المغرب وأوربا وأسئلة الكتابة التاريخية

يُستدعى التاريخ المقارن دومًا حتى يُقدم تفسيراته بخصوص إشكالية التجاوز التاريخي. على المستوى المنهجي، يمتلك التاريخ المقارن الحِس المنهجي في اجتماعيات المعرفة الإنسانية لإعادة توضيب شريط الأحداث التي بدت كما لو أنها مُؤسسة لفعل التجاوز؛ تجاوز أوروبا للعالم الإسلامي تدقيقا.
يُنسب القول هنا إلى السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركهايم…والحق، لا يصير التاريخ عِلما إلا عندما يخوض مغامرة المقارنة؛ وحينما يُقارن تصير الكتابة التاريخية ممارسة تأويلية أو هيرمونيطيقا تركيبية. نعلم الآن بمقتضى الاجتهادات التاريخية أن ممارسة عملية التأويل هو من يرتقي بالمعرفة التاريخية إلى درجة الاستحقاق الأكاديمي، ويُبعدها شيئا فشيئا عن دائرة التحفظ والشك.
في مجال التاريخيات، تعوَّد المؤرخون على فرز ملاحظتين أساسيتين: تقول الملاحظة الأولى بأن التأليف ينتعش لحظة الرخاء والتطور، ويتأزم لحظة الركود والتراجع. كل الحوادث التي يُصادفها الباحث في الحالة الثانية تبدو عقيمة، لا تنهض لتشييد تحليل تاريخي متوازن نسبيا. لنستدل مثلا بما نقله الناصري عن أخبار بني وطاس. وتقول الملاحظة الثانية: كلما توجهت السلطة السياسية نحو التفتت، كلما تعزز اتجاه التاريخيات المحلية في نقل أخبار شيوخ القبائل والزوايا…لقد كان المؤرخ أحمد التوفيق على نباهة كبيرة حينما أثار فكرة أن كتب النوازل تُعبر في مصفوفاتها عن بنيات اجتماعية جامدة أو بطيئة التطور.
عودة إلى فكرة التجاوز، لا يُمكن الحديث عن إستوغرافيات التجاوز من دون تبني الرؤية الاسترجاعية للزمن، من دون العودة إلى عالية الزمن لفرز الثوابت من المتغيرات، من دون المزاوجة بين تاريخ الظرفيات والأحداث وتاريخ البنيات والذهنيات…في المتن الإستوغرافي المغربي، جديرة هي الدراسات التاريخية التي وظفت مفهوم «ما قبل الاستعمار» كبراديغم زمني لفهم قضايا تاريخ المغرب. ينحصر النقاش هنا حول حقبة زمنية طويلة يمكن تقسيمها إلى فترات حتى تتأهل لاستيعاب تحولات الآماد الثلاثة وفق شبكة تحليل الزمن التي يقترحها المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل. إذا تبنينا هذه الرؤية، يمكن أن نستفيد من العطاء الإستوغرافي الأنثربولوجي المنجز حول تاريخ المغرب أكثر مما تطرحه الدراسات التاريخية.
