المغرب، إفريقيا والصين!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تنعقد انطلاقا من يومه الأربعاء وإلى غاية الجمعة 6 شتنبر الجاري، قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، وتعتبر الصين أن القمة « أكبر حدث دبلوماسي تستضيفه منذ وباء كوفيد…»، كما ترى فيه «نموذجا مصغرا للصداقة التي اختبرها الزمن بين الصين وشركائها في الجنوب العالمي»، تلك التسمية الأخرى للجنوب الشامل!
ووضعت الصين للتعاون هاته السنة هدفا مرتفع السقف من خلال شعار بناء مجتمع صيني إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك.
وقد استطاعت أن تحقق جزءا كبيرا منه بحيث تمثل أكبر شريك تجاري لإفريقيا بتبادل ثنائي وصل 167,8 مليار دولار في النصف الأول من 2024!
في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، بلغت واردات الصين من إفريقيا 426.65 مليار يوان (حوالي 60 مليار دولار أمريكي…).
ومنذ تأسيس منتدى «فوكاك» في عام 2000، ساعدت بلاد شي جينبينغ على إرساء 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية وبناء أو إعادة بناء 100 ألف كيلومتر من الطرق السريعة وألف جسر وحوالي 100 ميناء .
على المستوى المغربي، لا يزال الصينيون يتذكرون بوضوح كيف أن المغرب كان البلد الأول إلى جانب مصر، التي اعترفت بالصين، وقد عممت السفارة الصينية في العام ما قبل الماضي فيديو شهير للملك الراحل الحسن الثاني يدافع عن وجود الصينيين في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن إلى جانب الدول الإفريقية التي «حملت» الصين إلى الأمم المتحدة منذ أكثر من 50 عاما، كما كتبت الوكالة الرسمية «شينخوا».
علاقة الصين والمغرب، حاليا، تجب مقاربتها على ثلاثة مستويات:
المستوى الثنائي:
الذي أعطته الزيارة الملكية التاريخية إلى بكين، في ماي 2016، انعطافة حاسمة نتجت عنها نتائج ملموسة؛ «حيث أصبحت الصين الشريك الأول للمملكة آسيويا».
وتمثل أشكال التعاون نقطة تحول جديدة في الدبلوماسية الاقتصادية الصينية من خلال عناوين عديدة منها :
– إنشاء المدينة الصناعية الذكية، مدينة محمد السادس «طنجة تيك».
-إنشاء وحدة لتعبئة وتصنيع لقاح “كوفيد-19”، في إطار شراكة رائدة مع شركة «سينوفارم»، المملوكة للدولة الصينية.
-سنة 2022، قفز التبادل التجاري بين المغرب والصين بأكثر من 50%، ليبلغ حجمه 7,6 ملايير دولار.
80-مشروعا تستفيد من التمويل الصيني دخلت مرحلة التنفيذ.
– إجمالي الاستثمارات الصينية المعلن عنها سنة 2023 في صناعة السيارات بالمغرب حوالي 9.5 مليار دولار، وهو رقم قياسي. ( غوشن هاي تيك الصينية الأوروبية لبناء معمل لبطاريات السيارات الكهربائية في مدينة القنيطرة، بقيمة مليار وثلاثمئة مليون دولار).
وهذه التطورات هي التي عاينها «كبير المشرعين الصينيين»، الذي زار المغرب مؤخرا، وقال إن « العلاقات العريقة والنموذجية القائمة بين البلدين جعلت الصين ترى في المملكة المغربية صديقا نموذجيا على مستوى الدول العربية والإفريقية ومحط ثقة».
على المستوى العربي:
تدخل العلاقة ضمن شبكة أوسع هي الشبكة العربية الصينية، وهي ذات أهداف جيوسياسية مختلفة نوعا ما عن البند الاقتصادي، والمغرب يهدف من ورائها إلى:
-إرساء دعائم نظام عالمي أكثر توازنا.
– متعدد الأقطاب.
– قائم على هيكلة متعددة الأطراف، فاعلة ومسؤولة…
وذلك بهدف جعل الشراكة العربية الصينية عاملا أساسيا للتعاطي مع تحديات الأمن والسلم والتنمية.
على المستوى القاري:
يمكن اعتبار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، العائلة المؤسساتية، ثلاث سنوات قبل إنشاء «الكوفاف»، عاملا مساعدا على توطيد العلاقة من زاوية الانشغالات الإفريقية، باعتبارها أن المغرب قد صار أحد الفاعلين الرئيسيين في القارة ومن المدافعين عن مصالحها الحيوية، ولعل من ذلك أن الديبلوماسية المغربية تعتبر أن المبادرة الصينية الاستراتيجية إزاء القارة، تجد صداها كذلك في مبادرات مغربية عديدة، ومن ذلك المبادرات الاستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس، تجاه الدول الإفريقية-الأطلسية، باعتبارها مبادرات تتكامل مع مبادرة «الحزام والطريق» التي تعد مشروع الصين المركزي .
وتعزز تواجد المغرب، في الأفق المشترك، عبر مشاريع هيكلية، كما هو حال الأنبوب الغازي مع نيجيريا، واستثمارات المكتب الشريف للفوسفاط في الأسمدة والتغذية والزراعة، والاستثمارات المباشرة في الأبناك، وفي الصناعة والمواصلات (45 ٪ ، 19 ٪ و15٪) والبناء وغيره، بما يقارب 7 ملايير دولار في الفترة بين 2007 و2023…
كل هاته المعطيات تجعل من المغرب عتبة منتجة للصين للدخول إلى إفريقيا، علما أن البلد الأسيوي لا يرى في المغرب بلدا عربيا إفريقيا فقط، بل لا يغيب عنه بعده المتوسطي وتعاونه الرفيع مع جنوب أوروبا المتوسطية، وهي عناصر تدخل في تقدير الموقف الصيني.
ويعتبر المغرب أن احترام الصين لوحدة البلدان والدفاع عنها عنصر إيجابي في تقدير مواقفها، بل كان من الملاحظ أن البهلوانيات الانفصالية ومحتضنيها لم تستطع أن تغامر بالحضور إلى الصين، كما في اندونيسيا !
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/09/2024