تخللتها عروض ثقافية ووصلات غنائية ملتزمة : زجالون وشعراء وكُتَّاب كلمات محليون يلتئمون في أمسية نظمتها «رابطة المبدعين» بخنيفرة

في أول نشاط له من نوعه، نظم فرع خنيفرة ل «رابطة المبدعين العرب»، مساء السبت 10 غشت 2024، في ضيافة غرفة الصناعة التقليدية، أمسية زجلية شعرية بمشاركة مبدعين محليين، بينهم كتاب كلمات أغاني الفنان الراحل محمد رويشة، حلقوا بقصائدهم في فضاء القاعة بين الشعر العربي الفصيح والزجل الأدبي والغنائي، حين اختار المنظمون «الانفتاح على كل الأجناس الأدبية واللغوية والثقافات المغربية المختلفة»، على حد تعليق أحدهم، فيما تزينت الأمسية بوصلات غنائية ملتزمة، فضلا عن مداخلات ونقاشات، في حضور نوعي من مهتمين بالشأن الثقافي لم يفت المنظمين توزيع شهادات المشاركة عليهم جميعا.
الأمسية التي تميزت بإدارة فاعلة ل «مدمنة حرف»، الشاعرة خديجة بوعلي، افتتحت بآيات بينات بلسان المنشد سعيد بنسلال، ثم بكلمة لرئيس فرع الرابطة، الزجال سعيد بوطارين، الذي وضع الحضور في دلالة اللقاء الثقافي، مع ترحيبه بالمشاركين والحاضرين، فيما تقدم بشكره للمساهمين في تنظيم وإنجاح هذا اللقاء، ومعبرا عن «إصرار رابطته على رفع تحدياتها بغاية ضمان الاستمرارية وكسب الرهانات المرسومة»، دون أن يفوت صاحبة ديوان «لحظات معراج»، الشاعرة خديجة بوعلي، التذكير بما تزخر به العاصمة الزيانية من «أقلام وكفاءات، ومن مبدعين تجاوزوا المدى بمختلف المجالات والألوان والأجناس الإبداعية».
وأمام حضور الكاتب والأديب الدكتور امحمد امحور، صاحب رواية «عبور بنكهة اللوز»، والمجموعة القصصية «سمفونية المفاتيح»، وكتاب «تجليات حداثية في النقد والإبداع» وغيرها، أصرت مسيرة اللقاء على «استدراجه» للمشاركة في اللقاء بواسطة مجموعة من الأسئلة حول راهن الشعر المغربي المعاصر؟، ومدى انفتاح المغرب الأمازيغي على جميع الثقافات؟، حيث انطلق الكاتب المذكور بحديثه عما يعج به المغرب من شعراء وزجالين، وما عقد حول مسألة الشعر من لقاءات، ليقف عند ما أسماه بالإبداع الرقمي ومدى غزوه للساحة الثقافية المعلوماتية، وما ساهم فيه من ارتفاع على مستوى المدونين والانتاجات الغزيرة، سواء باللغة العربية أو الأمازيغية.
وفي ذات السياق، شدد الدكتور امحمد امحور على «ضرورة إعادة كتابة الأدب المغربي»، و»الرد على المشرق الذي ظل يصف هذا الأدب بالتابع له عبر مقولة «بضاعتنا ردت إلينا» التي قالها الصاحب بن عباد عندما بلغه كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه، وبأن الإبداع المشرقي هو السابق على المغربي، لجعل الأدب المغربي تلميذا للمشرقي، فيما حرص المتدخل على دعوة الجامعة المغربية إلى «العمل على إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالأدب المغربي وتصنيف تاريخه»، كما نصح بضرورة «الاعتماد على المحلي كباب للعالمية»، قبل توقفه عند ما تكتنزه الثقافة الأمازيغية من إرث ثقافي وأدبي غني.
