عرضة للإهمال.

 

تعتبر شواطئ الحوزية، سيدي بونعايم الجديدة، سيدي بوزيد، سيدي عابد، من بين أبرز الشواطئ بالإقليم، نظرا للمكانة التي تحتلها على الصعيد الوطني، في حين يصل بعضها إلى درجة «الدولي» في منتجعات أخرى. ولأن
«الاتحاد الاشتراكي» دأبت كل سنة على التطرق لأخبار الشواطئ لاستكشاف ما تم إنجازه بها، فقد تم الحفاظ على هذا التقليد المهني، خاصة وأن «اصطياف 2024» تحولت معه بعض شواطئ الإقليم الى بقع مستباحة من طرف بعض الجهات، لدرجة «خوصصة» بعضها حيث تمنع فيها السباحة إلا بالمقابل، فيما حراس المواقف يفرضون أثمنة خيالية، وأثناء التشكي يجد المرء جوابا واحدا «إنه الصيف»؟

شاطئ الحوزية.. 18 سنة من «اللواء الأزرق»

أصبح اسم محطة الحوزية متداولا اليوم وسط رجال الاعمال والمؤسسات السياحية الكبرى والشركات العالمية المختصة في الفندقة والسياحة، نظرا لما تحتضنه هذه المنطقة من مؤهلات، وهي التي كانت إلى حدود الأمس القريب مفتقرة لكل التجهيزات، حيث تعتبر اليوم من بين أجمل المصطافات على المستوى الاقليمي نظرا لجودة المياه وشساعة الشاطئ، وتعرف إقبالا كبيرا من طرف زوار الجديدة أو سكانها، اضافة الى توفرها على البنيات التحتية من أماكن النظافة، مراحيض، رشاشات…
تضم الحوزية أكبر تجمع من المخيمات التابعة لبعض الجماعات والقطاعات الوزارية ، والجمعيات التربوية الوطنية…، وقد ظلت قبلة لعدد من الزوار الذين يفوق عددهم 100000 نظرا لتوفرها على بنية أساسية ممتازة، إذ تم تهيئ العديد من الكيلومترات وذلك بتبليطها، كما تم بناء المرافق الصحية الخاصة، وذلك من أجل النهوض بالميدان السياحي، وهو الشاطئ الذي ظل محافظا على العلامة الزرقاء، علما بأن العديد من المؤسسات الاجتماعية والمالية ظلت تدعم الجماعة من أجل الحفاظ على نظافة الشاطئ والرقي به الى مصاف الشواطئ الدولية، حيث يعمد المسؤولون الجماعيون والفعاليات الجمعوية إلى القيام بالعديد من الأعمال التي تمكن هذا الشاطئ من احتلال المراتب المتقدمة أثناء عمليات التصنيف. كما أن تنشيطه تقوم به جهات محترفة تقدم منتوجا جيدا للزوار والمرتفقين بعيدا عن برامج الخشب وموسيقى الضجيج.

الواليدية ..»بحيرة الاستثناء»

