الكراسي المتعددة

في مسار حياة الناس تنجلي حقيقة طباعهم وخلفيات سلوكهم. تختفي كل إشارات الجدب والاستعلاء، عند رصد ردود فعلهم ومواجهتهم بما هم فيه مختلفون مع محيطهم، أو ما يدعون أنه يميزهم ويحصن مكانتهم الاجتماعية. في مجموعته القصصية « كرسي الزعامة « يعرض الأستاذ عثمان المنصوري نماذج بشرية من أوساط مختلفة، سعت في مسارها إلى تحقيق تميز موشوم باستعلاء الواثقين من قوة التأثير وترسيخ النفود.
الحاج مراد، الذي أفقده التقاعد صولة الكرسي وسلطة إصدار الأوامر وكل مظاهر الجاه، لم يقو على تدبير شؤون يومه ككل الناس وأصبح مثار استهجان حيثما بدا له أن يكون صاحب سلطان.
الحاج علي أبجاو المحتسب، يكشف ألأعيب بعض التجار وكيف يعتمدون أساليب الغش في تنمية ثروتهم واستغلال حاجة الزبناء واستسلامهم. يعمل على التشهير بكل المخالفين وفضح عمليات التدليس وإلزامهم بالشفافية في التعامل واجتناب كل أساليب النصب.
الدكتور عبد العالي الزين الأستاذ الجامعي، لم يخف امتعاضه أثناء مناقشته لأطروحة أحد طلبة الدكتورة، مما أقدم عليه هذا الطالب من نسخ لأفكار وتصورات لباحثين دون الإشارة للمراجع التي اعتمدها أو ذكر اسم أصحابها. أثارت ملاحظاته، التي أبرز من خلالها لا جدية الطالب، جدلا بين الأستاذ المشرف ولجنة المناقشة، التي أقرت في النهاية منح الطالب شهادة الدكتورة مع ما اعترى كل ذلك من تجاوزات.
السي الفاطمي يغيظه ما أثير من ملاحظات، حول البحث الذي تقدم به ابنه الطالب لنيل شهادة الدكتورة، بعد ان عرض أستاذ من لجنة المناقشة فقرات منقولة من نصوص دون الإشارة لأصحابها. غضب الأب أثار انتباه الحضور وحاول البعض تهدئته وهو يوجه اللوم إلى ابنه، الذي استنكر ملاحظات الأساتذة واعتبرها مبالغة مفرطة في التقدير السلبي لكل ما قام به من جهد في البحث.
الدكتور مبشور يفاجأ بإقالته من عمادة الكلية، يصل إلى مقر عمله ليجد في مكتبه من أصبح يشغل منصبه، والكل يعامله كعميد سابق لا سلطة له على من كانوا بالأمس تحت إمرته.
زواج الزوهرة المتأخر برجل معاق، كان نتيجة عدم تركيزها عند عرض جسدها لسبع موجات على شاطئ الولي الصالح سيدي عبد الرحمان، عندما لجأت لممارسة طقس يفك في اعتقادها سبب عنوستها. وكذلك كان، فما إن أكملت السباحة وغادرت الشاطئ، حتى قابلها رجل من دوي الاحتياجات الخاصة، يطلب منها أن تقبل به كزوج. عقدت قرانها وهي واثقة بأنها لم تنجز الشعائر بشكل المطلوب، لم تعرض جسدها لسبع موجات كما هو في الاعتقاد، فكان عدم تركيزها هو السبب في الاستجابة ناقصة.
تكشف بعض العلاقات نزوع أشخاص لتصدر الواجهة والحرص على أن تكون كلمتهم هي الفصل في أي نقاش أو جدال، تدفع بالبعض إلى اعتماد كل الأساليب لإقصاء منافسيه وكل من يتربع على كرسي الزعامة. لا يهم ما يكلف ذلك من مواجهات ولا ما تقتضيه الحالة من تشنج وانفعالات، المهم هو احتلال الصدارة وموقع الكبير الذي لا ترد كلمته.
هي كلها سلوكيات تثير الانتباه وأحيانا الغيظ والاشمئزاز، لا تستقيم والعلاقات السوية، ولا تأخذ في الاعتبار ردود فعل الآخرين وما تخلفه من تأثير سلبي في محيطها.
هي مجموعة من القصص والحكايات صيغت بأسلوب ساخر، يكشف الكامن من الأفكار حول الذات في علاقتها بالآخرين، ونزوع التعالي عن كل ما يقابلها من ازدراء واستصغار لغرابيتها، وخروجها عن المألوف وكل ما يستقيم والعيش المشترك. كما تقود السذاجة البعض إلى الايمان المطلق بكل ما يحكى ويشاع، ويتخذ الخرافة كحقيقة لا يطالها الشك أو ينقصها البرهان.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 10/08/2024