كلما ابتعدنا عن لحظة الاستعمار، عن فكرة الإدانة والتهجم…نصل إلى الإقرار الآتي: لا محيد عن الاهتمام بالعطاء الإستوغرافي الأجنبي. سبق للأنثربولوجي إرنست كلنير صاحب كتاب «صلحاء الأطلس» أن عاين عن قرب مسألة ثبات وسكونية البنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية في مغرب ما قبل الاستعمار. وسبق لجون واتربوري أن وقف عند مسألة التكرار التي تطبع محطات تاريخ المغرب. لا يجب أن ينصرف الاستشهاد هنا نحو نقاش استعادة أطروحات كلاسيكية قد يحتج البعض بأنها متجاوزة، والبعض الآخر، بإعادة بث الروح في موروث عِلمي طالته سهام النقد منذ نهاية فترة الحماية ولا يزال لأسباب مركبة ومتعددة…بل يتعلق الأمر، بمعاينة مِجهرية تؤكدها خلاصات التاريخيات المحلية في المغرب.
وجوب ذلك، على مستوى قراءة الوقائع. لقد ظل النسق المخزني منذ مأسسته على الأقل في فترة أحمد المنصور السعدي في حاجة دائمة إلى جباية الضرائب بهدف تنظيم الجيش من أجل قمع القبائل. حلقة دائرية نشيطة تكررت مع سلاطين المغرب دون أن تكون لأي سلطان القدرة على كسر توازن هذه القاعدة. منذ مغرب القرن السادس عشر إلى غاية مغرب الحماية يمكن أن نسم هذه القرون الطويلة ب «قرون الترقب والاستمهال». حينما نستعمل عبارة الترقب والاستمهال، فذلك يعني أننا نحيل على الركود والثبات مع ما يقتضي ذلك من وجود نفسانية قارة.
صورة مغرب السادس عشر لا تختلف كثيرا عن صورة مغرب ما قبل الاستعمار. القاسم المشترك بينهما تفكك عميق أصاب هياكل الدولة، وتراجع مهول اعترى النشاط الزراعي المعاشي، وتوقف شبه تام للحركة التجارية الداخلية بفعل انتعاش ظاهرة اللصوصية مع ما صاحب ذلك من انغلاق المناطق الداخلية…حينما نجمع كل هذه التفاصيل يظهر البلد كما لو أنه يهُيئ نفسه للغزو. علينا أن نقرأ مشروع الغزو الإيبيري ضمن توفر شروطه في الداخل أكثر من الاهتمام بمظاهره الخارجية، لأن الداخل هو الذي ربط مصير البلد بمصير الأجانب، وحتى حينما أشاد البعض بانتصار معركة وادي المخازن 1578م فالأمر قد لا يخرج عن دائرة التحليل التاريخي الذي يقر بضعف القوى الايبيرية ويستبعد فرضية التنظيم الداخلي. الحاصل، فرضت الأزمة المركبة التي كانت تنخر بنية النسق السياسي المغربي ما قبل الاستعمار، تبني حلول مؤقتة وظرفية.
من حيث التحقيب، يقترح المؤرخ محمد حبيدة الحديث عن قرون وسطى ممتدة، يمكن تقسيمها إلى عصر وسيط كلاسيكي، وعصر وسيط ممتد إلى غاية رجَّة الاستعمار. لا يمكن على أية حال بمقتضى الدراسات التاريخية الحديثة أن يكون القرن السادس عشر في المغرب قرن الدخول إلى العصر الحديث. ففي مغرب هذا القرن يمكن معاينة ديناميات داخلية ترتبط بالاعتماد على اقتصاد السكر، تنظيم الجيش، هيكلة الدولة، التمثيل الديبلوماسي…لكنها قد لا تنهض وجوبا للقول بالتحديث أو الحداثة في المغرب. نعلم في التجربة الأوروبية أن الحداثة هي أولا وقبل كل شيء قضية إحساس؛ إحساس اجتماعي بضرورة هدم الموروثات وبناء الجديد. نصادف في هذا الإطار تعريفا بسيطا يقترحه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: الحداثة هي الاحتجاج الدائم على القديم.