تعد منطقة الوليدية من بين أبرز المنتجعات السياحية الشاطئية الوطنية، نظرا لما توفره الطبيعة من ثروات بيئية هائلة، أسيء استغلالها في العقد التسعيني من القرن الماضي. وتأسست الوليدية سياحيا على يد الأجانب، خاصة الفرنسيين، خلال فترة الحماية، واستمر حضورها مع المغاربة خلال بداية العقد الستيني حتى اليوم، هؤلاء من أبناء آسفي ومراكش والبيضاء والجديدة يذكرون جيدا الوليدية المنتجع والطبيعة والهواء والماء، كما كانت ركنا بحريا صامتا للمصمم العالمي إيف سان لوران الذي كان يقصدها خلال فترات فصل الشتاء والخريف.
لقد ظلت الوليدية قبلة لمشاهير العالم، من عالم السينما والمال والأعمال … وهي اليوم ليست كالبارحة، فقد شهدت «هروب» العديد من زوارها الأوفياء، بسبب بعض مظاهر الفوضى المرتبطة بالتجارب الفاشلة في العمل الجماعي، مما جعلها تتراجع أمام ضغط النمو الديمغرافي وأيضا السياحي الذي سرّع ظهور السكن العشوائي ولوبيات العقار، وكان من نتائج ذلك تضرر المجال الغابوي، سواء عبر التوسع العمراني أو الإضرار بخشب الأوكاليبتوس.
ومعلوم أن منطقة الوليدية شهدت في السنين الأخيرة العديد من المشاريع العمرانية والسياحية الفاخرة التي تصل تكلفة المبيت لليلة واحدة في أحد الفنادق بها إلى 6 آلاف درهم للفرد… وتعتبر منطقة بحرية بامتياز، مازالت تنتظر هيكلة قطاع الصيد البحري التقليدي، مع تشجيع المستثمرين الخواص على مستوى الخدمات، وتشجيع ودعم الاستثمار السياحي ومراقبته على مستويات الجودة، واحترام معايير النظافة، إضافة إلى الحاجيات التقليدية البسيطة التي لم تستطع الجماعة توفيرها بشكل لائق، من نظافة وإنارة وطرقات ومجاري تصريف المياه.
تكتسب الواليدية شهرتها من بحيرتها التي تمنحها الاستثناء، فهي تعد مسبحا جادت به الطبيعة على المنطقة لتخرجها من طابعها الفلاحي وترمي بها في أحضان سياحة مرتكزة على البحر وما يرتبط به من أنشطة ورياضات مائية تستقطب مولعين بها من داخل المغرب والخارج، هذه البحيرة، تضخ فيها مياه بحرية من أمواج تبدو هائجة وصاخبة، قبل أن تتكسر على صخور محيطة بالبحيرة، وتدخل من مدخل بحري صغير، يحولها إلى مياه هادئة تمكن البحيرة من تجديد مياهها باستمرار، فزادت جغرافية المكان البحيرة روعة، حين أحاطتها الطبيعة بجبال صخرية عالية، حوّل مستثمرون البعض منها إلى مركبات سياحية شبه معلقة، ما مكن من رفع الطاقة الاستيعابية للوافدين عليها خاصة في فصل الصيف.
وعلاوة على البحيرة، يوجد الشاطئ رغم صغر مجاله المائي، ويعد الموقعان، من أكثر المجالات البحرية استقطابا للمصطافين، ذلك أن البحيرة شكلت سندا طبيعيا أساسيا لتثمين الشاطئ. روعة البحيرة تزداد بطيورها المهاجرة التي ترحل إليها من أماكن قصية من المعمور. كما أن المخطط الملكي لحماية الواليدية، رصد قبل عشر سنوات استثمارات مهمة للحفاظ على بحيرتها من التلوث، خاصة الحد من فضلات القطيع الحيواني الذي اعتاد فلاحون إطلاقه بمحيط البحيرة، وذلك بإحداث مراع كبيرة على مساحة ألف هكتار عن طريق زرع نبتة كلئية تدعى «الكضفة» تبقي على القطيع بالأراضي الفلاحية بدل مهاجمته البحيرة.

سيدي عابد شاطئ واعد ضمن «مخطط بلادي»

يقع شاطئ سيدي عابد على بعد 32 كيلومترا جنوب الجديدة على الطريق الساحلية الرابطة بين الجديدة والواليدية، ويعتبر من أجمل الشواطئ بالشريط الساحلي، فهو يتوفر على خليج بحري وشاطئ برمال ذهبية، يجذبان الزوار والسياح من كل مناطق المغرب، سيما أنه وجد في منطقة فلاحية، توفر الخضر والفواكه الموسمية، فينوع مصطافوه بين السياحة القروية والشاطئية.
وسيعرف هذا المركز مستقبلا افتتاح منطقة سياحية تدخل في باب «مخطط بلادي» الرامي إلى تنمية السياحة الداخلية، حيث أكدت المصادر التي التقتها «الاتحاد الاشتراكي»، أن محطة «سيدي عابد» السياحية، تقع على مساحة 40 هكتارا وخصص لها غلاف مالي استثماري، يصل إلى 461 مليون درهم، وتبلغ سعتها الإيوائية، حسب البطاقة التقنية، 5700 سرير، موزعة على شكل إقامات فندقية أفقية وعمودية إلى جانب توفير إقامات سكنية ومخيمات تتسع لاستيعاب ألفي شخص، بالإضافة إلى مرافق رياضية وتجارية وترفيهية، قد تساهم في تنمية المنطقة باعتبارها محطة سياحية مستقبلية.
وحسب المصادر نفسها، فإن المشروع اعترضته عدة مشاكل ترتبط أساسا بالرهون والاعتراضات على نزع الأراضي، وقد تمت تسوية جزء كبير من الوعاء العقاري وفصله عن الملك الغابوي، وتنازل مديرية المياه والغابات لفائدة الدولة.

