إقليم أمزميز: متضررون لا يزالون تحت الخيام وبطء كبير في إصدار رخص الإصلاح والبناء

مسؤول جماعي: غياب التواصل بين المتدخلين يؤخر عملية إعادة الإعمار

واستعجال الأسر جعلنا نغض الطرف عن ضرورة احترام البناء التقليدي

فاعل جمعوي: ماذا بعد انتهاء الدعم الاستعجالي والمباشر؟
مدارس لم تطلها يد الترميم والإصلاح أو إعادة البناء وتلاميذ بدون حجر دراسية لائقة

 

بعد سنة على الكارثة هل تحسنت الأوضاع؟

ها قد سنة مرت على كارثة زلزال 8 شتنبر 2023، الذي كان الأطلس الكبير ومنطقة الحوز بالضبط مسرحا لها، حيث خلف آلاف القتلى والجرحى وخسائر مادية في الدور والمساكن والمحلات التجارية ضاربا في مقتل كل مناحي الحياة، وإلى حدود كتابة هذه السطور، وبعد 12 شهرا من الكارثة، لا يزال متضررون يسكنون تحت خيام بلاستيكية لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، في ظروف معيشية صعبة منتظرين على أحر من الجمر إعادة إعمار مناطقهم المنكوبة، وهو الإعمار الذي طال انتظاره بسبب تظافر عدة مشاكل وصعوبات واجهت مختلف المتدخلين. نور الدين الزكراوي، أحد المتضررين من الزلزال والفاعل الجمعوي نائب رئيس جمعية «إيزوران» للتنمية المجالية والإدماج السوسيو ثقافي بأمزميز، وهي إحدى المناطق التي تضررت بشكل كبير من الكارثة، قال في اتصال هاتفي مع الجريدة حول هذا الموضوع، إن غالبية سكان منطقة أمزميز لا يزالون يقطنون تحت الخيام، كما أن عمليات البناء لا تزال متعثرة بل حتى ترميم المنازل غير المهدمة لا يزال العدد كبير منها لم تبدأ بشأنه عمليات الترميم، ولا تزال المنازل مقفلة وأصحابها ينتظرون الرخص التي تخول لهم البدء في عملية الإصلاح، وذلك راجع إلى البطء الشديد في إصدار هذه الرخص من طرف الجهات المختصة، مؤكدا أنه إلى حدود اليوم لم يتم تسليم أي منزل لأصحابه، مبرزا ما يلاحظ من عدم التنسيق بين اللجن التي تصدر قرار الإصلاح ثم بعد مدة قد تصدر قرار إعادة البناء والهدم في نفس الملف، وهو ما يربك السكان ويدخلهم في متاهات الشكاوي والانتقال بين مراكش و أمزميز بدون جدوى، رغم الخبرة التقنية المناسبة وإرفاق تقاريرها بالملفات المعنية، وهذا مشكل، يقول المتحدث، ينطبق على المئات من المتضررين مما يبين حجم الارتباك الذي يحيط بهذه العملية، رغم مرور سنة على الكارثة.
وبخصوص المتضررين الذين هدمت منازلهم أكد أن «عددا كبيرا من الأسر لم تتوصل بالدعم رغم أن منازلها مهدمة أو بحاجة لإصلاح بل إن الدعم المحدد في 140 ألف درهم للمنازل المهدمة بشكل نهائي لم يستفد منه الجميع، وهناك أسر استفادت فقط من 80 ألف درهم فقط، وهو ما يطرح عدة علامات استفهام، وبخلاف المعطيات والأرقام الرسمية المتفائلة إلا أن الحقيقة غير ذلك، فهي لا تعطي فكرة حقيقية عن الوضع الصعب الذي يعيشه السكان رغم بعض التحسن الطفيف»….

