عودة النيابة العامة الى حضن السلطة الحكومية 2/2

2 – كيف انتقلت النيابة العامة في المغرب من الاستقلالية إلى التبعية.

إن المغرب، من جانبه، وإعمالا لمنطق الغموض المتحدث عليه سابقا، أو تدبير الغموض كآلية من آليات التدبير السياسي والمجتمعي بصفة عامة, نص في المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية على أن وزير العدل يشرف على تنفيذ السياسة الجنائية. بينما لا يوجد أي نص يتكلم عن الجهة التي تضع هذه السياسة الجنائية.
فهذه المادة أتت لتؤشر على الانتقال الذي ستعرفه النيابة العامة من وضع الاستقلالية التي خصها بها قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 إلى وضع التبعية للسلطة الحكومية. لكن بدون أن يعلن عن ذلك صراحة. أي باستعمال آلية الغموض المتحدث عنها سابقا. وهو الانتقال الذي يظهر من خلال عدة وجوه.
الوجه الأول لعملية الانتقال الى التبعية
يظهر من التحول الذي عرفته النيابة العامة في علاقتها مع مبدأ الاستقلالية الذي رسمه قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959.
ذلك أن قواعد المسطرة الجنائية في الجانب المتعلق بالوضع القانوني للنيابة العامة كانت بالفعل من الناحية القانونية مستقلة عن السلطة التنفيذية.
وتبين ذلك الاستقلال القانوني من كون أعلى سلطة كانت تترأس النيابة العامة كان هو وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بصفته هو من أهله القانون لكي تكون له صفة ضابط سام للشرطة القضائية. أي الضابط الذي يتحكم في الشرطة القضائية وله حق الامر باعتقال وفتح الدعوى العمومية ضد أي مواطن.
كما إنه في قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 لم يكن وكيل الملك رئيسا تسلسليا لنوابه. الذين كانوا يتمتعون هم كذلك بنفس الاستقلالية الذي كان يتمتع بها قضاة الأحكام.
هذا الوضع القانوني سيتغير بمقتضى المسطرة الجنائية لسنة 2002. ومؤشر ذلك التغير هو أمرين:
1 – ان هذا القانون سيعطي للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف صفة ضابط سام للشرطة القضائية لأول مرة في تاريخ المغرب. طبقا للمادة 19 من قانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل. بخلاف قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 الذي لم يكن يعطيه هذه الصفة.
2 – أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف سيصبح سلطة تسلسلية ورئاسية لكل قضاة النيابة العامة بمن فيهم وكيل الملك. طبقا للمادة 49 من قانون المسطرة الجنائية. خلافا لما كان عليه الامر في قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959
3 – أن وكيل الملك سيصبح هو كذلك سلطة تسلسلية رئاسية بالنسبة لنوابه طبقا للمادة 39 من قانون المسطرة الجنائية.
هذه التعديلات في الوضع القانوني لوكلاء الملك التي ادخلها قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 سيتوج بسن القاعدة المذكورة في المادة 51 التي ستتكلم بصفة صريحة عن العلاقة بين النيابة العامة والسلطة التنفيذية. وستذكر بدور وزير العدل كحلقة وصل بين السلطة التنفيذية والنيابة العامة

الوجه الثاني لعملية الانتقال

سيعرفه الوضع القانوني للنيابة العامة هو ما أتى به دستور 2011 الذي سن تحولا نوعيا ومؤسسيا للوضع القانوني للنيابة العامة في منظومة العدالة. وذلك من خلال 3 فصول وهي الفصل 108 والفصل 110 والفصل 116.
ذلك أنه إذ بالإضافة إلى أن الفصل 110 و116 الذين تحدثا عن وجود سلطة ستتبعها لها النيابة العامة، إلا أن انعدام استقلال النيابة العامة سيظهر أكثر في الفصل 108 الذي يسمح بعزل ونقل قضاة النيابة العامة خلافا قضاة الأحكام الذي يمنع الدستور نقلهم أو عزلهم. وهو ما يعني أن المشرع الدستوري ميز بين قضاة الأحكام وأعطاهم حصانة ضد العزل والانتقال. بينما لم يمدد تلك الحصانة الى قضاة النيابة العامة.