أولا: التوظيف الإجرائي لمفهوم التجاوز

يُحيل الاستعمال التاريخي لمفهوم التجاوز في هذا المستوى إلى اللحظة التي اختلت فيها موازين القوى بين العالم الأوروبي المسيحي والعالم العربي الإسلامي. باختصار، إلى اللحظة التي تمكنت فيها أوروبا من فر ض نموذجها على العالم وأخذت بزمام المبادرة بعد أن سحبت البساط من سلطة النظام الفيودالي. يجب أن نميز بين العصور الحديثة كمسار تاريخي يتضمن لحظة بداية ولحظة نهاية، والعصور الحديثة كوعي اجتماعي وذهني. المسار الأول يمكن تلمس انطلاقته مع حوادث القرنين الخامس والسادس عشر من خلال عدة محطات تاريخية معروفة. بينما المسار الثاني يمكن رصده في الهزات التاريخية التي جعلت الأفراد يميزون بين عصر التحول وعصر ما بعد التحول. الوعي بالتحول لم تظهر آثاره على الأفراد إلا خلال القرن التاسع عشر.

ثانيا: التحقيب: منظور جديد

العصور الحديثة هي عصور مُشيدة من منظور التحقيب الجديد. على أي أساس تم بناء هذا القول؟ في الواقع، عمدت كتابات مؤرخي البورجوازية على امتداد عصر النهضة تضخيم محاسن الحقبة الحديثة على حساب العصر الوسيط. هنا تشكل الإطار الاديولوجي القائل بهمجية العصر الوسيط. لقد عمد المؤرخ الوسيطي جاك لوغوف إلى إعادة الاعتبار للعصر الوسيط. يقول لوغوف في هذا الصدد: «لا توجد في التاريخ نهضة، بل توجد فيه مراحل انتقالية «. ومادام الأمر يتعلق بفترة انتقالية، فذاك يستدعي تضارب مصالح الفاعلين. ما الذي جعل الطبقة البورجوازية تعادي النظام الفيودالي؟ جواب ذلك: التشتت السياسي لا يخدم المصالح الجديدة. لماذا راهنت البورجوازية على الدولة المطلقة؟ الجواب: الدولة المطلقة هي التي بمقدورها توفير التجهيزات والمرافق والأمن من أجل توسيع النشاط الاقتصادي البورجوازي.
عودة إلى مفهوم التحديث. يجب أن نفصل بين التحديث بين مستويين في التحديث. التحديث كرؤية مادية، والتحديث كرؤية ذهنية. الأول ارتبط بفئة البورجوازية التي تمكنت من السيطرة على الاقتصاد والفكر، والثاني بإحساس الشعوب الأوروبية بواقع التحول. وقضية الإحساس مفصلية في التمييز. التحديث هو مسار تراكمي، يرتبط بثلاثة مقومات: العقل أولا، الحواس ثانيا، والإيمان ثالثا. لقد تناولت بعض الإسهامات التاريخية قضية التحقيب من منظور ديني، فإذا كان العصر الوسيط عصر كاثوليكي، فإن العصر الحديث عصر بروتستانتي. ما يهم المؤرخ، هو أن يعثر على اللحظة الانتقالية التي مكنت الشعوب الأوروبية الانتقال من زمن المعجزات والخوارق إلى زمن الإنسان. لم يعد التاريخ يستوطن أديرة الرهبان، بل صار شأنا إنسانيا.