سيدي بوزيد.. منتجع بمواصفات دولية

يوجد شاطئ «سيدي بوزيد» على بعد ثلاث كيلومترات من الجديدة ويتميز بنظافة شاطئه ومياهه، يقصده المصطافون من كل المناطق، خاصة من مدينة مراكش. وإذا كانت المنطقة تعرف إقبالا فلأنها، عكس بعض الوجهات الشاطئية، تعتبر في متناول كل الأسر والميزانيات، إذ بالموازاة مع الفيلات المعروضة للكراء بأسعار نسبيا مرتفعة 500 درهم فما فوق لليوم الواحد، فإن هناك شققا ومنازل يضطر أصحابها لكرائها للزائرين خلال فصل الصيف، بأسعار تتراوح بين 300 و500 درهم في اليوم، حسب الموقع والتجهيزات، كما يمكن للراغبين في الاستمتاع بهذا الشاطئ الكراء بالجديدة بأسعار في المتناول، والتوجه نحو سيدي بوزيد، سواء بالسيارات الشخصية أو من خلال الطاكسيات.
يتعين التوجه باكرا إلى شاطئ سيدي بوزيد، إذ كلما اشتدت الحرارة يكثر عليه الإقبال ويصبح من الصعب إيجاد مكان مناسب، خاصة بالنسبة إلى الأسر التي لها أطفال صغار تتعين مراقبتهم وهم يلعبون بالشاطئ أو يستحمون. ويوفر الشاطئ مرافئ لممارسة الرياضات البحرية مثل ركوب الأمواج، وتستمر الأنشطة الترفيهية إلى ساعات متأخرة من الليل، إذ زود الشاطئ بكاشفات ضوئية تسمح للمصطافين بالتجول بالشاطئ ليلا والاستمتاع بالأنشطة الفنية.
من جهة أخرى، تتنوع العروض في ما يتعلق بالتغذية، فهناك بعض المطاعم المعروفة بتقديم أطباق من السمك، خاصة أن المنطقة لا تبعد عن الميناء ويوجد العديد من الصيادين، الذين يفضلون بيع محصولهم من الصيد مباشرة إلى هذه المطاعم، التي تتفنن في تقديم المنتوجات البحرية في أطباق متنوعة.
ويتميز شاطئ سيدي بوزيد بكونه عبارة عن خلية صغيرة به شاطئ رملي يمتاز برماله الذهبية حيث يتجاوز طوله 1400 متر محاطا بأجراف صخرية، إذ أنه عبارة عن نصف دائرة. ويمتاز شاطئ سيدي بوزيد بزيارات بعض العائلات التي تفضل قضاء اليوم به والعودة الى منازلها بالجديدة والنواحي ليلا. وبالنسبة لمشكل الأمن فلم يعد هذا الأمر مطروحا، حيث تمت الزيادة في عدد رجال الدرك، فيما يبقى عدد حراس ومعلمي السباحة قليلا، كما أنهم يفتقدون الى أدوات العمل. وتبقى ممارسة رياضة الدراجات المائية من بين الوسائل التي تشكل الى حد بعيد خطرا على المصطافين خاصة وأن بعض الشباب المتهور يغامر أثناء ممارسة هذه الرياضة التي ينشط أصحابها أحيانا دون تراخيص؟