ومن المعلوم، وفي جميع القوانين في الدول الديموقراطية، إن المؤشر على استقلال القاضي هو حصانته ضد العزل والنقل الى محكمة أخرى. فعندما يحصر دستور 2011 هذا الحق في قضاة الحكم فقط. فإنه يقصد أن قضاة النيابة العامة قابلون للعزل وقابلون للنقل الى محاكم أخرى. أي ليست لديهم أية حصانة من ذلك.
هذا الوضع القانوني والدستوري أصبح واضحا اليوم. وهو يشكل نهاية لمسار أو لتطور أو لتحول للوضع القانوني للنيابة العامة في بنيان الدولة من أي المسار من الاستقلالية إلى التبعية.
لكن السؤال الذي يحتاج إلى جواب هو من هي السلطة التي تتبع لها النيابة العامة حسب الدستور؟
قبل الجواب على هذا التساؤل لابد أن نستحضر ما أشير إليه أعلاه من كون الحديث عن النيابة العامة هو حديث في صلب بناء الدولة وهنا توزعت الآراء حول من هي “السلطة” المتحدث عنها في الفصل 110 و116 من الدستور هل هي السلطة التنفيذية، أم هي السلطة القضائية.
كما هو معلوم فإن الدول الديمقراطية تعرف نوعين من أنظمة الاتهام: هناك نظام الاتهام المبني على ملائمة المتابعة وهناك نظام الاتهام المبني على قانونية المتابعة.
فالنظام الأول يتيح للنيابة العامة أن تقرر عدم فتح المتابعة ضد شخص معين حتى ولو ارتكب فعلا مخالفا للقانون الجنائي لاعتبارات سياسية او اجتماعية أو دولية دون أن تكون ملزمة بتبرير ذلك أو بالمحاسبة عليه. وذلك انطلاقا من مبدأ أحدث لهذه الغاية وهو مبدأ الملاءمة. وبالتالي فهذه السلطة الكبيرة تعطى للجهة التي تمثل الإرادة العامة للمواطنين وهي السلطة التنفيذية.
بينما نظام الاتهامي المبني على الشرعية أو قانونية المتابعة. فهو يلزم النيابة العامة بأن تفتح المتابعة ضد كل من يخالف القانون بغض النظر صفة المعني بالأمر أو هويته أو الجهة التي ينتمي إليها. وهي سلطة تختص بها النيابة العامة المسؤولة على تطبيق القانون الجاري به العمل على جميع المواطنين. ولا تمييز بينهم بل تطبق القانون على المواطن العادي مثله من أي مواطن آخر كيف ما كان مستواه الاجتماعي او السياسي الذي يوجد عليه. كما وقع في قضية رئيس صندوق النقد الدولي السابق Dominique Strauss-Kahn عندما اعتقلته الشرطة الامريكية ووضعت في يديه قيدا حديدي وانزلته من الطائرة بناء على شكاية من سيدة امريكية اتهمته بممارسة الجنس عليها بدون رضاها. وقبل ان تثبت التهمة في حقه
والمغرب اختار، إلى حدود اليوم، إعمال النظام الاتهامي المبني على الملائمة. وهو النظام الذي يتيح للنيابة العامة إمكانيات واسعة لتحريك الدعوى العمومية أو عدم تحريكها. وهو ما يترجمه الفصل 40 من قانون المسطرة الجنائية التي تعطي لوكيل الملك أن يتخذ في الشكايات ما يراه ملائما ويعطيه الحق في حفظ الشكاية ويعطيه الحق في التراجع عن قرار الحفظ. دون أن يكون قراره مراقبا من جهة ما أو قابلا للطعن. وهو الامر الذي تراجع عليه المشروع بعدما سمح بالطعن في قرار الحفظ. كما سنعود الى ذلك في مقتل آخر
فالنتيجة القانونية والملزمة هي أن سلطات وكيل الملك في إقامته وممارسته للدعوى العمومية أو عند اتخاذ أي قرار بشأنها هي سلطة غير خاضعة لأي مراقبة. وغير قابلة لأي طعن. وهو ما يتأكد من نص الفصل 38 من قانون المسطرة الجنائية الصادر سنة 1959 الذي يعطي لوكيل الملك الحق في المتابعة أو عدمها. بدون أن يكون ملزما بتعليل ذلك وبدون أن يكون ذلك القرار قابل للطعن.