عبارة العصور الحديثة تعيد إلى الواجهة نقاش التحقيب. في السياق المغربي، صاغ المؤرخ محمد حبيدة استفهاما في مقال له صدر عن مجلة أسطور بعنوان «التحقيب وكتابة تاريخ المغرب». تحدث حبيدة عن إجرائية استعمال عبارة «العصور الحديثة» في تناول قضايا تاريخ المغرب على نحو ما نجده في السياق الأوروبي. هل يستقيم الحديث عن عصر حديث في غياب للحداثة مظهرا وبنية ؟ وكيف يتأتى الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة في ظل استمرارية مظاهر البنية الوسيطية وغلبة المألوف وهيمنة المرجعية الدينية…؟
من الناحية النظرية، يحيل التحقيب على نضج العملية التاريخية، على محاولة إعادة النظر في القوالب الزمنية التي قد تنسجم مع نوع خاص من التاريخ. التحقيب بالنهاية، هو جُهد وتشييد، وبناء فكري يستند على مرجعيات ومقولات ومفاهيم، وبالأساس، شبكة لقراءة الزمن. بالنهاية، علينا أن نقر بأن عملية التحقيب تظل رؤية تخضع باستمرار لتعدد المقولات والمناهج والإشكالات ولحساسيات اللحظة السياسية ولموقع التاريخ ضمن المجتمع، حيث الزمن في التحقيب قد لا يمثل قيمة في ذاته، بل في ما يترتب عنه. لقد سبق لميشيل دوسرتو أن عبَّر عن هذه الفكرة بالقول: الحدث هو ما يؤول إليه، أو بعبارة أخرى، الزمن هو ما يراد منه.
حقيقة، إذا أردنا أن نتعقب في تاريخ المغرب تشكل مظهر من المظاهر الكبرى لا بد من العودة إلى الوراء، إلى التاريخ الوسيط وربما إلى أبعد منه. هنا يصير التقطيع الزمني عائقا لدى المؤرخ من أجل ممارسة حفرياته التاريخية. لقد جرى حسب الأنثربولوجي كنيث براون الذي اهتم بدراسة مجتمع سلا الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع العصري خلال الفترة الممتدة من 1830 إلى 1930، أي من احتلال الجزائر إلى تاريخ ظهور الحركة الوطنية.
يبدأ التاريخ الحديث الأوروبي لحظة تغيير مركز الاهتمام، من الإنسان القدري إلى الاهتمام بالإنسان وانشغالات وجوده. لا تحدث هذه النقلة إلا عبر العقل. ظهر العقل الأوروبي الحديث يشق طريقه نحو النفعية والتراكمية والمساءلة الدائمة لأسئلة الاستنهاض التاريخي ويهدم القناعات الموروثة عن العصور الكلاسيكية…كل الهزات الكبرى في الحقيقة مدينة لأوروبا. علينا أن نتفهم عمق القراءات الإسطوغرافية المتأخرة التي لم تعد تلوم أوروبا على محاولات تغريبها للعالم؛ بقدر ما تلومها على عدم تزويدها للعالم بالوسائل التي تُمكن الشعوب غير الأوربية بأن تستأنف نهضتها.