معيش يومي بطعم الغلاء والزيادة في الأسعار

المعيش اليومي للأسر بعد هذه الكارثة طاله هو الآخر الخلل وحاد عن السكة، حسب مصادر من المنطقة، بعد تسجيل ارتفاع في أثمنة المواد الأساسية وغلاء مواد البناء في غياب مراقبة الجهات المختصة والزجر لكل مستغل لمآسي الناس، حيث تتم ملاحظة الزيادات المتواترة في أسعار الرمال والإسمنت والآجر مع تسجيل خلل في تزويد المنطقة بالرمال، وحسب مصادر متعددة فإن الطلب المرتفع على مواد البناء لا يوازيه عرض مناسب يفي بالغرض ويسرع من وتيرة البناء، كما أكدت ذات المصادر أن الشلل لا يزال يطال عدة مرافق منها المجزرة البلدية المقفلة منذ ستة أشهر مما يساهم في تسجيل خصاص في اللحوم بالمنطقة التي يكتفي ساكنوها بلحوم الدجاج فقط !

وتيرة البناء رغم بطئها تتواصل والطابع المميز للمنطقة يتلاشى

غير بعيد عن أمزميز وبجماعة أمغراس تتواصل عمليات البناء على قدم وساق وبدأت تظهر، حسب أحد أبناء المنطقة، معالم المساكن التي وصل بعضها مراحل متقدمة من البناء، وأخرى في مرحلة بناء الأساس، بنايات عصرية إسمنتية لا أثر فيها لذلك البناء الأحمر الجميل الذي كان يميز جبال المنطقة، كما أن البطء في الحصول على الرخص هو القاسم المشترك بين جميع المناطق…
بطء في استصدار الرخص لم ينفه حسن كوناين، نائب رئيس جماعة امزميز، فاعل جمعوي، رئيس الفضاء الجمعوي لباشوية امزميز، مؤكدا في اتصال مع الجريدة أن مختلف المتدخلين في هذه العملية واجهتهم مشاكل كثيرة ومتعددة تناسلت لتشكل سدا منيعا أمام الرغبة في الإسراع بإعادة إسكان المتضررين، وإعمار المنطقة، مبرزا أن إعادة الإعمار والتعمير من اختصاص الجماعة القانوني والدستوري، وهي طرف في تنزيل ورش إعادة الاعمار مع متدخلين آخرين (السلطة الإقليمية والمحلية- وزارة التجهيز –الوكالة الحضرية للتعمير- المفتشية الجهوية للتعمير وسياسة المدينة- المهندسين المعماريين- المهندسين الطبوغرافيين –المهندسين المختصين- التقنيين ثم الإنعاش الوطني ).
بالنسبة للمتحدث فالزلزال هو تمرين جد صعب وكان لحظة مصيرية ومفصلية في تاريخ المنطقة لأنه حرك البرك الراكدة وخلخل الوضع المادي والاجتماعي وكذا البنيات الاجتماعية للمنطقة، وسيكون من الصعب الرجوع إلى ما سبق رغم كل الجهود المبذولة .
وعن المشاكل التي واجهت المسؤولين قال إن المشهد العمراني في المنطقة غير مؤطر قانونا بحكم أن المنطقة قديمة جدا وكذا الأنسجة العمرانية مثل منطقة الملاح مثلا، أو المناطق التي تحمل الصفة القروية قديمة جدا مما ساهم في هذا البطء، فبعد الزلزال كانت هناك صعوبات كبيرة في التدخل بهذه المناطق لجرف المنازل المهدمة بسبب ضيق الأزقة مع العلم أنه لا تزال، وإلى حدود اليوم، منازل لم يتم جرفها بسبب صعوبة العملية واستحالة أن تنفذ الآليات العملاقة إليها، والخطورة التي قد تشكلها على العمال إن تم الالتجاء إلى الطرق التقليدية للهدم