بل إن الفصل 36 من نفس القانون أكد على نظام الاتهام المبني على الملائمة عندما أعطى للنيابة العامة بالرغم من توصلها بتعليمات وزير العدل الحق في بسط ملاحظاتها بكل حرية لما تراه مفيدا للعدالة.
وحيث أن وضع الاستقلالية التي كانت عليه النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 سيتقلص مع التطور السياسي الذي سيعرفه المغرب وسيبدأ مسلسل التقليص بإحداث مبدأ التسلسل الرآسي بين أعضاء النيابة العامة. أي سيصبح وكيل الملك يمارس سلطة عن نوابه. كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من المادة 39 التي لم تكن موجودة في الفصل 37 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 كما فصلناه اعلاه.
وهكذا ستخرج النيابة العامة من وضعية الاستقلالية التي عرفتها في إطار قانون المسطرة لسنة 1959 لتنتقل إلى نظام التسلسل الرآسي الذي يوجد في أعلى هرمه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في قانون المسطرة الجنائية الحالي.
وليس غريبا أن التعديلات التي أدخلها قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 على الوضع القانوني للنيابة العامة وذلك بنقلها من وضع الاستقلالية إلى وضع التبعية والتسلسل الرآسي, ستتوج بسن القاعدة المنصوص عليها في الفصل 51 من قانون المسطرة. الذي حددت علاقة النيابة العامة بالسلطة التنفيذية.
ومن المفيد، من أجل فهم أعمق للوضع القانوني للنيابة العامة أن نقف عند صياغة ومضمون المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 ومقارنتها مع الفصل 48 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959.
ذلك أن الفصل 48 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 ينص على ما يلي:
“يمكن لوزير العدل أن يبلغ إلى رئيس النيابة العامة ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون “الجنائي وتأمره أن يتابع أو يكلف من يتابع مرتكبيها أو يأمره بأن يرفع كتابة إلى المحكمة “المختصة ما يراه الوزير ملائما من التماسات.
وهذا الفصل لا يتلكم على السياسة الجنائية وبالتالي لا يتكلم على من يضعها. أي انه يستعمل آلية الغموض لتدبير إشكالية السياسة الجنائية.
بينما تنص المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002، على ما يلي:
“يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذي “يسهرون على تطبيقها وله أن يبلغ إلى الوكيل العام ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون “الجنائي وأن يأمر كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك أو أن يرفع إلى المحكمة “المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابة.
ويظهر بكل وضوح أن الفرق بين الفصلين هو الفقرة الأولى المضافة في المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 والتي كشف بواسطتها المشرع لأول مرة، عن وجود سياسة جنائية. وعلى أن وزير العدل هو المشرف على تنفيذها وهو الوحيد المؤهل لتبليغها للوكيل العام قصد تطبيقها.
بينما احفظت هذه المادة بنفس وجه الغموض حول من يضع السياسة الجنائية. إذ ان تلك المادة لم تذكرها بل تكلمت فقط على تنفيذها وتبليغها واسندت ذلك لوزير العدل. و تكلمت على تطبيقها واسندت ذلك الى الوكيل العام. والمقصود هو الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف. خلافا لما سيحمله مشروع قانون المسطرة الجنائي كما سنبين ذلك فيما بع.
