يكتسي موضوع منظومة الرقابة على المالية العامة بين إشكالية النجاعة ومتطلبات الحكامة أهمية قصوى بالنظر للعدد الكبير من الأجهزة العمومية الخاضعة لرقابتها، وكذا تزايد إكراهات وأزمات التدبير المالي العمومي، فضلا عن تلازم النظر إليه مع الحاجة الملحة لفرض سلطة القانون في المجال المالي وارتباط الأمر بسياق دولي وإقليمي متغير، فالمغرب عرف حراكا مجتمعيا تجلت مطالبه السياسية والإجتماعية في تكريس المواطنة، وتعزيز الديمقراطية، وإرساء نظام المسؤولية والمحاسبة والمساءلة، ورفض مظاهر الفساد واقتصاد الريع، والدعوة إلى اعتماد نظام الشفافية والحكامة، هذا إلى جانب المطالبة بالكرامة والعدالة الإجتماعية.
وفي هذا الخضم، تجلى العرض الرسمي للدولة، من أجل التجاوب مع الانتظارات والتطلعات والمطالب السياسية والإجتماعية، في الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011، وكذا في إصلاح دستوري من خلال الوثيقة الدستورية لسنة 2011، فضلا عن إحداث العديد من الهيئات الحقوقية والإستشارية، وتحديث الترسانة القانونية. وعلى الرغم من أهمية العرض العمومي سواء على مستوى تجريب منهجية جديدة في صناعة الوثيقة الدستورية، أو على مستوى مضمون تلك الوثيقة ومستجداتها المتمثلة في توسيع اختصاصات السلطات العامة، وإعادة تحديد العلاقة فيما بينها، وتدعيم الحقوق والحريات الأساسية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاولة تحسين نظام الحكامة بواسطة هيئات جديدة، فإن ذلك لا يمنعنا من الإقرار بأن مسار الإصلاح الدستوري بالمغرب يظل محكوما بمنطق الإستمرارية. وعموما، فإذا كانت الوثيقة الدستورية الجديدة تحاول الإستجابة للمنطقين، الأول سياسي يتجلى في تقوية الطابع البرلماني، والثاني تدبيري يتحدد في إيلاء أهمية خاصة لأجهزة الرقابة والتقييم، وهيئات الحكامة فإن ذلك استدعى بالضرورة تقوية نظام الرقابة على الأموال العمومية.
وعلى هذا النحو، شكلت الرقابة على الأموال العمومية موضوعا هاما في ظل ما يعرفه المغرب من إصلاحات دستورية ومؤسساتية من جهة، وبين تنامي الحاجة إلى حكامة جيدة في مجال تدبير الشأن العام من جهة ثانية.
إذا كان تصنيف أشكال الرقابة على الأموال العمومية، بالإعتماد على فصل السلط، يقوم عادة على التمييز بين ثلاثة أصناف من الرقابة، الرقابة الإدارية والرقابة السياسية والرقابة القضائية، فإن دراسة هذه الأصناف له أهمية خاصة في فهم وتفسير معالم منظومة الرقابة على المالية العامة في المغرب ودورها الهام في مراقبة الإستخدام الأمثل للموارد المالية وحماية المال العام.
وقد كان الهدف من وراء إصلاح الدستور المالي هو البحث عن طريقة للتوفيق بين هدفين: الهدف الأول هو عصرنة التدبير العمومي بمنح المزيد من الثقة والصلاحيات للمدبرين ثم بتطوير أدوات إدارة ميزانية الدولة، أما الهدف الثاني فقد كان هو إعادة التوازن لصالح السلطات الممنوحة للبرلمان من خلال احترام المبادئ الدستورية.
إن التدبير الجديد للنفقات العمومية بالطريقة التي تم التفكير فيه بها، هو يعد بمثابة رد فعل ضد الممارسات التي كانت تشوب التدبير المتمحور على الوسائل والذي كان يسهر على احترام المساواة ولكنه لا يمكن بأي طريقة من الطرق من الرقابة على جودة تدبير الأموال العمومية ولا يمكن أبدا من ترشيد النفقات.
إن التوجه الحديث في مجال تعزيز سلطات الرقابة الممنوحة للبرلمان على ضوء الإصلاح يهدف الى إعادة القيمة للرقابة البرلمانية على النفقات العمومية ويدفع البرلمان إلى ممارسة رقابة حقيقية عبر تعزيز هذه السلطات طوال مسطرة المصادقة على قانون المالية.
وكما هو معلوم، فالوظائف الكلاسيكية للإدارة تغطي مجالات التخطيط والإشراف والتنفيذ والمراقبة والتتبع والتقييم. وتعتبر المراقبة من أهم وأبرز هذه الوظائف، لأن مهام المراقبة أساسية ووازنة في القرار الإداري والخدمة الإدارية، من حيث أنها تربط عمل الإدارة بكل الضمانات والمسوغات القانونية الضرورية لتحصينه من الشوائب والمخالفات التي قد تشوب الأداء الإداري.
ومن هذا المنطلق فإن الوضع الرقابي بالمغرب يتميز بالتعدد والتنوع، ويستمد هذا الوضع أسسه من عهد الحماية التي بادرت آنذاك الى القيام بمجموعة من عمليات التحديث للنظام المالي، خاصة من خلال تبني الميزانية العامة، وإحداث خزينة عامة واحدة وإدخال آليات المراقبة المالية العصرية.
وهكذا تعددت وتنوعت أدوات التدخل الرقابية للدولة لتتفاعل مع العمل الإداري في كل حلقات مسلسل العملية الإدارية، بحيث لم تعد من مساحة إدارية إلا وتخضع لنوع أو أنواع من المراقبة، ويمكن التمييز على العموم بين المراقبة الإدارية والمراقبة البرلمانية والمراقبة القضائية، وترتبط بهذه الأجهزة هيئات أخرى ثانوية تمثل آليات اشتغالها ووسائل عملها.
كما تتميز هذه الأجهزة الرقابية، باختلاف توقيت تدخلها الذي قد يكون إما سابقا لتنفيذ القوانين المالية أو مواكبا لها أولاحقا لعملية التنفيذ، أما من حيث نطاق عملها فنجد أنها تصطبغ بالطابع الذي تعمل في نطاقه (إداري، سياسي، قضائي) بحيث تشكل في نهاية المطاف منظومة متكاملة المهام تكفل ما يكفي من الفعالية لعقلنة وترشيد الإنفاق العمومي وخدمة التنمية.
ورغم تعدد أجهزة وآليات الرقابة المالية وتنوعها ظاهريا، فإن ممارساتها العملية أبانت عن اختلالات عميقة وعجز واضح في النهوض بالمهام الرقابية الموكولة إليها، هذا العجز الذي كان سببا رئيسيا في تراكم الإنزلاقات والمخالفات المالية الخطيرة التي عرفها تدبير المال العمومي.
* باحث بسلك الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء-كلية الحقوق المحمدية