تم تتويجها بندوة حول التراث والحكاية والعملة والطابع البريدي
بشراكة مع «مجموعة بريد المغرب»، وتنسيق مع «جماعة خنيفرة» و»جمعية النور للتجار والحرفيين» و»الجمعية الملكية للطوابع والمسكوكات»، نظمت «جمعية أطلس للمحافظة على التراث واللامادي»، بخنيفرة، فعاليات «المعرض الوطني الأول للطوابع البريدية والمسكوكات والتحف»، والذي احتضنها مقر جماعة خنيفرة، تحت شعار «الطابع البريدي والعملة رمزان للسيادة والوحدة الوطنية وتجسيد للتراث المادي واللامادي»، حيث شملت معرضا متميزا للطوابع البريدية والمسكوكات والنقود والتحف التراثية، والصور النادرة من أرشيف تاريخ مدينة خنيفرة، ثم ندوة علمية بمشاركة مختصين ومهتمين في المجالين التراثي والثقافي.
وفي هذا الإطار، افتتحت فعاليات الملتقى بمعرض للطوابع البريدية والمسكوكات المختلفة والصور النادرة، ما مكن الزوار والمدعوين من اكتشاف سلسلة من الطوابع البريدية التي اعتبرها الجميع من الأشياء التي تؤرخ لذاكرة وثقافة وتاريخ المجتمع المغربي٬ ولمراحل متعددة من تاريخ المغرب، وبينها التي تم إصدارها في مناسبات وذكريات خاصة، وأخرى توثق لوقائع تاريخية وأحداث بارزة ومناسبات استثنائية ومحطات حاسمة، من خلال إعادة إنتاجها في صور ناقلة لثوابت المملكة وخصوصياتها ومعالمها وثرواتها ورموزها الوطنية والحضارية والثقافية والمعمارية والتراثية والطبيعية والبشرية.
كما تعزز فضاء معرض الطوابع البريدية بصور نادرة من تاريخ مدينة خنيفرة، وهي مُوزعة بين الذاكرة المعمارية والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمآثر والمعالم والقصبات التاريخية التي أخفاها التهميش والجشع العمراني وعدم العناية، وبينها التي تؤرخ لفترة الحماية الفرنسية، ذلك علاوة على معروضات لمجموعة هامة من التحف التراثية والمجوهرات الثمينة والمسكوكات النقدية، من أحجام وأشكال هندسية مختلفة، منها قطع وأوراق نقدية تنتمي لفترات تاريخية قديمة، وحاملة لكل منها بصمة العصر الذي استعمل تداولها، وقد تم تزيين محيط هذا المعرض بملصقات عليها تعريفات بمجوهرات ونقود تاريخية.
وعلى هامش ذلك، تم تتويج التظاهرة بندوة علمية بمشاركة الجامعي والناقد المسرحي، د. عبد الرحمان بن زيدان، إلى جانب الخبير والباحث في علم النميات والتراث، رئيس الجمعية الملكية للطوابع والمسكوكات والتراث بمكناس، ذ. سلام الحجام، ثم المحافظ السابق للمتحف الوطني لبريد المغرب والخبير في الطوابع البريدية، ذ. إدريس الصويني، فيما تعذر الحضور على الأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، د. الحبيب امعمري، ونائب رئيس اللجنة المغربية للمجلس العالمي للمباني والمواقع إكوموس، ذ. عبد العالي بوزيان، وذلك بسبب ظروف ومهام طارئة، بينما اختير الإعلامي ذ. أمين الناظفي لتسيير وتيسير أشغال الندوة بطريقته المتميزة والصارمة.
وقد افتتحت الندوة بكلمة لرئيس الجمعية المنظمة، «جمعية أطلس للمحافظة على التراث واللامادي»، ذ. رشيد ترياح، وضع فيها الحضور في دواعي تنظيم فعاليات الملتقى المذكور، ومدى أهمية صون الذاكرة والحفاظ على التراث المادي واللامادي، مشيرا لقيمة الاحتفاء بالطابع البريدي باعتباره «جزء أساسيا من التاريخ التوثيقي، ومن رموز السيادة والهوية والمعالم الوطنية»، بينما عبر عن طموحه في أن يهتم بريد المغرب في طوابعه مستقبلا على ما يزخر به إقليم خنيفرة من غابات وثروات حيوانية وسمكية ونباتية نادرة، ومن فنانين وموسيقيين وسفراء سلام وأبطال عالميين في الرياضة، ومن أشياء لا تقل عن آلات موسيقية وصناعة الزرابي.
ومن جهته، انطلق ذ. سلام الحجام، في مداخلته حول «صناعة النقود بإقليم خنيفرة في عهد الأدارسة»، من أهم المراجع والمصادر التاريخية التي اعتمدها في بحوثه، باعتباره المسكوكات النقدية من «الأدوات والوسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها في المعاملات التجارية والاقتصادية، وأهميتها في الأبحاث التاريخية وفي علم التوثيق الحضاري والحقائق التاريخية الغامضة»، كما في «إبراز قوة الدولة ونفوذها السياسي وامتدادها الجغرافي»، حيث توقف المتدخل كثيرا عند تاريخ ظهور النقود قبل الميلاد،ثم في الفترة الدلائية والمرابطية والموحدية والإدريسية، ونماذج مختلفة من تاريخ النشاط التجاري على ضوء ما تم اكتشافه من قطع نقدية اجتمعت فيها كل شروط التوثيق.