لكن، الفرق بين الفصلين لا يظهر فقط في الفقرة المضافة. ولكن يظهر في بروز دور التسلسل الرآسي بين وزير العدل والوكيل العام. المتجلي في أن الوكيل العام مهمته هي تطبيق السياسة الجنائية. إذ لم ينص الفصل على أي إمكانية الوكيل العام في عدم تطبيقها.
وهكذا يظهر أن قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 أقر نظاما رأسيا يوجد على رأسه وزير العدل وأسفل الهرم يوجد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف وبعده يوجد وكيل الملك كرئيس لنوابه.
عندما نقف على هذا المعطى أي أن النظام القانوني للنيابة العامة يخضعها لنظام تسلسلي ورآسي. فإنها تكون قد فقدت استقلاليتها التي كانت لها في قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959.
هذا الوضع القانوني يدفعنا الى وضع السؤال التالي: هل نظام التسلسل الرآسي هذا موجود في نص آخر غير قانون المسطرة الجنائية أم لا.
عندما نعود إلى الفصل 110 والفصل 116 من الدستور نجد أن الدستور تدخل ليدستر هذا التسلسل الرآسي حسب الصيغة العربية للفصلين معا. لكن في الصيغة الفرنسية من نص الدستور نجد صيغة أخرى إذ تنص الفقرة الثانية من الفصل 110 من الدستور باللغة على ما يلي:
Les magistrats du parquet sont tenus à l’application de la loi et doivent se conformer aux l’instruction écrites, conforme à la loi de l’autorité émanant de l’autorité hiérarchique.
وتنص الفقرة الثانية من الفصل 116 من الدستور بالفرنسية على ما يلي:
Dans les affaires concernant les magistrats du parquet, le Conseil supérieure du pouvoir judiciaire prend en considérations les rapports d’évaluation établis par l’autorité hiérarchique dont ils relèvent.
غير أن الصيغة التي استعملت في الدستور باللغة العربية لم تستعمل كلمة السلطة الرآسية كترجمة لكلمة “‘autorité hiérarchique.” وإنما استعملت كلمة أخرى وهي كلمة ” السلطة التي تتبع لها” و ليس السلطة التي تترأسها.
إن فقدان استقلالية للنيابة العامة هو قابع في ثنايا ما يلي:
1-النظام الرآسي الذي سنته قواعد المسطرة الجنائية والذي أضفى عليه الدستور صفة القاعدة الدستورية الملزمة للجميع. وفقا للفقرة 3 من الفصل 6 من الدستور التي تنص على أن القواعد القانونية وتراتبيتها تعتبر دستورية وهي ملزمة للجميع.
2 – الصياغة التي اختارها المشرع الدستوري للفصل 110 و116 وعلى الخصوص الصيغة بالفرنسية.
3 – نظام الاتهام المختار والمطبق في المغرب.
4 – ما هو العرض الذي يقدمه مشروع المسطرة الجنائية للوضعية القانونية النيابة العامة
إن قراءة المقتضيات الجديدة التي أتى بها مشروع قانون المسطرة الجنائية بخصوص الوضعية القانونية للنيابة العامة تبين انها أسست لوضعية جديدة تتمثل في ثلاثة أوجه وهي: الوضع القانوني الذي أصبح عليه الوكيل العام لمحكمة النقض من جهة. وتمييزه عن رئيس النيابة العامة من جهة ثانية. والكشف عن الجهة التي تضع السياسة الجنائية من جهة ثالثة.
وبخصوص الوضعية القانونية للوكيل العام لمحكمة النقض فإن الجديد فيها هو ان قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 حصر صفة ضباط سام للشرطة القضائية في وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية. كما ان قانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل مدد تلك الصفة للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف.
بينما مشروع قانون المسطرة الجنائية فإنه اتى بمقتضى جديد وهو إعطاء صفة ضابط سام للشرطة القضائية كذلك للوكيل العام لدى محكمة النقض. وذلك بواسطة التعديل الذي ادخله على الفقرة الأولى من المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل.
