استثمارات بملايير الدولارات ومنصات صناعية تنبت كالفطر في ربوع المملكة .. المغرب يتحول إلى «إلدورادو جديد» للمصانع الصينية في قطاع السيارات

بالقدر الذي يبدو فيه المغرب منافسا قويا للصين في الأسواق الأوربية للسيارات، بقدر ما تبدو الصين أكثر اهتماما بجعل هذا المنافس الجديد الذي لم يكن قبل 15 عاما يصدر سيارة واحدة، شريكا قويا في صناعة السيارات وقاعدة متقدمة لغزو الأسواق الدولية.
وبحجم مبيعات يتجاوز 15 مليار أورو، تجاوز المغرب رقم 13,6 مليار أورو الذي حققته الصين، بحسب مكتب الصرف وجمعية مصنعي السيارات الأوروبية. على الرغم من أن الصين مازالت في المقدمة من حيث الحجم، حيث تم تصدير ما يقرب من 782 ألف سيارة، مقارنة بـ 536 ألف سيارة للمغرب.
و إذا كان الفضل في نجاح المغرب في قطاع السيارات يعود إلى حد كبير إلى وجود علامات تجارية فرنسية مثل داسيا، التابعة لشركة رونو، وكذلك ستيلانتيس، فإن المنصات الصناعية الصينية ترى في المغرب «إلدورادو» قد يساعدها مستقبلا على توسيع هيمنها في قطاع السيارات عالميا.
ويستفيد المغرب من العديد من المراكز الصناعية، خاصة في طنجة والقنيطرة، حيث يتم إنتاج موديلات مثل سانديرو وسيتروين أمي. كما تقوم داسيا بتجميع عدد أكبر من السيارات في المغرب مقارنة برومانيا، حتى لو كانت النماذج المصنعة في رومانيا ذات قيمة مضافة أعلى.
ويسعى المغرب إلى تحقيق إنتاج سنوي قدره مليون سيارة بحلول عام 2025. وتبلغ الطاقة الإنتاجية حاليا 700 ألف وحدة، مع شبكة تضم أكثر من 230 موردا وخلق 220 ألف فرصة عمل في هذا القطاع. وفي الفترة ما بين 2020 و2023، ارتفع إنتاج السيارات في المغرب بنسبة 63%، ليعزز بذلك مكانته الرائدة في إفريقيا، خلف جنوب إفريقيا.
وقد فتح المغرب خلال السنوات الأخيرة شهية المستثمرين الصينيين في قطاع السيارات، وبدأت الشركات الصينية المتخصصة في هذه الصناعة تتوافد على المملكة منذ مدة، آخرها شركة جوتيون الصينية للتكنولوجيا الفائقة و التي أعلنت مؤخرا أنها ستبني أول مصنع عملاق لبطاريات السيارات الكهربائية في المغرب بتكلفة إجمالية تبلغ 12.8 مليار درهم (1.3 مليار دولار).
وشركة جوتيون هي أحدث شركة تستثمر في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب الذي يسعى إلى تكييف قطاع السيارات المتنامي مع الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية. وقد وقع المغرب مع الشركة الصينية اتفاقا استثماريا للمصنع العملاق الذي ستبلغ طاقته الأولية للبطاريات 20 جيغاوات في الساعة وتعتزم الشركة الصينية زيادة طاقة المصنع إلى 100 جيغاوات في الساعة، مع استثمار قد يصل إلى 6.5 مليارات دولار في نهاية المطاف.
ويستفيد المغرب أساسا من عدة عوامل لتطوير صناعة السيارات، أهمها القرب الجغرافي للمغرب من أوروبا، واتفاقيات التجارة الحرة مع الأسواق الرئيسية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وصناعة السيارات الحالية تجعله جذابا للشركات الصينية في مجال تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي ماي الماضي أعلنت شركتان صينيتان لتصنيع بطاريات السيارات -وهما هايليانغ وشينزوم- عن خطط لإنشاء مصنعين منفصلين بالقرب من طنجة، ينتج الأول النحاس والثاني الأقطاب التي تطلق الإلكترونات (الأنود) وهي مكونات رئيسية لبطاريات السيارات الكهربائية.
وقبل شهر من ذلك، وافقت الحكومة المغربية مبدئيا لشركة «بي تي آر نيو ماتريال غروب» الصينية لصناعة البطاريات الكهربائية أن تبني مصنعا بالقرب من طنجة لإنتاج الكاثودات، وهي مكون رئيس في بطاريات السيارات الكهربائية.
ومن المتوقع أن يقيم مصنع صيني آخر، وهو «سي إن جي آر أدفانسد ماتريال»، مصنعا لإنتاج الأقطاب التي تكتسب الإلكترونات (الكاثود) في الجرف الأصفر على بعد 100 كيلومتر جنوبي الدار البيضاء، حيث خصصت الحكومة 283 هكتارا لصناعات البطاريات الكهربائية.
