سقطت وهي تصرخ وتزغرد وتهتف فاطمة الزهراء شهيدة «مظاهرة المشور»

من أروع ما يبقى في الذاكرة والوجدان، أن أدبيات الثورات الوطنية المتكررة، والوقفات المشهودة، ترتبط في الكثير منها، باسم نساء مجيدات سكَنَّ الذاكرة وقبلها التاريخ النضالي لأمتنا.. ومن هؤلاء الشهيدة فاطمة الزهراء بنت مولاي الحسن البلغيثي.
وقد راقني للغاية وسرني أن تكون في قلب التخليد السنوي الذي دأبت عليه المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير لهذه السنة، ولن أزيد عمَّا كتبت سوى ترتيبات لغوية بسيطة..
«يخلـد الشعـب المغربـي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، يوم الخميس 15 غشت 2024، الذكرى الواحدة والسبعين لمظاهرة المشور، وقبل أن تمتـد يد المستعمـر إلى رمـز السيادة الوطنية، اجتمعت فلول الباشوات والقواد الموالين للإقامة العامة للحماية الفرنسية بمراكش، وذلك للتحضير لمبايعة “ابن عرفة”. وما أن وصل إلى علم الوطنيين أنه سيتم تنصيبه، يوم الجمعة 14 غشت 1953، بمسجد الكتبية بمراكش، حتى هبوا لمواجهة هذه الفعلة النكراء والمؤامرة الدنيئة حيث شهدت مدينة مراكش غليانا واحتقانا في أوساط الوطنيين والتنظيمات الشعبية. وعرف كل من باب هيلانة وقاعة بنهيض اتصالات لتشكيلتين رئيسيتين أعطيت الأوامر فيها للمناضلين، بعد أداء القسم، للحيلولة بكل الوسائل دون ذكر اسم “ابن عرفة” في خطبة الجمعة بمساجد مراكش. كما جرت اتصالات مباشرة بكل من المسؤول عن تشكيلة قبيلة مسفيوة، وكذا قبيلة تاسلطانت لتبليغ مضمون تلك التوجيهات واستقدام جماهير غفيرة من الوطنيين والمناضلين والمتطوعين للتصدي لخطة المستعمر الرامية إلى تنصيب صنيعته ضدا على الإرادة الشعبية.
وفي حمأة هذه الظروف، وقعت عدة حوادث بمختلف مساجد مراكش كان من أهمها حادثة مسجد المواسين، ومسجد الكتبية، مما أدى إلى إفشال وإحباط عملية تنصيب السلطان المفروض، يوم الجمعة 14 غشت 1953، وإجبار السلطات الاستعمارية على تأجيلها إلى اليوم الموالي.
وفي يوم السبت 15 غشت 1953 المشهود، هبت حشود الوطنيين والمواطنين إلى ساحة المشور بالقصر الملكي بمراكش للتعبير عن غضبهم، حيث واجه المتظاهرون دورية من البوليس الاستعماري كانت تجوب المكان. فتدخل أفراد الدورية لتفريق الجموع وإبعادها عن باب المشور، وبدأوا يقذفون القنابل المسيلة للدموع. غير أن المتظاهرين أحاطوا بقوات الاحتلال واشتبكوا معها بشجاعة نادرة وبحماسة متقدة. وقد عرفت هذه الانتفاضة المباركة مشاركة واسعة لفئات وشرائح المجتمع الوطني ومنها المرأة المراكشية التي أبانت عن شجاعة نادرة وصمود منقطع النظير.
ونذكر في هذا المقام مثال الشهيدة فاطمة الزهراء بنت مولاي الحسن البلغيتي التي اخترقت الأحزمة الأمنية التي كانت تطوق الساحة وكانت تصرخ وتزغرد وتهتف بأعلى صوتها ومن جوف حنجرتها بحياة السلطان محمد بن يوسف حاملة العلم الوطني في يدها. وقد استفز هذا المشهد النضالي الشجاع قوات الأمن التي أطلقت النار عليها لتسقط شهيدة، ملهبة بذلك حماس كافة المتظاهرين، وبعدها كان استشهاد المناضل التهامي المسيوي.
وقد ألهبت الشابة الشهيدة حماس الوطنيين، وقوت عزائمهم وهممهم في المواجهة والتصدي لقوات المستعمر التي شنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الوطنيين والمقاومين والمناضلين والمواطنين الأبرياء العزل، ومحاكمتهم والزج بأعداد كبيرة منهم في السجون والمعتقلات والمنافي.
لقد كان لانتفاضة المشور بمدينة مراكش أبلغ الأثر في إرباك مخططات المستعمر الذي أدرك وأيقن تمام اليقين أن الشعب المغربي ملتف حول العرش المنيف، صامد في وجه كل محاولة للمساس بسيادته ومقدساته ورموزه، حريص على عزة الوطن وكرامته. وتجددت هذه المواقف البطولية أياما قلائل بعد إقدام السلطات الأمنية والاستعمارية على فعلتها النكراء، إذ هب الشهيد علال بن عبد لله يوم 11 شتنبر 1953 بساحة المشور بالقصر الملكي بالربـاط ليواجه موكب “ابن عرفة”، مضحيا بروحه وحياته دفاعا عن السيادة والكرامة التي انتفض الشعب المغربي عن بكرة أبيه للذود عنها بكافة أساليب النضال الممكنة من مظاهرات وأعمال فدائية ومعارك بطولية إلى أن تحقق النصر المبين الذي وعد لله به عباده المؤمنين الصابرين بالعودة المظفرة من المنفى لبطل التحرير والاستقلال حاملا بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية، وداعيا رحمه لله للانتقال من الجهاد الأصغر في سبيل الحرية والاستقلال إلى الجهاد الأكبر من أجل البناء والنماء وإعلاء صروح الوطن.


الكاتب : ع.ج

  

بتاريخ : 14/08/2024