عدد الموقوفين على إثر أحداث الخميس بلغ 28 معتقلا
حالة من السخط
في أوساط المحيط الجامعي والرأي العام
تفاوت في المعالجة الأمنية بين الرباط والدار البيضاء وطنجة
نظم طلبة كليات الطب وقفات احتجاجية جديدة أول أمس الخميس بعدد من المواقع الجامعية، في خطوة تنديدية بالتدخلات الأمنية، التي وصفت بالعنيفة، والتي طالت أطباء الغد في كلية الرباط الذين كانوا قد قرروا الاعتصام مساء الأربعاء، لكن تم منع شكلهم الاحتجاجي باستعمال القوة وتم على إثر ذلك اعتقال مجموعة منهم رفقة آبائهم، حيث أكدت اللجنة الوطنية في بلاغ لها علاقة بالحادث بأن عدد المعتقلين بلغ آنذاك 15 معتقلا.
ارتفع منسوب الاحتقان خلال اليومين الأخيرين بكليات الطب والصيدلة، بعد أن قرر أطباء الغد مواصلة احتجاجاتهم لمطالبة الحكومة بالاستماع الفعلي لمطالبهم والتعامل الجدي معها، ودعوتهم لها لعدم رهن مصير خمسة أفواج والدفع بطلبتها نحو المجهول، مشددين على أن ما جاء من مقترحات عقب تدخل مؤسسة الوسيط وقيامها بدور الوساطة، لم يكن بالأمر الجديد، وجاء فقط ليجيب عن مطالب طلبة شعبة الصيدلة، التي كان من الممكن تلبيتها شهر فبراير الفارط عوض الدفع بإطالة عمر الأزمة.
الرباط .. مقاربة التعنيف
حرصت القوات العمومية في مدينة الرباط على أن تتعامل بنفس النهج الذي اعتمدته في تدبيرها لاعتصام الأربعاء، إذ تدخلت عناصرها مرة أخرى لمنع أي وقفة احتجاجية أو اعتصام أول أمس الخميس، وعملت على تفريق المحتجين واعتقال عدد منهم، كان من بينهم طلبة للطب وعدد من الأطباء الداخليين، وفقا لمصادر طلابية، التي نددت في تصريحات لـ «الاتحاد الاشتراكي» بمقاربة العنف، على حدّ تعبيرها، التي تعتمدها سلطات الرباط في التعامل مع الاحتجاجات، مشيرة إلى أن إحدى الطالبات، على سبيل المثال لا الحصر، وجدت نفسها تُدفع بالقوة وتُضرب عندما احتجت على هذا السلوك من طرف أحد عناصر الأمن؟
وأكد مصدر طلابي أن عدد الموقوفين على إثر أحداث الخميس بلغ 28 معتقلا، مضيفا أنه وبعد ساعات طويلة تقرر إخلاء سبيلهم ليلا ومتابعتهم في حالة سراح، وذلك بعد أن تحولت الاحتجاجات صوب مقر دائرة أمنية، وضمنهم ممثلين للطلبة من المقرر أن يكون قد تم تقديمهما أمام النيابة العامة صباح أمس الجمعة.
وشدد المتحدث في تصريحه للجريدة على أن ما يقع من مشاهد تعنيف بمختلف الأشكال، اللفظية والمعنوية والمادية، لن تزيد إلا في اتساع رقعة التوتر وتفشي حالة السخط من التعاطي الحكومي مع مطلب يتشبث به طلبة الطب والذي يروم تمكينهم من تكوين يخدم صحة المغاربة.
طنجة .. احتجاج خارجي
بدورهم خرج طلبة كلية الطب في طنجة للاحتجاج في الشارع العام، وتوجهوا صوب الكلية للقيام بالاعتصام الذي تم تسطيره، إلا أن القوات العمومية حالت بـ «قليل من الاحتكاك» دون فسح المجال أمامهم للتقدم وولوج المؤسسة، فاكتفى المحتجون بالجلوس في الشارع العام، الذين قضوا به ساعات طويلة، رددوا خلالها الشعارات المنددة بالعنف الذي تعرض له زملائهم في العاصمة الإدارية الرباط، وبالموقف الحكومي في التعاطي مع هذه الأزمة، مستنكرين ما اعتبروه تعاملا مهينا مع أطباء الغد، الذين من المفروض أن يشكلوا طوقا صحيا للبلاد في مواجهة الأزمات الصحية والوبائية وغيرها.
