بعيدا عن أرقام الحكومة، هذه حقيقة الدخول الاقتصادي: النمو الاقتصادي لا يتعدى 2.9%، والبطالة تحلق قرب 14% و16 ألف شركة تعلن الإفلاس  

 

ونحن على أبواب دخول اقتصادي ساخن، تبدو الحكومة غير مبالية بحجم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني خلال النصف الأول من ولايتها، بل إن المذكرة التوجيهية المتفائلة لرئيس الحكومة حول إعداد قانون المالية لسنة 2025، توحي بأن كل شيء على ما يرام، والحال أن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في البلاد (النمو- البطالة – الاستثمار – مناخ الأعمال – المديونية..) تقول العكس تماما، حيث مازالت الحكومة عاجزة حتى الآن عن الوفاء بواحد من أهم الالتزامات العشر التي قطعتها على نفسها منذ بداية ولايتها، لاسيما تعهدها بالرفع من وتيرة النمو إلى معدل 4 % خلال الولاية الحكومية، في حين لم يتعد معدل النمو 1.2% خلال عامها الأول (عوض 7.9% في 2021)، ولم يتجاوز عتبة 3.5% خلال 2023، بينما يتوقع بنك المغرب أن يتراجع نمو الاقتصاد الوطني 2,8 في المائة سنة 2024.
وإذا تركنا مذكرة رئيس الحكومة جانبا، نجد البنك الدولي يؤكد بالحرف أن «الشركات والأسر المغربية تعاني من صعوبة في التعافي من الصدمات الأخيرة. ويشهد المغرب زيادة واضحة في حالات الإعسار التجاري. وعلى الرغم من تسارع وتيرة النمو الاقتصادي، ظل أداء سوق العمل مخيبا للآمال في عام 2023، مع فقدان ما يقرب من 200 ألف وظيفة في المناطق القروية. وتجسيدا للأثر التراكمي للصدمات الأخيرة على الرفاه، نجد أن نصيب الفرد من الاستهلاك لم يعد إلا بالكاد إلى مستواه ما قبل الجائحة «.
ويتوقع البنك الدولي أن يشهد الاقتصاد المغربي تباطؤا في عام 2024 بسبب ضعف المحصول الزراعي. ومن المتوقع أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي إلى ٪ 2.9. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انكماش القيمة المضافة الزراعية بنسبة 3.3٪ نظرا للظروف المناخية السيئة طوال الموسم الزراعي 2023/2024 وسيكون إجمالي الناتج المحلي غير الزراعي أكثر قدرة على الصمود مدفوعا بتعافي الطلب المحلي وقوة القطاع الصناعي. ومن المتوقع أن ينتعش النمو اعتبارا من عام 2025 فصاعدا، بافتراض موسم زراعي عادي. ومن المتوقع أن يتسع عجز الحساب الجاري إلى ٪ 1.5 من إجمالي الناتج المحلي في عام 2024، في حين يتوقع أن يعود عجز الموازنة تدريجيا إلى مستويات ما قبل الجائحة في السنوات القادمة.
أما صندوق النقد الدولي فيرتقب أن يسجل المغرب نموا بنسبة 3.1 بالمائة هذه السنة و3.3 بالمائة في 2025، وذلك وفقا لتوقعات آخر تحديث لآفاق الاقتصاد العالمي. وفي هذا التقرير، يرتقب أن يصل التضخم إلى 2.2 بالمائة خلال 2024، وإلى 2.5 بالمائة في 2025. ومن المتوقع أن يبلغ معدل البطالة 12 بالمائة هذه السنة، قبل أن يتراجع بشكل طفيف إلى 11.5 بالمائة في 2025. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يستقر رصيد الحساب الجاري للمملكة عند ناقص 2.6 بالمائة خلال 2024، ثم ناقص 2.9 بالمائة في السنة الموالية.
وكان من الطبيعي أن يؤثر ضعف النمو على أوضاع سوق الشغل، حيث أظهرت إحصائيات رسمية أن معدل البطالة في المغرب ارتفع إلى 13.7% في الثلاثة أشهر الأولى من العام الحالي مقابل 12.9 خلال نفس الفترة من العام الماضي، وذلك في ظل تداعيات أسوأ موجة جفاف يشهدها المغرب منذ أكثر من أربعة عقود. وتفيد تقارير المندوبية السامية للتخطيط أن «وضعية سوق الشغل، لا تزال تعاني من آثار الجفاف» إذ فقدت السوق 159 ألف فرصة عمل بالوسط القروي فيما تم استحداث 78 ألف وظيفة بالوسط الحضري «ليتراجع الحجم الإجمالي للشغل 80 ألف منصب». كما أظهرت الإحصائيات أن «قطاع الفلاحة والغابة والصيد فقد 206 آلاف منصب». وارتفع عدد العاطلين ما بين الربع الأول من 2023 وحتى الربع الأول من 2024 بواقع 96 ألف شخص، 59 ألفا بالوسط الحضري و38 ألفا بالوسط القروي، إلى مليون و645 ألف شخص على المستوى الوطني.
وعلى مستوى الاستثمارات الخارجية المباشرة، فقد المغرب في ظل هذه الحكومة تألقه القاري وتقهقر بشكل كبير، حيث تراجع المغرب سنة 2023 إلى الرتبة 16، في الوقت الذي احتلت مصر وجنوب إفريقيا الرتبة الأولى والثانية على التوالي في جلب الاستثمارات بإفريقيا. غير أن هذا الموضوع الذي خصص له جلالة الملك خطابا كاملا، لا يبدو أنه يشكل هاجسا للحكومة التي مازالت تعتقد عنوة وضد حقيقة الأرقام، أنها تبلي بلاء حسنا في هذا القطاع.
وإذا عرجنا على مناخ الأعمال، سنجد أن الحكومة مازالت تتخبط في إيجاد حلول ناجعة للحد من إفلاس المقاولات المغربية الناشئة بسبب صعوبة وصول هذه الأخيرة لأليات التمويل، على الرغم من أن الدولة صرفت حتى الآن ملايير الدراهم لتحقيق هذا الهدف، عبر عدة برامج أحاطتها بدعاية إعلامية كبيرة دون أن تكون لها نتائج مرضية على أرض الواقع ، حيث مازالت عشرات الألاف من المقاولات الناشئة بالمغرب تموت في المهد أو بعد أشهر معدودة من إطلاقها بسبب ضعف مواردها المالية. ففي سنة 2023 وحدها أعلنت أزيد من 14 ألف مقاولة من هذا النوع إفلاسها، ويتوقع إفلاس 16 ألف مقاولة في 2024، وإن كان الوضع الحالي للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة والمقاولين الذاتيين في المغرب أكثر خطورة مما تتحدث عنه الجهات الحكومية.
وحسب الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، فإن عدد الإفلاسات المتزايد في هده المقاولات يتجاوز بكثير الأرقام المنشورة مؤخرا. تلك الأرقام التي تشير إلى إفلاس أكثر من 14.000 مقاولة علما بأن أزيد من 300 ألف مقاولة من هذا النوع مهددة هي الأخرى بالإفلاس. ويتعلق الامر فقط بالمقاولات ذات الطابع المعنوي و99٪ منها مقاولات صغيرة جداً. وإذا أضفنا إلى هدا العدد المقاولات الشخصية، فإن العدد يتجاوز بكثير 33.000 (المقاولات المعنوية والشخصية) التي افلست في 2023.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 12/09/2024