اليوم يتزوج احميدة ابن عمي……
نصبوا خيمة للرجال قرب البئر، وأرسلوا أخته الوسطى للدوار المجاور لتخبر المدعوين الذين بدورهم سيحضرون للحفل رجالا ونساء وأطفالا.
الرجال في الخيمة. والنساء وأطفالهن بمراح الدار. ذبحوا عجلا وجلبوا كيسين كبيرين من الدجاج. تولت عمتي رقية ترييشه ووضعه فوق الموائد، في حين كلفوا سعيدا الراعي بحراسته من الكلاب السائبة.
في المساء عاد احميدة من المدينة بوجه وشعر لامعين. وفي يده بذلة سوداء،دخل غرفته ولم يخرج منها، وكانت أمه بين الفينة والأخرى تدخل عليه وترشه بالملح والشبة وتزغرد. كانت فرحة بزواج ابنها البكر، وخائفة من نساء الدوار الساحرات.
تقف حليمة أخت العربي الكبرى، تستحث البنات وتشجعهن على الإسراع في مسح الكؤوس وترتيبها في الصواني وتطلب منهن أن يغطين الحلوى بأوراق «السلوفان» مشددة عليهم في لهجة صارمة: «حلوى واحدة للراس، الأطفال. لا!
كانت أمي تلبس تحتية بيضاء يظهر من فتحتها سروالها القندريسي الموشى بطرز الحساب، تشدها بحزام الصم الأصفر الذي يواتي شربيلها الجديد، بدت ذلك المساء جميلة جدا. وقد مررت كحلا خفيفا على عينيها، وأضفى السواك حمرة برتقالية على شفتيها الدقيقتين.
وكنت أنا الطفل الصغير ذو العشر سنوات أذرع المسافة بين خيمة الرجال ومراح الدار جيئة وذهابا. أذهب إلى الخيمة فيصيبني الملل وأعود إلى المراح فتنهرني حليمة:»لقد أصبحت رجلا، اذهب عند الرجال«.
لكنني كنت أختبئ وراء أمي وأحتمي بتلابيب تحتيتها البيضاء. كان شيء ما يبهر في جمع النساء: أهي الروائح؟ عيونهن السوداء المكحلة، حديثهن الماجن؟ الشفاه البرتقالية ؟ السيقان التي تظهر من فتحات القفاطين؟
توسطت الزاهية ثلة من النساء، ثبتت طعريجة فوق ركبتها ثم مدحت بصوت شجي.
آدييه البيضا
وإلى بغيتيه ديه
آديه
انا بعدا ولد عمي
وما سخيت بيه
آديه
آ البيضا وإلى بغيتيه
ديه.
جاءت أم العريس وثبتت بين جبهة الزاهية وفولارها ورقة من فئة خمسين درهما ثم رقصت فتعالت الزغاريد.
هل كنت أنا الوحيد من رأى دمعتين سجينتين في عيني الزاهية؟
وقفت الزاهية هذه المرة، وثبتت ما يشبه حديدتين صغيرتين في أصبعي رجليها،وصعدت إلى القعدة، رقصت رقصا، ودكت القعدة دكا، وكان صوت ارتطام الحديدتين بالقعدة ينسجم تماما مع صوت الطعاريج. ومع تحرك جسمها الرشيق، كانت تهتز اهتزازا يشبه اهتزاز الموج في يوم صيفي جميل. فيتصبب العرق من عنقها وسرعان ما تختبئ كل حبيبات العرق تحت قفطانها الأزرق.
لكن الجميع هذه المرة رأى الدمعتين السجينتين. وهما تتحرران وتتدفقان على خدي الزاهية سرعان ما كفكفتهما بيديها وهي تحل عقدة شعرها. فينسدل على كتفيها وظهرها.
شطحت الزاهية ذلك المساء وتحيرت ودكت القعدة دكا.
كان هذا الجسد المبلل بالعرق وتينك العينان السوداوان الحزينتان المكحلتان، يعملان عملها في الطفل ذي العشر سنوات.
تجذبني يد حليمة من بين تلابيب تحتية أمي.
– اذهب إلى الخيمة لتأكل مع الرجال !
كنت أتلقف لقيمات الطعام من يدي والدي، ولكن صوت الزاهية والحديدتين تملآن أذني وتلامسان شيئا ما في قرارة نفسي، في جانب ما من روحي. في نقطة بعيدة من قعر الروح.
كبرت الزاهية وأصبحت عجوزا.
ولم أعد ذلك الطفل ذا العشر سنوات……
لقد أصبحت……
في الحقيقة لا أعرف ماذا أصبحت؟
لكن صوت الحديدتين المثبتتين في أصبع رجلي ينسجم تماما مع صوت الطعاريج فيهتز جسمي اهتزازا يشبه اهتزاز الموج في يوم صيفي جميل.
2024/06/26