فهذا التعديل أتى ليلائم وضعية الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض مع المهام التي اسندتها له المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالقانون الأساسي للقضاة الذي صدر بعد صدور قانون المسطرة الجنائية الجار به العمل. ونص التعديل على ان الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو الرئيس التسلسلي للوكلاء العامين ولوكلاء الملك ولباقي نوابهم. وبهذه الصفة يمكنه التوجه مباشرة للشرطة القضائية بجميع اصنافها وإعطائها التعليمات المتعلق بالأبحاث القضائية.
ومن المفيد الإشارة الى ملاحظة جديرة بالوقوف عندها وهي التفرقة بين الوضع القانوني في العلاقة مع الحكومة بين كل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الذي هورئيس النيابة العامة. وبين رئيس محكمة النقض الذي هو الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ذلك ان رئيس محكمة النقض بصفته الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مرتب في وضعية رئيس مجلس النواب طبقا للمادة 13 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. لكن بالرجوع الى الوضعية القانونية للوكيل العام للملك لدى محكمةالنقض بصفته رئيس النيابة العامة نجدها غير مذكور في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة للقضائية مثل رئيس محكمة النقض. بل منظمة بالقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة من جهة. ومرتب في وضعية وزير أي في وضعيةعضو من الحكومة. وذلك طبقا للمادة31 منه.
وبخصوص تمييز الوكيل العام لمحكمة النقض عن رئيس النيابة العامة فإننا نجده واضحا في المواد التالية:
المادة 1-22 التي تتكلم على انشاء الفرقة الوطنية للشرطة القضية بقرار مشترك لرئيس النيابة مع السلطة الحكومية الإدارية على الفرقة. بدون ان تذكر تلك المادة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
وكذا المادة 1-51 التي تتعلق بالسياسة الجنائية والتي لا ذكر فيها للوكيل العام لمحكمة النقض. وانما تتكلم فقط على رئيس النيابة العامة.
وكذا المادة 51 التي تتكلم فقط على الوكيل العام لمحكمة النقض بدون الإشارة الى رئيس النيابة العامة.
وهنا من العدل اثارة السؤال التالي: هل من المنتظر مستقبلا ان يكون رئيس النيابة العامة شخصية غير منتسبة لسلك القضاء.
إن مشروعية هذا السؤال تجد سندا لها من المادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة والذي ينص على ان جلالة الملك يعين رئيس محكمة النقض والوكيل العام به. لكنها لا تنص على ان هذا التعيين يتم من بين القضاة. خلافا للمادة 50 من القانون التنظيمي للسلطة القضائية التي تنص على ان تعيين الامين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يعينه جلالة الملك من بين ثلاثة قضاة. وهو نفس الامر بالنسبة في المادة 53 من نفس القانون التي تتكلم على جلالة الملك للمفتش العام من بين ثلاثة قضاة.
بخصوص الكشف عن الجهة التي تضع الساسة الجنائية, فهو مستجد جدير بالتوقف عليه وهو المستجد المنصوص عليه في المادة 1-51 من المشروع و التي تكلمت لأول مرة في تريخ المغرب على:
1 عرفت المقصود بالسياسة الجنائية بكونها سياسة عمومية.
2 حددت الجهة التي تضعها.
3 أحلت رئيس النيابة العامة محل وزير العدل في الاشراف على تنفيذها. وكلفته بتبليغها الى الوكلاء
العامين
4 – احتفظت بدور لوزير العدل باعتباره هو من حلقة الوصل بين الحكومة والرئيس النيابة العامة.
5-ألزمت رئيس النيابة العامة بتضمين تدابير تنفيذ السياسة الجنائية من قبله في التقرير المنصوص عليه في 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
هذه القواعد القانونية هي التي ستؤطر مستقبلا السياسة الجنائية. وهو ما سنحاول مقاربتها فيما يلي.