الجديدة .. ركود سياحي واقتصادي في انتظار الزوار؟

مرت أسابيع شهر يوليوز وظلت الجديدة تعيش على فراغات بيضاء حتى أنك تجد التشكي في كل الامكنة، لدى التجار وأصحاب الشقق المعدة للاصطياف، علما بأن عتبة الكراء لم تتعد هذه السنة 300 درهم في شقق كان ثمن كرائها لا ينزل عن 600 درهم ؟ وتبقى الميزة الأساسية التي عرفها شاطئ الجديدة خلال هذا الصيف هو رسم خريطة «ضعيفة» لشيء اسمه التنشيط الصيفي؟
لقد أصبح الشاطئ اليوم في حاجة ماسة الى اصلاح جذري يعيد له بسمته ويصالح أبناءه معه ، بعيدا عن تزليج وتبليط يكلف مالية المؤسسات الوطنية أموالا طائلة. ويتميز هذا الصيف بمحاربة احتلال الشاطئ من طرف اصحاب المظلات وتقسيمه الى ثلاثة قطاعات.. الا ان الجديدة التي كانت تمتلئ عن آخرها في الاسبوع الثاني من يوليوز ظلت الى حدود الاسبوع الثالث منه دون زوار، إذ كان معتادا أن تمتلئ عن آخرها في الاسبوع الاخير منه مما يؤدي الى ارتفاع أثمنة الكراء، بينما الفنادق المصنفة تكون الحجوزات الى آخر شهر شتنبر، علما بأن الجديدة بدأت تسترجع بعضا من بريقها على مستوى السياحة الخارجية.
ويبقى مشكل الشقق المفروشة المهيأة لكل شيء مشكلا أساسيا يسيء الى سمعة المدينة أحيانا مما يستوجب محاربة هذه الظاهرة والعمل على تنظيم سوق السياحة الشعبية. كما تبقى نقطة سلبية أخرى شائنة هي تدني خدمات النظافة حيث اضحت الازبال تحتل كل الامكنة بدءا من وسط المدينة وانتهاء بباقي الاحياء خاصة الجديدة منها، فيما الاحتلال المفرط للعديد من الازقة والشوارع من طرف «شوايات السردين» بنصب خيام كبيرة، يعرقل حركة المرور ويمنع تحقيق الانسيابية المطلوبة
تعيش شواطئ الجديدة على غرار باقي  شواطئ  المدن السياحية جهة الدار البيضاء- سطات ركودا سياحيا غير معتاد هذا العام، في ظل إقبال ضعيف من طرف السياح على العرض السياحي. ويؤكد العديد من الفاعلين في القطاع السياحي وممتهني الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالسياحة أن الإقبال على خدماتهم هذه السنة ما زال في مستويات متواضعة مقارنة مع الأعوام الماضية التي شهدت إقبالًا كثيفًا.
بمدينة الجديدة، التي تعد واحدة من أكثر الوجهات السياحية نشاطا خلال فصل الصيف، يبدو المشهد مختلفا هذه السنة، حيث تعاني الفنادق والمطاعم والمقاهي من نقص حاد في عدد الزبائن. إذ ان الوضع بمدينة الجديدة دون التطلعات المنشودة، فإن الأمر لا يختلف كثيرا في القرى الشاطئية التي تعتمد فئة واسعة من أهاليها على الأنشطة الموسمية التي ينعشها فصل الصيف. فعند مداخل مدينة الجديدة، يصادف المسافر نساء وشباب وهم يلوحون بمفاتيح، معلنين عن وجود شقق ومنازل للكراء. هو مشهد يتكرر بوسط المدينة إلا أن هذه العروض لا تكاد تجد استجابة من قبل زوار المدينة ، الذين يبدو أنهم غير معنيين بهذه العروض.
وفيما تربط العديد من التحليلات الوضع الحالي للسياحة على مستوى مدينة الجديدة بتبعات الظرفية الاقتصادية التي تعاني منها فئة كبيرة من أفراد الطبقة المتوسطة، لا سيما بعد الارتباك الذي طال ترتيبات العديد من الاسر لقضاء العطلة الصيفية بعد صرف أجور شهر يونيو مبكرا بمناسبة عيد الأضحى، فإن هذا الوضع يعزو إلى المنافسة التي باتت تشكلها وجهات سياحية جديدة بجنوب المملكة.
وفي غياب معطيات رسمية بشأن أداء القطاع السياحي خلال هذه الفترة حتى الآن، تشير العديد من المؤشرات إلى إقبال كبير على وجهات سياحية أخرى لا سيما بمدينة مراكش وأكادير، إضافة إلى وجهات جديدة على رأسها مدينة الداخلة التي أصبحت تستقطب عددًا متزايدا من السياح بفضل جمال طبيعتها وتنوع أنشطتها السياحية، مما يجعلها خيارا مفضلًا للعديد من الزوار المغاربة. والأجانب.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 05/08/2024