ومن جهته، حضر اللقاء الأرشيفيست والباحث في الفن الأمازيغي، صاحب كتاب «محمد رويشة: المرتجل العبقري»، وشارك بمداخلة قيمة حول جوانب خفية من حياة فقيد الأغنية الأمازيغية الأطلسية، محمد رويشة، وحول الذين اكتشفوا هذا الفنان الأسطورة وفتحوا له الباب، والذين دعموه بالكلمات التي أخذت بيده من المحلي إلى العالمي، من أمثال عبدالعزيز أمزيان، حسن كورياط، أحمد هيبة، الحسين العازيز، محمد باجي، محمد شراف وغيرهم من حوالي 78 كاتب كلمات، بينما لم يفت المكي أكنوز الكشف عن ظروف بلوغ محمد رويشة للشهرة انطلاقا من منصة مسرح محمد الخامس، وكذا عن وصول صيته للقصر الملكي ولقائه بالملك الراحل الحسن الثاني. وافتتحت لحظة الزجل والشعر بالزجال صاحب ديوان «التراب لحمر»، حسن كورياط (طنان)، الذي تلا مجموعة من قصائده التي غناها الفقيد محمد رويشة ما بين 1981 و1988، من قبيل «شحال من ليلة»، «حارو عينيك»، «ليل ليل»، «بين البارح واليوم»، ثم قصيدة «الدمعة سخونة» التي تناولت معاناة الشعب الفلسطيني، و»قبة الشيخ» التي استحضر فيها ما تعرفه بعض المواسم من طقوس وخرافات، كما حضر كاتب الكلمات عبدالعزيز أمزيان متأبطا لقصائد زجلية استهلها بقصيدة «نفتخر براسي مرفوع» التي عبر فيها عن روح وطنيته، ليتلو قصيدتي «علاش تخمم» و»يا اللي راك وحداني» اللتين كانتا من أولى أغاني محمد رويشة خلال مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
أما «شاعر الضفة الأخرى»، قاسم لوباي، صاحب مجموعة كبيرة من الدواوين المكتوبة بلغة موليير، من بينها مثلا «أشعار في المنفى» و»حوار مع الليل»، فقد غيبته ظروفه الصحية المعروفة عن المشاركة المبرمجة، إلا أنه أبى إلا يبعث برسالة اعتذار شرح فيها أسباب «عدم وفائه بالوعد»، وأكد «استمراره في مسيرته الشعرية» بعبارة «أن القارب سيواصل رحلته دون الحاجة إلى الرياح»، وأن «كلماته لن تنطفئ طالما هناك مناسبات أخرى مواتية لتدارك الأمر»، وهي الرسالة التي تلاها نيابة عنه رئيس فرع الرابطة، وبعده حضر الزجال شفيق الإسحاقي خليد بقصيدة وطنية وثانية بعنوان «من قلب الأطلس» وثالثة تحت عنوان «الشمعة».
وبدوره، شارك المهتم بالتراث والأغنية الأمازيغية، خالد زيواني، بقصيدة «من أنا؟»، اعتبرها من كينونة الإنسان عبر موقعه الوجودي، ثم قصيدة «مشيئة الزمن» وأخرى حاول الإفصاح فيها عن المصير المجهول للإنسان، فيما شارك الزجال سعيد إسماعيلي بقصائد مختلفة استهلها بواحدة وطنية وثلاث موسومات بعناوين «ما تبقى»، «الإحساس» و»لمن تمنح ودّك»، فيما اختار الزجال سعيد بوطارين المشاركة بقصيدة وطنية أعرب فيها عن حبه للوطن، وبعده الشاعرة خديجة بوعلي التي أمتعت اللقاء بباقة قصائد من ديوانها «سيمفونية حنين» الذي قال عنه الناقد عبدالرحمان الصوفي بأن قصائده «تتماهى في كل الأماكن المفتوحة والمغلقة لتتحدى الواقع».
ومن بين الذين تميز اللقاء بحضورهم، المسرحي والفنان والفاعل المدني، إدريس جبور، الذي أخذه الحنين لقلعته الحمراء خنيفرة، وجاءها متأبطا قيتارته التي صاحب بها أغنيتين قام بأدائهما بإيقاع عاد بذاكرة الكثيرين إلى الزمن الطلابي الجميل، حيث غنى قصيدة «بِشارة» لكاتبها محمد الراجي، وقصيدة «ميريكان»، من تلحينه بنكهة الفنان الخالد الحسين السلاوي، فيما لم يفت الدكتور امحمد امحور تلاوة قصيدة مطلعها «ينتابني القصيد خلسة»، وتفوح أسطرها بأنين غزة الجريحة، بينما تقدم أحد الحاضرين، سعيد البوزيدي، بورقة حول واقع الورق والحبر في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، ليختتم اللقاء بأغنية للراحل محمود الإدريسي من أداء فاطمة الصديقي.
وخلال فتح باب المناقشة، حرص الناقد والفاعل الثقافي، سي محمد عياش، على التدخل بكلمة حول علاقة القصيدة الزجلية بالأغنية الشعبية، والوقوف عند خصائص أدب الزجل ومفاهيمه وقواعده، ورواده من أمثال الطيب لعلج وأحمد لمسيح وإدريس بلعطار واحميدة بلبالي، كما عند كتاب الكلمات الذين تعاملوا مع الفنان الفقيد محمد رويشة، وما أثاره عدم ذكر هذا الأخير لأسمائهم في أغانيه من تساؤلات، دون أن يفوت سي عياش، بأسلوبه المعتاد، استعراض بعض التصورات والمقترحات التي يجب على عشاق الكتابة الشعرية والزجلية التسلح بها، مع مطالبته ببرمجة قراءات في أعمالهم، ودعوته إياهم للإكثار من القراءة والقبول بالنقد البناء لأجل تطوير العمل واللغة والتجربة.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 14/08/2024