وعن رخص البناء والإصلاح أكد أن جل المنازل بالمنطقة كانت مبنية بدون رخصة ولا تتوفر على وثائق التعمير، وهذا ما أنتج العديد من المشاكل بعد الزلزال، فكيف سنصدر رخصة لمنزل لا يتوفر على أي وثيقة كوثيقة التملك الخاصة بالمستغل، كما برزت مشاكل الورثة والأحقية في ملك المنزل إلى غير ذلك من الصعوبات والمشاكل، لكن بعد صدمة الزلزال، يردف المتحدث، وبعد الرجوع إلى «الوعي التدبيري» بدأت مكامن الخلل تظهر بشكل أكثر وضوحا، وبدأ السكان في الحصول على الوثائق الخاصة بمنازلهم، وكان الإشكال الآخر تواصلي بالدرجة الأولى بين جميع المتدخلين، حيث لم تكن المعلومات بينهم تسير وتصل بالسلاسة وبالسرعة المطلوبتين مما أنتج هذا البطء وهذا التعثر في بادئ الأمر.هذا الغياب في التواصل ليس مقبولا الآن، يضيف المتحدث، فبعد مرور عام اتفقنا في اجتماعاتنا على أن يكون هناك تدبير تواصلي في المستوى وبضرورة أن تسير المعلومات بين مختلف المتدخلين بشكل سلس، وهذا سيصبح، لا محالة، في صالح المواطن الذي سئم الوضع الحالي ويأمل في الرجوع إلى حياته الطبيعية بعد إعادة بناء منزله أو ترميمه والحصول على رخص الإصلاح والبناء في آجال مناسبة..مؤخرا لوحظ انفراج في هذا الموضوع وبدأت تعقد اجتماعات يومية بل حتى خلال نهاية الأسبوع للتسريع من وتيرة إصدار الرخص خصوصا أن السلطات الإقليمية والمحلية والمركزية تحت على ضرورة الإسراع بعملية الإعمار. وبعد أن كنا نصدر عددا قليلا جدا من الرخص بدأ بعض الانفراج أصبحنا نصدر عددا أكبر منها يؤكد نائب رئيس الجماعة، مردفا أن المشكل الثاني الذي يحول دون بدء عملية البناء أو الترميم هو مشكل التصاميم والتي يجب أن يستصدرها المستفيد قبل الرخصة ..لقد وجدنا أن الكثير منهم لم يتوصل بالتصاميم كما أن عددا من هذه التصاميم ليس متطابقا مع المساحات المصرح بها (قد تكون مساحة البيت 100متر والتصميم لم يغط سوى 70 أو العكس، أو قد يكون الخلل في عدد طبقات البيت ).
المتحدث في تصريحه للجريدة لم يخف الارتباك الذي طبع عمل اللجان والمتدخلين المختلفين ولكن الآن يقول، أصبحنا على دراية أكبر بمختلف المشاكل وحصرنا الأخطاء وحددنا مكامن الخلل وتم وضع لوائح تنظم مختلف المشاكل التي واجهتنا لتسهيل محاصرتها وإيجاد الحلول المناسبة لها .
وعن طريقة البناء التي لا تتماشى مع التوجيهات الملكية التي دعت إلى الحفاظ على عادات الناس وأعرافهم وتراثهم، قال نائب رئيس الجماعة «لقد كان التوجه الجميع أن نحافظ على هذا الموروث الثقافي والشعبي في البناء، وشخصيا وقفت على عدة تصاميم تصب في هذا الاتجاه، لكن المشكل أن الأسر ورغبتها الملحة في الرجوع إلى منازلها والخروج من حالة التشرد وضغط الوقت، حيث أن البناء بالطريقة التقليدية يلزمه الكثير من الجهد والوقت والمواد الأولية ذات التكلفة الباهظة بالنسبة للقدرة الشرائية للمواطنين، كل هذا جعلنا نغض الطرف عن توجه الناس للبناء بالطريقة العصرية، للأسف ستطمس الهوية التاريخية للمنطقة والتي تميزت بها على مر العصور» .