وتصدر قطاع السيارات الصادرات الصناعية للمغرب بقيمة 14 مليار دولار عام 2023، بزيادة 27% عن العام السابق. والمغرب موطن لمصانع شركات السيارات ستلانتس ورونو بطاقة إنتاجية سنوية مجمعة تبلغ 700 ألف سيارة، بالإضافة إلى مجموعة من الموردين المحليين.
ويسعى المغرب إلى جذب المزيد من الاستثمارات الصينية خاصة تلك المتعلقة بصناعة السيارات، ولعل أهمها إعلان شركة “Tenglong Auto Parts” لصناعة قطع غيار السيارات الصينية، في يونيو الماضي، استثمار ما يصل إلى 6 ملايين يورو (ما يزيد عن عن 63 مليون درهم) بهدف إنشاء وحدة للتصنيع بالمغرب.
وحسب ما أوضحته الشركة فإن الوحدة المزمع إنشاؤها في المغرب، ستهتم أساسا بصناعة أنابيب الألومنيوم لتكييف الهواء في السيارات، ومجموعات أنابيب أنظمة تكييف الهواء، بالإضافة إلى أنابيب توصيل لأنظمة تبادل الحرارة، حسبما أعلنت الشركة التي تتخذ من تشانجتشو مقراً لها. وأكد المصدر ذاته أن الشركة ستنشئ مشروعا مشتركا مع شركة “تشونغشان كينغ نيو” لتكنولوجيا التبريد وشركة “تشووزهو جيازه” للأجهزة الكهربائية، وأضافت أن المشروع الجديد سيبحث ويطور ويصنع ويبيع منتجات السيارات مثل الثلاجات. ووفقا للمؤسسة، سيبلغ رأس المال المسجل للمشروع المشترك 20 مليون يوان صيني (2.8 مليون دولار أمريكي)، وستساهم “Tenglong” بمبلغ 11 مليون يوان صيني. وقد سبق للشركة إنشاء قواعد إنتاج في بولندا وماليزيا، وتخطط لمشروع مشترك منفصل لمنتجات السيارات في الصين بقيمة 11 مليون يوان صيني (1.5 مليون دولار أمريكي).
الاستثمار المعلن يأتي بعد أسابيع من توقيع المغرب اتفاقية استثمارية استراتيجية مع مجموعة “غوشن هاي تيك” الصينية-الأوروبية الرائدة في مجال التنقل الكهربائي، لإقامة مصنع ضخم (“GIGAFACTORY”) مع منظومة متكاملة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في مدينة القنيطرة. ومن المرتقب أن تبلغ السعة الإنتاجية لهذا المصنع 20 GWh في المرحلة الأولى، مع إمكانية توسيعها إلى 100 GWh مستقبلا وتبلغ قيمة الاستثمار الإجمالي 65 مليار درهم، مع خلق 17.000 منصب شغل مباشر وغير مباشر، بما في ذلك 2.300 منصب شغل عالي الكفاءة.
وكان العملاق الصيني «سنتوري تاير» أول من أعلن عن مشروع لبناء مصنع لإنتاج إطارات السيارات للسيارات الخاصة والشاحنات الصغيرة في المغرب، وذلك في يناير 2023. وسيتم إنشاء المصنع على مساحة 20 هكتارا ويتطلب استثمارا قدره 490 مليون دولار (حوالي 4.74 مليار درهم)،. ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل في شتنبر الجاري وأن ينتج 12 مليون إطار سنويا، وفقًا للمصنّع الصيني. وسيتم تصدير الجزء الأكبر من هذا الإنتاج إلى الولايات المتحدة الامريكية.
كما اختارت مجموعة “بي تي آر نيوماتيريال غروب” الصينية، وهي إحدى الشركات الرائدة عالميا في تصنيع مكونات بطاريات السيارات الكهربائية، أن تستقر في طنجة-تيك. وقعت الشركة متعددة الجنسيات مع الحكومة المغربية، في 29 مارس 2024، اتفاقية استثمار بقيمة 3 مليارات درهم لبناء مصنع لإنتاج الكاثودات. ومن المتوقع أن يبدأ المصنع نشاطه في سبتمبر 2026، بقدرة إنتاجية أولية تبلغ 25 ألف طن سنويًا، والتي من المتوقع أن تصل إلى 50 ألف طن سنويًا في السنوات التالية.
وأعلن العملاق الصيني في 13 غشت 2024 عن بناء مصنع ثانٍ في طنجة-تيك، باستثمار يفوق 363 مليون دولار (حوالي 3.5 مليار درهم). وسيكون هذا المصنع مخصصا لإنتاج مواد أنود بطارية الليثيوم أيون، ومن المتوقع أن تبلغ قدرته الإنتاجية السنوية 60 ألف طن. ومن المقرر أن يبدأ التشغيل في عام 2026.
بدورهما، أعلنت الشركتان الصينيتان “هايلانج” و”شينزوم”، وهما من الشركات الرائدة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، في 14 مايو 2024، عن عزمهما استثمار مبلغ 910 ملايين دولار (حوالي 8.79 مليار درهم) في المغرب.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 14/09/2024