وأكد عدد من المحتجين أن ما يقع من تعنيف ومن إهانة، وفقا لعدد من التصريحات، يساهمان في تعزيز الإحساس بالحكرة والتفكير أكثر في الهجرة عوض أن يضع أطباء الغد عصارة تكوينهم في خدمة الوطن والمواطنين، مشددين على أن المبرر الحكومي الذي يتم تسويقه لإظهار الطلبة بمظهر انتهازي هو غير صحيح، وبأنهم يسعون لأن يكونوا جنودا في الصفوف الأولى في مواجهة كل التحديات ذات الصلة بالشق الصحي في وطنهم، وبأن مسالة الهجرة هي ليست بأمر يراود الجميع.
الدارالبيضاء .. مرونة أمنية
قدم أمن الدارالبيضاء درسا في التدبير السلمي للاحتجاج الطلابي لطلبة الطب، وفقا لعدد من المتتبعين، إذ تفادى المسؤولون الدفع بأي احتقان وعملوا على محاولة تفادي كل أشكال التشنج وذلك باعتماد الحوار والتواصل، حيث وجد الطلبة أنفسهم وجها لوجه مع أمنيين في نقاشات تكررت لأكثر من مرة، التي كانت تتوقف بين الفينة والأخرى بترديد شعارات تؤكد على الحق في الاحتجاج وعلى المطالب التي تهم تجويد التكوين ورفض العنف كل أشكاله.
واصطف عدد كبير من طلبة الطب على طول زنقة طارق ابن زياد، سواء في الرصيف المحاذي لأبواب الكلية أو على الرصيف المقابل، حاملين يافطات ولافتات تترجم مطالبهم وتعكس طبيعة المناشدات الموجهة للحكومة، إلى جانب العلم الفلسطيني، وظلوا على هذا الحال، لمدة تقارب الثلاث ساعات، قبل أن يقرروا فض الاعتصام بكلمة لممثل الطلبة، التي تلاها ترديد النشيد الوطني، لتختتم بذلك الوقفة التي توفّقت في إرسال الرسالة، التي قد تكون انطلقت من الدارالبيضاء حقيقة لكنها تهمّ كل طلبة الطب بمختلف جهات المملكة، والتي ينتظر الكثير من المواطنين والمتتبعين للشأن التعليمي والصحي أن يتم التقاطها من طرف رئيس الحكومة تحديدا، وأن يتم التعامل معها بشكل إيجابي لطي صفحة هذا المشكل ووقف ما يصفه الكثير من الفاعلين بالنزيف؟
وقفات وإضرابات
في المستشفيات
وشهدت المستشفيات الجامعية بعدد من المدن وقفات احتجاجية زوال الخميس، في ردّ فعل من طلبة الطب والأطباء الممارسين على ما وقع في الرباط، وذلك في كل من فاس وأكادير ووجدة وغيرها، إلى جانب الدعوة لاعتصام في مراكش صباح الجمعة، بالرغم من حالة الاستنفار والتطويق الأمني التي طغت على كل المسالك المؤدية إلى الكلية.
وعلاقة بنفس الموضوع، قررت اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين الدعوة لخوض إضراب إنذاري بكل المصالح الاستشفائية باستثناء المستعجلات والإنعاش والحراسة، وذلك انطلاقا من يوم أمس الجمعة 27 شتنبر وإلى غاية الثلاثاء فاتح أكتوبر، احتجاجا على ما تم وصفه بـ «التجاوز الخطير للقيم الإنسانية والاعتداء الصارخ على حرية التعبير وحق التظاهر».
أشهر من التوتر المتواصل
تعتبر أزمة طلبة كليات الطب من بين الأزمات التي نتجت عنها مقاطعة للدراسة ثم مقاطعة للامتحانات، ودفعت لخوض أشكال احتجاجية متعددة، توزعت ما بين وضع الشارات، وتنظيم الوقفات والمسيرات، وخوض الاعتصامات، في مشاهد تسببت في تفشي حالة عارمة من القلق والسخط في أوساط الطلبة وأسرهم والمحيط الجامعي والشارع العام، والتي طال أمدها بشكل يطرح أكثر من سؤال حول طبيعة تدبير الحكومة لهذه الأزمة، والتي تبين كل الأحداث المتعاقبة والتي وصلت إلى حدّ استعمال العنف في حق المتظاهرين، على أنه تدبير غير سليم يفتقد للحكمة والعقلاني وللتبصر، ويدفع لمزيد من الاحتقان والتوتر، مما يجعل كل المتتبعين اليوم يطالبون بوضع حدّ لهذا الموضوع وبتغليب صوت العقل والدفع بكل السبل التي تصب في خدمة المصلحة العامة.