«شكون جرح الدم؟» الزجال عبد الكريم الماحي يغادرنا حاملا معه السر

 

غادرنا نهاية الأسبوع الشاعر الزجال، النورس الجريح وزجال الهامش المنسي، عبد الكريم الماحي بعد أن أتعبه “تحتحيت السؤال” ولم يشف غليله جوابٌ، غادرنا وفي قلبه غصة لأن لا أحد استطاع أن يحاكم “شكون جرح الدم” تاركا وراءه “دموع الما” تحفر أخاديد في أرض النكران والتنكر للإبداع الحقيقي النازف من وجع الوجود.
الشاعر عبد الإله الصالحي اعتبر وهو يرثي صديقه ” زجال الهامش العميق” أن” بؤس العالم تجلى في هذا الشاعر الزجال العصامي المغربي … مات من فرط الإهمال والفقر”، متذكرا آخر لقاء به في جلسة مع مجموعة من الأصدقاء من بينهم سعيد عاهد وإبراهيم العدراوي وعبد الكريم سفير وعبد اللطيف بلفقيه وخالد مخفي وجوجو بوعشرة في الجديدة في يونيو 2023، حين وقف المرحوم الشاعر الزجال الدكالي عبد الكريم الماحي الذي وقف بدون سابق إنذار” وقرأ علينا بارتجال جميل هذه القصيدة الجنائزية المرعبة التي استهلها بعبارة تلخص حياته ومماته “من هنا الى ديك الروضة. وأضاف الصالحي أن الماحي شاعر صوفي من طينة المهمشين والهامشين الكبار… كتب ونشر وغرّد خارج السرب العام وخارج المؤسسات. ورغم أنها جاءت ارتجالا، ففيها نبوءة كأنه يتحدث عن وفاته واستسلام للقدر وكأنه تعب من كل شيء … عاش مقهورا وعابرا بكبرياء غريب وعجيب في عالم لم يحنُ أبدا عليه”.
عن رحيل صاحب “تحتحيت السؤال” قال الناقد والكاتب عبد العزيز بنار: “شجرة أخرى من حدائق الشعر تسقط وهي تصارع كل أسراب الرياح القوية، وبعد مواجهة كبيرة لتوجيه شراع السفينة نحو ما تبقى من حياة، كان أمر الله  الباقي الحي القيوم محتوما.
الشاعر عبد الكريم يلبي نداء الله عز وجل مغادرا إلى  دار البقاء… التقيته آخر مرة كان يردد “خايف خويا عزيز”، تشعر وكأنه يريد أن يمسك بك ليخبرك بشيء عظيم، وسر لا يعلم تفاصيله إلا هو… ولم يشغله في أيامه الأخيرة سوى حديثه عن نفسه، وعن عناية الأصدقاء جزاهم الله خيرا، وزادهم فضلا
رحمه الله عليه رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته، وأكرم نزله، وتقبله صالحا، وغفر له يارب
تعازي الحارة لعائلة الماحي المشمول برحمة الله، اللهم ارزقهم الصبر والسلوان
تعازي للأصدقاء الشعراء والمبدعين  الذين جمعتهم  صداقة قوية مع الراحل
إنا لله وانأ إليه راجعون”.
الناقد والباحث رشيد بلفقيه وهو ينعي صديقه الزجال الماحي عبر عن فجائعية هذا الرحيل بالقول إنه”لا يوجد حزن أشد من حزن الصباحات التي يسابق فيها الناعي نور الصباح، ولا حزن يعادل حزن رحيل الأحبة قبل أن نتمكن من وداعهم، ولا أخبار بائسة تعادل بؤس تلك التي يحملها الفايس بوك برحيل شاعر أو زجال أو مبدع قبل أن نحقق حلم رؤيته معززا مكرما.
هكذا تلقيت خبر رحيل صديقي الزجال الكبير عبد الكريم الماحي، بحزن مضاف يعززه تأنيب الضمير بانشغالي عنه مؤخرا بهموم الدنيا، والتسويف وإرجاء اللقاء إلى أجل قريب ظل يبدو قريبا وظل الزمن يزحزحه بإصرار حتى غدا يوما فأسبوعا فأشهرا …
في آخر اتصال بيننا هنأني عبد الكريم بمناقشة أطروحتي بطريقته المتفردة التي تمتزج فيها السخرية اللاذعة بالود الصادق، وذكرني كعادته بجمال البدايات ولذة الانغماس في الكتابة والقراءة والبحث، كنت أعرف ظروفه الصحية المزرية والمادية الصعبة، التي لم تحل رغم قسوتها دون أن يتذكر واجب المباركة، والتي لم تحمله رغم العناء على تجاهل هذا الحدث لذلك سعدت كثيرا باتصاله حينها، وأحسست بتأنيب ضمير كبير جدا ووعدت نفسي بأن أخصص وقتا لمجالسته في أقرب فرصة، تلك الفرصة الأقرب التي تظل دائما معلقة مرهونة بالظروف …
لكن يد الموت كانت أسرع.
عاش الماحي حياته كما كان يشاء، بوهيميا حرا، منطلقا، غنيا عن الجميع بالاستغناء، صديقا للجميع رغم كل شيء،
لم يمنحه الأدب والإبداع والزجل أشياء كثيرة، ولم يسق الدنيا إليه كما يشتهي كل معسر، ولكن “الما … حي” بعناده الأسطوري، وأسلوبه الأصيل صنع بطريقته الخاصة في الكتابة الزجلية وفي الحياة  أيقونة لا تكاد المحافل الثقافية بالجديدة وسيدي بنور وأزمور تكتمل دون وجوده، ذلك المشاغب المختلف لكن الإنساني والصادق، الذي لا يضاهيه أحد في إلقاء القصيدة الزجلية، ولا يشبهه أحد في سبك الصور الشعرية والتركيبات الدارجة التي تطرب وتؤلم وتشبع المتلقي.
رحل الماحي فجأة هذا الصيف …
وستبقى قصائده حارقة، مثل حدث رحيله، تشكو الإهمال والتهميش وتغير الأحوال،وتتحدث باسمه كمل كان يشتهي،
رحمك الله صديقي،
وغفر لنا تقصيرنا الكبير نحوك” …
الشاعر عبد الكريم الماحي ، سليل الهامش العميق ، من مواليد 1972 في بلدة دكالية تسمى “بطيوة” بنواحي مدينة الجديدة في المغرب، كانت له أيضا اهتمامات مسرحية.
من دواوينه التي نشرها بنفسه وعلى حسابه… ” لحماق تسطى” و” تحتحيت السؤال” و”شكون الجرح الدم” بالاضافة الى مشاريع كتابات قيد الطبع ، نتمنى ان ترى النور بفضل مبادرات أصدقائه ومحبيه، حفظا لذكراه وذاكرته.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 19/08/2024