في رأي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي حول مشروع قانون الإضراب : المشروع غير متماسك في هندسته ويغلب عليه الطابع الزجري

 

لاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأيه بشأن مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، تغليب البعد الزجري على إطار تشريعي الغاية منه أساسا هي تنظيم حق الإضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته، حيث خصصت له 12 مادة من أصل 49 مما يرجح المقاربة التقييدية، ويخلق انطباعا غير إيجابي وتوجسي تجاه المبادرة التشريعية برمتها.
ولاحظ المجلس أن المشروع غير متماسك في هندسته وأن تداخل العديد من مقتضياته تجعل قراءته غير واضحة وتحمل تأويلات متعددة يزيدها ضبابية عدم الدقة في التعاريف والمفاهيم، داعيا إلى إعادة صياغة ومراجعة العديد من مقتضياته لكونها تهدد الأمن القانوني والحقوقي.
ورصد المجلس حصر ممارسة حق الإضراب على الأجراء دون غيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، بينما الفصل 92 من الدستور يورد ممارسة حق الإضراب في فقرته الثانية في علاقة بممارسة حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي (في فقرته الأولى)، وبالتالي لا يفصل بين الحريات والحقوق الأساسية وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك عدم توضيح المقصود بالمصلحة الاجتماعية والاقتصادية المباشرة، وعدم التمييز ما بين الحق المضمون بموجب القانون وبين المصلحة المادية.
ورأى المجلس أن المادة 5 تمنع الإضراب لأهداف سياسية في فقرتها الأخيرة دون تحديد أو تعريف لهذه الأهداف وتمييزها عن الإضرابات التي قد تكون موجهة ضد بعض اختيارات السياسات العمومية، دفاعا عن المصالح المادية والمعنوية للمضربين وبالتالي تزيد من إشكاليات تعريف الإضراب. كما أن منع «كل توقف مدبر عن العمل يتم بالتناوب وبكيفية متتالية بين فئات مهنية معينة أو مختلفة تعمل في المقاولة أو المؤسسة نفسها أو في إحدى المؤسسات التابعة لها، سواء تعلق هذا التوقف بنشاط واحد من أنشطة المقاولة أو المؤسسة أو بعدة أنشطة المادة (12) يطرح إشكالا آخر يتعلق بدقة المفاهيم وأسباب المنع.
وبشأن الجهة الداعية للإضراب، يقول المجلس فإن مشروع القانون يحصر في مادته الثالثة حق الدعوة للإضراب في النقابة الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني في القطاع العام والخاص؛ النقابة الأكثر تمثيلا على صعيد المقاولة أو المؤسسة أو المرفق العمومي المعني، وفي حالة عدم وجودها، النقابة التي حصلت على أكبر نسبة من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو المؤسسة، أو أغلبية المأجورين في حال عدم وجود تمثيلية عن النقابة في المقاولة أو المؤسسة المعنية أو المرفق العمومي، رأى المجلس أن الاقتصار على نقابة العمال كهيئة وحيدة لها الحق في الدعوة إلى الإضراب يحرم هيئات وفئات اجتماعية أخرى كالنقابات والجمعيات المهنية من ممارسة هذا الحق. علما أنه حين يكرس العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حرية التنظيم، فهو يجعل العمل النقابي جزءا من العمل الجمعوي ويقر حق التنظيم للجميع.
ويقترح المجلس التنصيص، سدا للفراغ التشريعي، على أن لكل المنظمات النقابية والجمعيات المهنية المؤسسة والمعترف بها قانونيا الحق في الدعوة إلى الإضراب متى توفرت لها التمثيلية، مراجعة كل الإشكالات المتعلقة بالتمثيلية ومعاييرها في القطاعين العام والخاص، بما يسمح برفع القيود عن ممارسة حق الإضراب والحق في التنظيم ويعكس التمثيلية الحقيقية على مستوى الشرعية والمشروعية.
أما في ما يتعلق بعقد الجمع العام للأجراء تحديد نصابه وكيفية عقده وشروط اقتراعه يمكن أن تحال على اتفاقات واتفاقيات جماعية تعقد بين الأطراف وتأخذ بعين الاعتبار حجم وهيكلة كل مؤسسة على حدة . وفي حال تعذر ذلك، يحدد القانون حدودا دنيا للنصاب المطلوب لتجنب النزاع في هذا الموضوع.
ويقترح المجلس إحالة مقتضيات المادة 34 على نص قانون متوافق حوله لتحديد المرافق الحيوية بوضوح ودقة، ما من شأنه أن يحقق المرونة المنشودة في التعديل والتحيين في ظل تسارع تطور البنيات الصناعية والأنماط المهنية الجديدة.
وبشأن تحديد الفئات الممنوعة من الإضراب تفيد المادة 33 بمنع عدة فئات من الموظفين العموميين من ممارسة حق الإضراب، يوصي المجلس بتحديد النص التشريعي بوضوح وإلى أضيق حد ممكن فئات الموظفين العموميين الذين يتم تقييد حقهم في الإضراب، وذلك بما يتوافق مع توجهات منظمة العمل الدولية ويتماشى مع التجارب الدولية التي تقيد هذا الحق عادة بالنسبة لحملة السلاح والفئات التي تمنع أنظمتها الخاصة صراحة ممارسة حق الإضراب.
وبخصوص الآجال يتبين من المواد 7، 16، 18، و 32 من مشروع القانون على أنها تحدد آجال طويلة تشكل تقييدا للحق في الإضراب، وتعتبر طويلة بشكل عام ولا تفرق بين القطاعات والمرافق والخدمات بناءً على أهميتها الحيوية أو خصوصياتها، كما أنها لا تأخذ في الاعتبار الحالات الطارئة أو الخطر الحال.
ويوصي المجلس بإضافة مقتضيات خاصة لتنظيم ممارسة حق الإضراب في المرافق العمومية المحلية والجهوية، بما يتناسب مع خصوصياتها واحتياجاتها، وذلك لضمان التوازن بين حقوق العاملين والمرتفقين على حد سواء.
وبخصوص العقوبات في القانون التنظيمي للإضراب، أكد المجلس أن تخصيص 12 مادة في باب كامل للجزاءات والعقوبات السالبة للحرية والغرامات، مع الإحالة على العقوبات الجنائية الأشد، لا ينسجم مع فلسفة وضمانات ممارسة هذا الحق . كما أن مبالغ الغرامات المنصوص عليها عند ارتكاب بعض المخالفات قد لا تحقق هدف الردع أمام خرق قانون الإضراب.
وكل المخالفات والنزاعات المتعلقة بممارسة حق الإضراب في مجال الشغل يمكن معالجتها في إطار عقد العمل أو الاتفاقيات الجماعية وبعقوبات تأديبية للأجراء طبقا لمدونة الشغل، أو باللجوء إلى القضاء لطلب التعويض عن الضرر، أو بالاحتكام لمقتضيات القانون المدني، أو القانون الجنائي في جنح وباقي جرائم الحق العام، وذلك من طرف المشغل أو الأجير على السواء.


الكاتب :  جلال كندالي

  

بتاريخ : 13/09/2024