ثالثا: العصور الحديثة.. سيولات ذهنية جديدة

اختلف المؤرخون في تحديد لحظة المنعطف. درج البعض على القول بأن واقعة احتلال سبتة سنة 1415 من طرف الاحتلال البرتغالي تمثل نقطة البداية. بداية التجاوز. حول هذا الحدث نُسجت قراءات، وصيغت فرضيات للاقتراب من جذور المد الأوروبي وأسباب التراجع الإسلامي…نعلم أن لكل قراءة تاريخية منطلقات. ينضبط المنطلق وفق مصادر ومراجع تاريخية، لكن بإضافة اشتراط أساس، تقديم وجهات نظر جديدة، وصياغة بناءات إشكالية جديدة وتقديم افتراضات مغايرة.
نبقى دائما في عملية الاستدعاء. القصد من استدعاء التاريخ دائما البحث عن إجابات جديدة لمسارات تاريخية معقدة وممتدة في الزمن، ومحاولة مساءلتها على ضوء رؤية التراكم أو التقطع؛ الثوابت أو المتغيرات، الجزئيات أو الكليات…يتضمن مفهوم التجاوز دلالات إجرائية وظيفية. نحن إزاء استعمال نظري يفترض تدقيقا في دلالات ومعاني السِّجل الدلالي المصاحب له من قبيل: التفاوت، الانكماش والتراجع…لا تتحدد مرجعية المفهوم في التاريخ إلا في اتساق مع واقعه الاجتماعي، وفي قدرته على توصيف الواقع في تبدله وتحوله.
استقراء مفهوم التجاوز في بنية الخطاب المغربي يُغذي فكرة الانزياح في الدلالة والمعنى. في البدء كان الخطاب الذي يمكن معاينته في الكتابات السفارية يشتغل بفكرة التناظر مع الفكر الأوروبي، وفي مرحلة موالية صار الخطاب السفاري يبرر واقع التجاوز، ويُقر بالتفوق الأوروبي المادي على العالم الإسلامي، مع احتفاظ الحضارة الإسلامية بالتفوق الروحي. على النقيض من ذلك، استرشد الفكر الأوروبي بالعقل، وتوسل حتى يقوده للتحكم في أسرار وخبايا الطبيعة، وراهن عليه حتى يصحبه في مغامرة البحث عن المناطق المجهولة الوفيرة بالمعادن والكنوز…الفكر الأوروبي كما جرى تمحيصه فكر عقلاني ببُعد زمني واضح، كل شيء يخضع لمعيار الزمن، ولا شيء فوق الزمن؛ الزمن الذي أعطى للإنسان الأوروبي الايمان بأنه الكائن البشري المسؤول عن تطور البشرية؛ الزمن الذي جعل أوروبا تؤمن بأنها عقل العالم ودماغه.
وحتى إذا أردنا أن نقف عند أوجه المفارقة، علينا أن نسترشد بابن خلدون. لقد جاد ابن خلدون بمساهمة لا نظير لها داخل مصفوفة العطاء الفكري الإسلامي في ما يخص نظرته لمفهوم العقل. عند ابن خلدون يرتقي العقل إلى مستوى البناء الاجتماعي، أي بمعنى الظاهرة الاجتماعية التي ترتبط بالعمران. كلما تطور العمران عند ابن خلدون كلما أشَّر ذلك على سمو ومكانة العقل. كانت هذه الإيحاءات التي قدمها ابن خلدون مُحفزة لبعث السؤال حول العقل من طرف المفكرين المتأخرين داخل العالم الإسلامي لتتبع واقع التمزق الذي يميز النفسانية العربية الإسلامية. الحديث هنا، عن ثلاث محاولات كبرى. المحاولة الأولى، انشغل محمد أركون بدراسة ونقد بنية العقل العربي الإسلامي لكن بنظرة تبدو من خارج نسق اشتغاله. تعمَّد أركون ترسيم الإسقاطات والأحكام التي قيلت عن الثقافة العربية الإسلامية. المحاولة الثانية تعود إلى محمد عابد الجابري الذي اهتدى إلى أن تراجع الحضارة العربية الإسلامية يجد تبريره في غياب الاهتمام بالعقل . ثالث المحاولات تعود إلى عبد الله العروي الذي عمد إلى الموازنة بين التأخر التاريخي وغياب الوعي التاريخي في سياق مشروعه التاريخاني الذي يشترط تحديث المجتمع وتغيير ذهنية المؤرخ. التاريخانية التي يتحدث عنها العروي هي برنامج تلتقي من خلاله كل الأبعاد، وهي الدليل من أجل تجاوز حالة الانحطاط والتأخر…أو لنقل هي العقل التاريخي الذي يؤسس الوعي المتوافق مع روح العصر.
يرتبط التجاوز تاريخيا بالبحر. وهي فكرة جوهرية كانت محور عدة إنتاجات إستوغرافية. في حقيقة الأمر، لقد سدد المغرب ضريبة إهمال البحر، وكان سببا من بين أسباب تراجعه. نجد صدى لعمق هذه الفكرة فيما أفصح عنه السلطان المولى عبد الحفيظ في مخطوطة داء العطب قديم . ففي مجاهل البحر تحددت المسارات التاريخية، مسار الهيمنة ومسار الانكماش، مسار الفعل، ومسار رد الفعل…لقد كان البحر هو المعبر الأساسي لكسر حلقة الطوق الإسلامي على التجارة العالمية عند الأوروبيين؛ بخلاف معظم دول العالم الإسلامي التي تهيبت من ركوب البحر، لاعتبارات ذهنية ونفسية. ومسألة التهيب من البحر فارقة في التفسير التاريخي، إذ هي التي تفسر عملية الانتقال من دائرة الفعل إلى دائرة رد الفعل، من موقف الجهاد الهجومي إلى موقف الجهاد الدفاعي. حقيقة، لم تكن الاكتشافات الجغرافية حدثا عابرا في مسار التاريخ، بل ترتبت عنه كل التحولات اللاحقة والتي جعلت من قارة أوروبا تأخذ زمام المبادرة على العالم، وتصل إلى منابع الإمدادات المعدنية ومواقع المواد الأولية…


الكاتب : عبد الحكيم الزاوي

  

بتاريخ : 23/08/2024