وارتباطا بالموضوع، ركز ذ. سلام على بعض العهود التاريخية، ومنها أساسا عهد الأدارسة، وما عرفته عملية سك النقود في هذا العهد من نشاط إثر توسع أراضي دولة الأدارسة وما استدعاه ذلك من طلب متزايد على النقود، حيث أنشأت دورا لسكها، بمنطقة خنيفرة مثلا، حيث ذكر مواقع لا تقل عن إغرم أوساروواومانة وبوزقور وغيرها، فيما تطرق لشخصية الأمازيغي «معزوز بن طالوت» الذي حملت قطعا نقدية اسمه دون توصل غالبية الباحثين لسبب ورود هذا الاسم على النقود، ولا الربط بينه وبين بعض الأحداث التاريخية التي تزامنت مع سيطرة دولة الأدارسة على بلاد المغرب الأقصى، وما عانته من صراعات واضطرابات.
وبدوره، اختار ذ.إدريس الصويني المشاركة في الندوة بورقة في موضوع «التراث المادي واللامادي رمز من رموز السيادة الوطنية»، انطلق فيها مما أوصت به الاتفاقيات الدولية من بنود تدعو للحفاظ على التراث المادي واللامادي للبلدان والشعوب، مذكرا بدور منظمة اليونسكو في خلق حوار بين الحضارات وحماية التراث الإنساني، بشقيه الطبيعي والإنساني، ثم بأهمية الطابع البريدي في «تجسيد الهوية والحفاظ على الموروث وما تزخر به الحضارة المغربية»، داعيا المجتمع المدني إلى دعم «متحف البريد» بما يراه مناسبا للعرض، من «تحف وطوابع بريدية نادرة وأدوات لها علاقة بالبريد وخدماته على مر التاريخ».
ومن خلال تطرقه لأشياء مختلفة مثل اللباس والتبوريدة مثلا، لم تفت ذ. الصويني الإشارة لمفهوم الفولكلور الذي يسعى البعض لتدجينه وتمييعه،موضحا كون «أصل الكلمة جرمانيا ويعني موسيقى الشعوب»، فيما عرج على مجال الصناعة التقليدية باعتباره «مكونا من مكونات التراث الثقافي والحضاري الموروث عبر الأجيال»، وتوج مداخلته بموضوع طابعين بريديين سمعيين فات للبريد إصدارهما بالصوت،يحمل الأول الهوية البصرية للذكرى المئوية وينطق بالنشيد الوطني،بينما الطابع الثاني يتأبط عملا فنيا للتشكيلي حسن الكلاوي بصوت فرسان «التبوريدة»،ما سجل المغرب أول بلد إفريقي ينخرط في تكنولوجيا الطوابع السمعية والثالث عالميا بعد الصين وهولندا.
أما الجامعي، ذ. عبدالرحمن بن زيدان،فشارك بموضوع حول مؤلفه المسرحي: «أسفار في شغف مجنون»، الذي قام بتوقيعه على هامش الندوة، حيث قدمه بقراءة أدبية متميزة، ويتناول فيه الرواية/ الأسطورة الأمازيغية «إسلي وتسليت» على طريقة كتاباته المسرحية، قائلا بأنها حكاية رائجة بين الأمازيغ والمثقفين المغاربة مع اختلاف عميق في تفسيرات العشق، الأمر الذي شغله وحمله لإعادة كتابتها بروح درامية بغاية العمل على نقلها للخشبة، معتبرا العشيقين شخصان حقيقيان، واسمهما «موحى وحادة»، تم بناء حكايتهما داخل النص المسرحي بفرجة ممتعةورؤية جديدةوزمن معاصر.
كما تناول د. بن زيدان، في عمله المسرحي،ظروف الصراعات والخلافات القبلية التي وقفت عائقا أمام تحقيق حلم العشيقين بالزواج، مقارناً الموت التراجيدي لهذين العشيقين بنهايات شباب قوارب الموت، فيما كشف ذات المتدخل عما حفزه على كتابة هذه الحكاية الأمازيغية بنص درامي متوفر علىما يتأبطهالمتخيل الدرامي من سرد التخييل والتأويل، ومن حبكة تجمع بين الأسطورة والواقع، وبين الإبداع والحكاية، وبين المكون التراثي الشفوي والقراءة الثقافية الجديدة، بمعنى، حسب الناقد المتدخل، بناء الأساطير القديمة والتفكير بواسطتها في الواقع المعاصر، مع وضع مقارنة بين الأسطورة القديمة والتاريخ الحديث.
وقبل إعلان الفاعل الجمعوي، سعيد البوزيدي، عن اختتام فعاليات الملتقى، تم فتح باب النقاش في وجه الحضور، وهو الباب الذي كان مناسبة لمشاركة بعض المبدعين في هذه المحطة، بينهم الشاعرة خديجة بوعلي التي تقدمت بكلمة إبداعية جميلة في حق منظمي الحفل التراثي، ثم الشاعر م. المصطفى شراف، الذي أتحف القاعة بقصيدة حول وادي أم الربيع، تلاه الزجال سعيد بوطارين الذي لم تفته الفرصة لإلقاء قصيدة زجلية تغنى فيها بالعاصمة الزيانية وما تزخر به من مؤهلات طبيعية وفنية وجغرافية وتاريخية، ذلك قبل قيام الجمعية المنظمة بتكريم عدد من الشخصيات، وبتوزيع شهادات تقديرية على عدد من الفاعلين المحليين على اختلاف مشاربهم.