محسن الوكيلي ينقلنا إلى الهوامش في «حي العازبات»

 

من أعمق أماكن الذاكرة المنسية، تنهض الرواية الجديدة للروائي المغربي محسن الوكيلي «حيّ العازبات» لتنقل لنا سيرة إنسان جرّدته الدّنيا من والده وألقته في حيّ قصديري وألقته على هامش المدينة، لا تقطنه غير الأمّهات العازبات. الأمّهات اللّواتي أنجبن خارج مؤسّسة الزّواج، فرفضنّ المجتمع ولفظتهنّ الحياة.
في هذا العمل يعدُّ الواقعيّ أعتى تجليات الغرابة ويصبح القاعُ والهامش والمنسيّ وجه الإنسان الأصدق في عالم كلّ ما فيه مغلّف بالمساحيق والأقنعة.
يتخلّص محسن الوكيلي من متلازمة الجنس المكشوف ليفصح عن انكشاف الأنفس والأرواح وما تخلّفه رحلة عابرة على جسد امرأة من مصائر إنسانية قد تصمد أو تنهار في بدايات تكوّنها.
وليس حي العازبات الثّابت في المكان والمرميُّ على طرف المدينة، مثل مصبّ نفايات، سوى رحلة في المتخيّل الإنسانيّ، رحلة أب مقيم في غياهب المستحيل، رحلة طفل يحيا رفقة أطفال جميعهم بلا آباء بصور ممكنة ترمم الهوية الجريحة حتى وإن اتّخذت أوجه الشّياطين.
من الرواية نقرأ:«فوق أسقف برّاكاتنا الوضيعة تُحلّق النّوارس في رحلتها بين غابات الصّفصاف ومكبّ النّفايات الكبير. كانت في عبورها الصّامتِ الفسيح شبيهةً بغفوة، أتابعها ذاهلًا، من ضيقِ بابِ بيتنا القصديريّ، إلى أن تبتلعها الآفاق، فتغيبُ.
في السّماء ترسم النّوارس عالمًا ساحرًا، رحبًا. وفي الأرض يعيث أولاد المكبّ فسادًا، وحالما تغيب الشّمسُ تلوذ الطّيور بأعشاشها، وتستيقظ الأشباح والشّياطين. سيصطادون أيّ شيء يقع تحت أنظارهم؛ شاحنات النّفايات، الطّيور، القطط، والصّبايا الصّغيرات اللّواتي لا يقدّرن، تمام التّقدير، خطورة الابتعاد عن بيوت أمّهاتهنّ، أمّا الكبارُ فيصطادون الأولاد، بصبر، واحترافيّة، لقضاء مآرب يُدركها بعضهم ويجهلها آخرون.»


بتاريخ : 06/09/2024