من جهة أولى: فإن مشروع المسطرة الجنائية كشف لأول في تاريخ المغرب على تعريف للسياسة الجنائية وعلى الجهة التي تضع السياسة الجنائية. بينما لم يعرف بها لا قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 ولا قانون المسطرة الجنائية لسنة 2002. الى ان جاءت المادة 1-51 من المشروع وتكلمت على نوعين من السياسة الجنائية. واحدة تشريعية. والأخرى تدبيرية.
وفي تقديري فإن مهندس هذا المشروع أراد ألا يصطدم مع قرار سابق للمحكة الدستورية التي اعتبرت على الاختصاص في وضع السياسة الجنائية يعود للسلطة التشريعية.
ولفد اختار مهندس المشروع مخرجا مشرفا عندما ميز بين السياسة الجنائية التشريعية أي التي تصدر في شكل قوانين عن السلطة التشريعية. وبين السياسة الجنائية التي تشمل القواعد والتدابير التي تخذها الدولة في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها. كما هو منصوص عليه في القرة الأولى من المادة 1-51 .
هذه الفقرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن الفقرتين الثالثة والرابعة من نفس المادة. واللتين ورد فيهما ما يلي:
“كما يشرف رئيس النيابة العامة على تنفيذ السياسة الجنائية المتربطة بالسياسات العمومية التي تضعها “الحكومة و يبلغها له وزير العدل.
“يضمن رئيس النيابة العامة الإجراءات و التدابير لتنفيذ السياسة الجنائية في التقرير الذي يعده في “\طار المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
هذه الفقرات تبين التحول الذي ستعرفه النيابة العامة لأنها اخرجتها من المجال المغلق الذي وجدت فيه بعد قانون 33.17 الذي نقل لرئيس النيابة العامة اختصاصات وزير العدل في الدعوى العمومية. وهو المجال الذي تمثل في عدم مناقشة القضايا المرتبطة بالعدالة أمام البرلمان. لكن بعدما سيصبح رئيس النيابة العامة ملزما بتضمين إجراءات وتدابير تنفيذ السياسة الجنائية في التقرير الذي يلقى امام لجنتي العدل في البرلمان, فإن هذا المستجد سيؤدي , في تقديري الى:
1-عودة صلاحية البرلمان في التداول ومناقشة قضايا العدالة كما كان الامر قبل ان تنقل اختصاصات وزير العدل الى رئيس النيابة العامة. وذلك عن طريق مناقشة تقرير رئيس النيابة العامة المنجز التي سيلقى اما لجنتي العدل في البرلما.
2-هذه المادة ستحل الاشكال الذي طرح حول من يجب عليه ان يلقي تقرير رئيس النيابة العامة امام لجتي العدل بالبرلمان. بعدما تمسك رئيس النيابة العامة بكون القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي قدمته الحكومة السابقة لم ينص على ان ذلك التقرير يجب على رئيس النيابة العامة ان يحضر شخصيا ويلقيه امام لحنتي العدل بالبرلمان.
وأعتقد ان هذا الاشكال قد يحل إما عن طريق تكليف وزير العدل بإلقاء ذلك التقرير أمام لجنتي العدل بالبرلمان باعتباره هو حلقة الوصل بين الحوكمة و البرلمان. ولأنه هو الذي سيبلغ السياسة الجنائية التي تضعها الحكومة الى رئيس النيابة العامة. او باعتباره ينوب على رئيس الحكومة في عرض السياسة الجنائية على البرلمان باعتبارها سياسة عمومية. كما تنص على ذلك المادة 1-51 م المشروع. وذلك طبقا للفصل 101 من الدستور الذي ينص على رئيس الحكومة يعرض على البرلمان حصيلة عمل الحكومة وتخصص جلسة لمناقشة السياسات العمومية التي ستصبح السياسة الجنائية من بينها مثل باقي القطاعات الأخرى..
وللحديث بقية


الكاتب : عبد الكبير طبيح

  

بتاريخ : 23/09/2024