ماذا بعد الدعم المباشر
و المستعجل ؟

بأمزميز، وكما بباقي المناطق التي ضربها الزلزال، يتساءل الناس مع اقتراب موعد انقطاع الدعم المباشر والاستعجالي: ماذا بعد هذا الدعم؟ وكيف ستسير حياتهم دونه؟ والذي كان خير معين لهم في محنتهم خصوصا أن الزخم الذي عرفته الأيام ما بعد الزلزال والدعم اللامشروط للمغاربة تجاه المنكوبين انقطع الآن، وأصبح الناس دون معين إلا من بعض الزيارات النادرة لبعض جمعيات المجتمع المدني ..يقول أحد سكان المنطقة» لم يعد يزورنا أحد كما في السابق، ولم نعد نتلقى أي مساعدات، سوى النزر القليل، بعض الرجال يشتغلون في مجال البناء ولكن الآخرين لا قدرة لهم على هذا العمل الشاق… «.
ورغم النبرة المتفائلة التي يتحدث بها المسؤولون من كون الأمور بدأت تأخذ مجراها الطبيعي إلا أن الواقع يكشف حجم المعاناة التي لاتزال تخيم على السواد الأعظم من المتضررين ولا تزال معاناتهم مستمرة تحت الخيام، بل إن نسبة كبيرة منهم لم يتلقوا تعويضات الدولة رغم هدم منازلهم ومسحها من على وجه الأرض، فالبيروقراطية تفعل فعلها في الناس وتفاقم من معاناتهم، بعضهم ممن ابتسم له الحظ وحصل على رخصة البناء أو الترميم أكمل العملية من ماله الخاص مفضلا طرق باب عائلته أو أصدقائه للحصول على الأموال اللازمة لإنهاء البناء، والبعض الآخر لا يزال ينتظر تحت خيمة تتلاعب به الرياح، كما تتلاعب القرارات الإدارية بحلمه في سكن لائق ينسيه أحداث ليلة سوداء لا تزال تبعاتها متواصلة حتى الآن…

مؤسسات تعليمية مهدمة وتلاميذ بدون حجر دراسية لائقة

ابتدأ الموسم الدراسي 2024/2025 وابتدأت معه معاناة جديدة لتلاميذ المناطق المنكوبة الذين يبلغ عددهم ما يقارب 650 ألف تلميذ منهم الآلاف منهم بالإعدادي والثانوي لن يجد أكثرهم مؤسسات لاستقبالهم، لقد انهارت 60 مؤسسة بفعل الزلزال وتضررت 1050 ولم تسلم البقية من الشقوق التي لا تخول لها استقبال التلاميذ، مؤسسات لم يتم تهديمها لإعادة بنائها إلا خلال يوليوز الماضي بعد عام على الكارثة، ورغم التبريرات التي قدمتها الوزارة الوصية حول التأخير الحاصل في إعادة تأهيل المدارس سيبقى أغلب تلامذة الحوز بدون حجرات دراسية لائقة حتى إشعار آخر مكتفين بالدراسة تحت الخيام أو داخل «الكونتينيرات» !

سكان الحوز: متى نعود إلى بيوتنا؟

سكان الحوز المتضررون يكابدون المشقات المتولدة عن ذلك الزلزال الرهيب الذي غير حياتهم 360درجة، ففي غضون ستين ثانية فقدوا الأهل والولد والسكن والاستقرار المادي والاجتماعي، وأفاقوا على واقع مرير أملوا، بعد التعاطف الكبير والتضامن الذي حظوا به من طرف كل المغاربة، وبعد توجيهات جلالة الملك الصارمة بالحفاظ على كرامتهم وثقافتهم وموروثهم والتسريع بإنهاء معاناتهم، في أن تمحى صفحة الزلزال السوداء من سجل حياتهم في أقرب الآجال، لكن الوقت طال، وها قد مر عام ولا يزالون يتطلعون إلى السماء ينتظرون انقشاع غيوم الشدة والمشقة عن يومياتهم، عل الفرج قريب ومسيرة الرجوع إلى الحياة الطبيعية تتخذ وتيرة أسرع مما هي عليه الآن…فالسكن تحت الخيام مر والمطر يطرق أسقفها الواهية مهددا بقض مضاجعهم وتعميق شدتهم ومعاناتهم للسنة الثانية.. فمتى تنجلي غمتهم ؟؟؟


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 07/09/2024